دليل المشاهد الذكى للاستمتاع بـ«حالة خاصة»
فى ٣ يناير الماضى بدأت منصة «watch it» عرض حلقات مسلسل «حالة خاصة»، البطولة الأولى للنجم الشاب طه دسوقى ومعه النجمة الكبيرة غادة عادل، التأليف لمهاب طارق والإخراج لعبدالعزيز النجار. بدأ العرض بحلقتين فقط كانتا كافيتين جدًا لخلق حالة من الانبهار بتلك الحالة الخاصة، الممزوجة بقدر كبير من السعادة لنجم العمل الشاب، باعتبار أنه من المواهب التى تستحق الفرصة، وللحق فقد استغل طه الفرصة أفضل ما يكون، وقدم الشخصية بقدر كبير من البراعة، وقد يكون أفضل مَن قدم شخصية «المتوحد» حتى الآن على الشاشة.
حتى هنا تبدو الأمور طبيعية، مسلسل تبشر بدايته بأنه عمل أكثر من جيد، وحالة من التجاوب والاستمتاع من الجمهور جعلته فى شوق لبقية الحلقات، لكن الأمور لا تسير كذلك فى العادة.
ساعات قليلة بعد عرض الحلقتين، وبدأت موجة مضادة للمسلسل، تدور جميع حججها بأنه مسروق من المسلسل الكورى «Extraordinary Attorney Woo» (المحامية الاستثنائية وو) الذى تم إنتاجه عام ٢٠٢٢، ويتكون من ١٦ حلقة، ويُعرض على منصة «Netflix»، وتدور أحداث المسلسل الكورى حول محامية شابة مصابة بالتوحد، وعلى قدر كبير من الذكاء تبدأ مشوارًا صعبًا فى شق طريقها فى عالم المحاماة.
لا شك أن هناك تطابقًا فى الفكرة، ومَن ينكر ذلك إما جاهل أو أحمق، وأنا هنا لست بصدد الدفاع عن مدى «أصالة» الفكرة، أو أنها من بنات أفكار مؤلفها، ولكن دعنا نتناقش فى عدد من النقاط:
أولًا: هل عشت مع نديم أحمد أبوسريع، بطل العمل حالة مصرية.. أم شعرت بأنك أمام مسلسل أجنبى؟ أتصور أن إجابتك تذهب إلى مصرية الحالة، فنحن نشاهد مسلسلًا مصريًا بكل تفاصيله.
ثانيًا: هذه دعوة للاستمتاع بالمسلسل دون البحث عن منغصات أو أسباب تشغل بالك أو تقلل من متعتك.. شاهد واستمتع دون الحاجة لأن تظهر فيلسوفًا وحامى حمى الملكية الفكرية.
ثالثًا: فكرة الاقتباس أو السرقة أو النقل- سمها كما شئت- هى أمور إنتاجية فى المقام الأول، ولذلك فالحق الوحيد لمحاسبة صناع «حالة خاصة» هو مؤلف العمل الأصلى صاحب الحق الأدبى، وجهة الإنتاج صاحبة الحق المادى. هذا الجانب الكورى له كامل الحق فى الاعتراض أو التفاوض للوصول للصيغة القانونية المرضية للطرفين، أما نحن، كمشاهدين، فأمامنا عملان بلغتين وثقافتين وتفاصيل مختلفة، وحقنا الكامل هنا أن نختار أيهما نشاهد وأيهما نتجاهل.
رابعًا: هل يريحك كمشاهد أن تعرف أن هذا العمل مقتبس؟ حسنًا فالحل بسيط، وهذا اقتراح لصناع المسلسل بوضع جملة فى تتر البداية والنهاية بأن المسلسل مقتبس من المسلسل الكورى، لا أعلم على وجه اليقين إذا ما كان ذلك سيعيد إليك حالة الاستمتاع الأولى أم لا، لكن دعنا نجرب.
