د.حسام الضمراني يكتب: الأبعاد "التكنوسياسية" للذكاء الاصطناعي ونظم الإعلام العربي
أصبحت الريادة في مجال الذكاء الاصطناعي - والتكنولوجيات الناشئة بشكل عام - حدود المنافسة الجيوستراتيجية بين الولايات المتحدة والصين بل على نحو أدق الى حدود المنافسة "التكنو- سياسية"، ومنها عبر قطعة شطرنجية لمنافسة أطراف أخرى دولية فاعلة برزت فى هذا المجال فى السنوات الأخيرة؛ مثل المملكة المتحدة، وكندا، وفرنسا، وسنغافورة، والهند، وكوريا الجنوبية، وإسرائيل.
وفى منطقتنا العربية يبرز دور الإمارات العربية المتحدة؛ التى أعلنت العام الماضى عن استثمارها فى مجال الذكاء الإصطناعي والحوسبة السحابية ضمن رؤيتها للتنمية المستدامة عبر صندوق بقيمة 10 مليار دولار عبر شركة تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية G42، بالشراكة مع صندوق أبوظبي للنمو (ADG)؛ وهو تنافس يتجاوز مجال الدفاع عن البلدان (من خلال الجيل التالي من الأسلحة المستقلة)، بل وأيضا لوظائفه السياسية وإنعكاساته فى بنية الاتصال السياسي العربي ونظم الإعلام، حيث يعمل الذكاء الاصطناعي على تغيير كيفية فهم إنشاء المعلومات وتوزيعها.
تاريخيًا؛ أنتقلت نظم الاتصال والإعلام السياسي الدولي وتنوعت بين نظم أربعة؛ هي "النظم الليبرالية، المسئولية الاجتماعية، التسلطية، الشيوعية"؛ مرورًا إلي "النظم التجارية التي هى اقرب لليبرالية ونظم المسئولية الاجتماعية"؛ ثم إلى التقسيم الخماسي للنظم "السلطوية، الغربية، الثورية، الشيوعية، التنموية"؛ ومن ثم إلى النظم الإعلامية "الليبرالية، الديمقراطية الاجتماعية، الاستقطابية التعددية"؛ وأخيرًا إلى النظم الأفقية اللامركزية التى تزامنت مع الثورة المعلوماتية في مجال الاتصال والإعلام" بعيدًا عن الحكومات؛ وهو ما يبرز أهمية رصد وتحليل وتفسير طبيعة منافسة الذكاء الاصطناعى على المستوى الدولى ودور الفاعلين في هذا المجال فى نظم الإعلام العربي على الصعيد الجيوسياسي؛ وتجلياته في تحولات الجمهور العربى نحو نماذج الأعمال الإعلامية الدولية، والمحلية المندمجة مع وسائل الإعلام العولمية؛ حيث أعطء هذا الجمهور ظهره لوسائل الإعلام التقليدية واتجاهه نحو الاعتماد على موسوعة ويكيبيديا وتليفزيون الواقع ومنصات الإعلام الاجتماعي (مفتوحة ومغلقة المصدر) مثل "فيس بوك، إكس، تيك توك، إنستجرام، واتس آب، تليجرام، وتطبيقات الأخبار المُّجمعة".
قبل ان نتفقد اثر الصراع التكنو سياسي للذكاء الاصطناعي في الاتصال السياسي العربي؛ دعونا ننظر إلى تقسيم سياسات الحكومات التي تركز على الذكاء الاصطناعي والأجزاء المرتبطة به من سلاسل التوريد على نطاق واسع، والتى تنقسم إلى ثلاث فئات:
أولًا سياسات "الترويج" مثل تخصيص التمويل للبحث والتطوير، وسن سياسة هجرة مرنة، وتوفير الدعم للتصنيع أو غيره من أشكال الدعم، وهنا يبرز تبيان اتجاهات الحكومات العربية فى ما يتعلق بسياسات الترويج حيث تباين وضعف مخصصات تمويل البحوث والتطوير العربية فى مجال الذكاء الاصطناعى وتقنياته، وكذلك الحال بالنسبة لسياسات الهجرة المرنة للكوادر الشابة، وضعف بنية الدعم للتصنيع فى وقت ترتفع فيه صادرات الولايات المتحدة التي تعد اللاعب الأكبر في مجال صناعة الرقائق الإلكترونية، تليها اليابان مباشرة، ثم تايوان/أوروبا، وأخيرًا أستطيع أن أقول كوريا.
أما فيما يتعلق بسياسات "الحماية" مثل فرض ضوابط التصدير على المدخلات الرئيسية، وحظر الاستثمار الخارجي في تطبيقات محددة للذكاء الاصطناعي، فإن سياسات الحكومات العربية في ما يتعلق بضوابط التصدير على المدخلات الرئيسية لا تذكر حيث لا يتوافر أي مدخلات رئيسية فى هذا المجال، حتى فيما يتعلق بالاستثمار فى بعض التطبيقات المحددة للذكاء الاصطناعى فإن الحكومات العربية مازالت فى طور التحول نحو الاستمثار الجزئي فيما يتعلق بإطلاق تطبيقات الذكاء الاصطناعى والتى تتركز فى المقام الاول فى القطاع الحكومي والرعاية الصحية والتمويل والنفط والغاز والطيران والضيافة.
أما فيما يتعلق بسياسات "المبادئ" مثل إرشادات السلامة والأخلاق التي تركز على المستوى المحلي لتوجيه تطوير الذكاء الاصطناعي؛ ثمة تطور ملحوظ عربيًا فى ما يتعلق بسياسات المبادىء التي تكشفها الاستراتيجيات العربية فى الذكاء الاصطناعى فى مصر والإمارات والسعودية والبحرين وقطر؛ والتي تتجلى فى مصر بإطلاق المجلس الأعلى للأمن السيبراني والمجلس الوطني للذكاء الاصطناعى وخريطة كليات الذكاء الاصطناعي والتى تتوزع جغرافيًا ى كافة ربوع الدولية المصرية فى جامعات "حلوان، جنوب الوادي، بنها، الفيوم، كفر الشيخ، عين شمس، الزقازيق" إلا أن الثقافة المجتمعية الخاصة بإقبال الأسر المصرية على توجيه أبنائهم نحو التخصص فى هذا المجل مازالت ضعيفة وتحتاج إلى مزيد من الجهد والعمل، وكذلك شركة "جي 42" شركة الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية بالإمارات، والهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي؛ وغيرها، وهي استراتيجيات دفاعية وسياسات تكشف عن رؤى وتصورات الحكومات العربية حيال إتباع منهج السلامة من تداعيات الصراع الجيوسياسي الدولي في مجال الذكاء الاصطناعى وتقنياته مع تراجع سياسات الترويج (التصنيع)، والحماية التي تتعلق بمكونات التصنيع فى هذا المجال.
بالنظر الى سباق محركات البحث العالمية مثل "جوجل" التابع لشركة"ألف بيت"، و"بينج" التابع لشركة "ميكروسوفت" فى تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدية في محاكاة أنماط اللغة البشرية مثل "شات جي بي تي"؛ وهي محركات بحث أضحت بمثابة قواعد بيانات ومعلومات لدى الملايين من البشر حول العالم على نحو عام، والمجتمعات العربية على نحو خاص؛ وهو ما يبرز عن مستوى من التبعية المعلوماتية من الشمال الى الجنوب وتأثير ذلك فى نظم الإعلام والاتصال العربي؛ وكذلك "شات جي بي تي" الذى يعتمد على ما قاله الناس على الإنترنت حتى عام أو عامين مضت أكثر من كونها انعكاسًا ذا معنى للواقع الذي نعيشه، وإفتقارها إلى أي سياق أو عمق للفهم البشري، خاصة وأنها غالبًا ما يتم تدريبها على مجموعات البيانات الثابتة التي لا تواكب الأحداث في العالم.