خامسًا: هل شاهدت مسلسل سوتس بالعربى؟ حسنًا فهذا المسلسل ليس مقتبسًا.. تستطيع أن تقول إنه دوبلاج صوتًا وصورة للمسلسل الأصلى، بما يعنى أنه نجح رغم عدم مصريته فى كل تفاصيله، يا سيدى اعتبره حالة خاصة مثله، على الأقل كل تفاصيله مصرية. وإن كنت لا تعلم فهناك ما يعرف فى الأدب والفن باسم «التمصير»، يحدث قطعًا وفقًا للكثير من الشروط والقواعد، لكنه فى النهاية يقوم على فكرة نقل نص إنتاج عالمى بتفاصيل مصرية.
سادسًا: أرجوك لا تنزعج عندما تعلم أن الكثير من الأعمال التى شاهدتها وتعلقت بها هى فى الأساس مقتبسة من أعمال أجنبية، والقائمة هنا طويلة: «الإمبراطور» لأحمد زكى، «١٠٠٠ مبروك» و«صنع فى مصر» لأحمد حلمى، «الحرب العالمية التالتة» لأحمد فهمى وشيكو وهشام ماجد، «الحاسة السابعة» لأحمد الفيشاوى، «التوربينى» لأحمد رزق الذى كان يجسد فيه أيضًا شخصية المتوحد، ثلاثية «الفيل الأزرق» لكريم عبدالعزيز، «طير انت» لأحمد مكى. أما النجم الكبير عادل إمام فله باع طويل فى ذلك، «عريس من جهة أمنية»، «شمس الزناتى»، «أمير الظلام» وغيرها. كل ذلك على سبيل المثال لا الحصر لكننا فقط كنا لا نعلم أنها مقتبسة أو لم نركز فى ذلك فاستمتعنا بها.
سابعًا: تعالَ معى فى جولة فى أفلام العام الجديد، لو دخلت سينما مؤخرًا أو صادفك برومو للأفلام الجديدة ستجد أن الأيام المقبلة ستشهد صالات السينما عرض فيلم «Argylle» من بطولة «Henry Cavill» و«Sofia Boutella» ونجم المصارعة جون سينا.. تدور قصته حول كاتبة تتعرض لمطاردات من جهات ومؤسسات مخابراتية عالمية، والسبب أن ما كتبته فى كتابها قد تحقق بالفعل، ليصبح هدف تلك الجهات هو اختطافها لأنها تعلم الغيب، ولذلك فعليها أن تكتب الفصل الأخير، أو النهاية التى يريدونها، أو على الأقل حتى يعرفونها. هل ذكرتك تلك التفاصيل بشىء ما؟ هل صادفتها من قبل؟ بالضبط.. «بطل من ورق»، الفيلم المصرى الذى تم إنتاجه عام ١٩٨٨ من تأليف إبراهيم الجروانى وإخراج نادر جلال، أما البطولة فهى لممدوح عبدالعليم وآثار الحكيم، وإن لم تكن تذكرته حتى الآن فهو الفيلم المعروف شعبيًا بـ«رامى قشوع» بجملته الشهيرة «مبيعرفش يوقفها».
هذا الفيلم مصرى حتى النخاع، لم يثبت عليه أى من ادعاءات السرقة أو الاقتباس، ها هو يتم اقتباسه أو سرقته أو نقله- سمها كما شئت أيضًا- بنفس التفاصيل تقريبًا، وأين؟ فى هوليوود. فالأمر وارد الحدوث حتى فى معقل صناعة السينما فى العالم.
بالعودة إلى حالتنا الخاصة، التى للمصادفة تحمل الاسم ذاته «حالة خاصة»، فلو أنك مررت على المسلسل الكورى مرورًا سريعًا ستتأكد أن النسخة المصرية مصرية بالفعل، لم تنقل أيًا من تفاصيل حياة المحامية الكورية إلا وصبغتها بالمصرى.
من الحلقة الأولى فى كلتا النسختين ستلاحظ الفروق، ففى الوقت الذى تحفظ فيه المحامية الكورية القانون الجنائى كاملًا وهى فى سن الخامسة، وهو ما لفت نظر والدها إلى عبقريتها، ستجد الموضوع أكثر عقلانية مع نديم أبوسريع الذى اكتشفت معلمته فى المدرسة موهبته من حفظه لجدول الضرب، والمؤكد أننا لو جعلناه يحفظ القانون الجنائى لفر المشاهدون من أمام المسلسل مبكرًا جدًا.
خصوصية القضية الأولى التى يتولاها نديم تؤكد أن صناع المسلسل قرروا أن يكون نابعًا من صميم المجتمع المصرى، ففى حين تدافع «وو» عن سيدة فى السبعين متهمة بالشروع فى قتل زوجها المصاب بالخرف لأنه أهانها، تجد نديم يحل مشكلة مقتل فلاح فى «الغيط» باستخدام «منجل»، وأغلب الظن أن «حالة خاصة» لو كان بدأ بقضية سب، كما هم الكوريون، لما استحوذ على اهتمام الناس.
ولو مددت الخط على استقامته فى كل التفاصيل ستجد الموضوع مصريًا خالصًا، رغم تطابق الفكرة كما أشرنا سابقًا، ارتباط البطلة بالحوت، اعتيادها على تناول السوشى، نمط العلاقات والحوارات، ولو أردت اختلافات أكثر ابحث عنها بنفسك.
لكن أكثر ما سيبهرك فعلًا، لو شاهدت المسلسلين، هو أداء البطل، الممثلة الكورية Park Eun-bin التى تقوم بدور «ووى ونج وو»، وطه دسوقى الذى يجسد شخصية نديم أحمد أبوسريع، فبدون تحيز- أو اعتبره تحيزًا إن أردت- طه يتفوق كثيرًا، لأنه يجسد شخصًا من لحم ودم أراد الله أن تكون له ظروفه الخاصة، لكنه قطعًا ليس شخصية كاريكاتورية. لا أنكر أننى انزعجت قليلًا وأنا أشاهد النسخة الكورية، الحركات المبالغ فيها، وطريقة المشى التى لا ترتبط بمرضى التوحد، مقاس الملابس التى ظهرت من الحلقة الأولى لا تناسب البطلة، وحتى طريقة الكلام التى يمكن أن تكون أكثر طبيعية. أما نديم فهو شخص يعيش بيننا بظروفه، لكنه يتحدث بشكل أقرب إلى الطبيعى، يمشى كباقى البشر، ويعيش كما نعيش.
لو أردت أت تعتبر ذلك انحيازًا فلا مانع، لكنك حقًا سترتاح مع نديم أكثر، قد يكون السبب لأنه مصرى، وهذا ما يعيدنا للنقطة الأساسية، أننا أمام فكرة نفذت فى ثقافة أخرى، وعندما نقلناها حولناها لشىء يشبهنا.
ما نقصده هنا أن الأفكار عرضة للتوارد، كما هى بالضبط للسرقة والنقل والاقتباس، لكن هل يهمنا نحن كجمهور فعلًا ما إذا كان مسروقًا أم لا.. أم يهمنا أن نستمتع بما نشاهده؟ لو لم تصل إلى إجابة حتى الآن، أرجوك عاود قراءة النقاط السابقة أعلاه لعلك تعيد التفكير ثانية.
أما أنا فمرة ثانية وثالثة ومليون، لست هنا للدفاع عن المسلسل، ولكن لمحاولة حماية حالة المتعة التى لازمته منذ دقائقه الأولى..
صناع حالة خاصة متألقون..
طه دسوقى مشوار نجم الصفوف الأولى لعقود قادمة..
أما الفكرة فلها رب يحميها..