خط أحمر مصرى.. هل تدرك إسرائيل خطورة التحرك عبر محور فيلادلفيا؟
جدل واسع حاولت عدة وسائل إعلام إسرائيلية وعربية إثارته، خلال الـ48 ساعة الماضية، حول تحرك إسرائيل لبدء عملية برية من معبر كرم أبو سالم لمحور صلاح الدين، المعروف أيضًا بـ"محور فيلادلفيا"، على حدود قطاع غزة المحاصر مع مصر.
ومن بين الحين والآخر، تعمل إسرائيل على ترويج مثل تلك المزاعم، في إطار مخططها لتهجير الفلسطينيين باتجاه سيناء، حيث إن التواجد في محور فيلادلفيا من شأنه المساهمة في فصل غزة عن مصر.
ما هو محور فيلادلفيا؟
ويمتد محور فيلادلفيا بطول 14 كيلومترًا على طول الحدود بين غزة ومصر، أي أنه يفصل بريًا بين الجانبين حتى البحر المتوسط، ولا يمكن لإسرائيل التحرك عليه دون ترتيبات يتم التوافق عليها الجانب المصري.
ويعد محور فيلادلفيا هو شريط حدودي آمن وفق أحكام معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل والتي تم توقيعها عام 1979، كما أن الهدف الرئيسي من وجود ذلك المحور هو منع عمليات تهريب المواد غير المشروعة التي كانت تتم.
تعديل الملحق الأمني لمعاهدة السلام
وفي عام 2005، جرى اتفاق بين مصر وإسرائيل بتوافق حول ترتيبات أمنية، على نشر 750 جندي من قوات حرس الحدود المصرية على طول الحدود مع القطاع المحاصر، في إطار ترتيب الانسحاب الإسرائيلي أحادي الجانب من غزة حينها.
وفي عام 2021 أيضًا، جرت تعديلات في الملحق الأمني لاتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، والتي تم الإعلان عنها رسميًا وبشكل مشترك بين الجانبين.
وقال المتحدث العسكري المصري حينها: "نجحت اللجنة العسكرية المشتركة بناءً على الاجتماع التنسيقي مع الجانب الإسرائيلي، في تعديل الاتفاقية الأمنية، بزيادة عدد قوات حرس الحدود وإمكاناتها بالمنطقة الحدودية في رفح".
وجود قوات مصرية.. ما المرجعية الرسمية للتحرك على "فيلادلفيا"؟
وتعد معاهدة السلام، والتعديلات التي تم إدخالها عليها باتفاق الطرفين، هي المرجعية الرسمية التي تحدد طبيعة انتشار القوات على امتداد محور فيلادلفيا، ومن ثم فلا يمكن التعدي عليها أو خرقها من أحد الأطراف.
وتدرك إسرائيل جيدًا أنه لا يحق لها تحت أي ذريعة أن تحاول فرض أمرًا واقعًا بتغيير أية ينود تم الاتفاق أو التوقيع عليها في تلك المعاهدة والملحق الأمني الخاصة بها دون وجود تنسيق أمني وتفاهمات مسبقة مع الجانب المصري.
وتندرج محاولات إسرائيل، على المستوى الاستراتيجي، للوجود في محور فيلادلفيا كجزء من مخطتها لتهجير الفلسطينيين، والتي لم تتخل عنه حتى الآن.
وتعتقد أنه حال أتمت عملية فصل غزة عن مصر عبر المحور، ومن ثم عزل القطاع وسكانه عن العالم، فيمكنها فيما بعد دفع حوالي مليون و200 ألف فلسطيني للنزوح قسرًا إلى سيناء.
عواقب غير محمودة.. سيناريو ضرر التنسيق
في الوقت ذاته، تعي الأوساط الإسرائيلية، لاسيما الأمنية، بدرجة لا تقبل أي احتمالات أن وجود أي أنشطة للجيش الإسرائيلي قرب ذلك المحور يعد أمرًا معقدًا للغاية، ويعرض علاقات تل أبيب مع القاهرة إلى مغامرة غير محسوبة، وغير محمودة العواقب أيضًا.
في الوقت ذاته، ترى تلك الأوساط الإسرائيلية أن وجد أي أنشطة لجيشها هناك يتطلب البحث عن مسارا دبلوماسيًا مع مصر، ولكن القاهرة صدت ذلك الأمر بتحديدها "خط أحمر" واضح بعدم السماح لتنفيذ أي مخطط للتهجير إلى سيناء سواء طوعًا أو قسرًا، وكذلك عدم السماح بامتداد القتال إلى سيناء تحت أي ذريعة كانت.
وكذلك، فإن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تعرف جليًا أهمية وجود واستمرار التنسيق الأمني مع مصر، وتدرك أيضًا ضرورة عدم الإضرار بهذا الأمر، حيث ترى تقديراتهم أنه حال حدوث ذلك سيكون بمثابة إنجاز لحركة حماس الفلسطينية.
لعبة "أنفاق غزة".. جهود مصر تتحدث
حاولت عدة تقارير إسرائيلية إدعاء أن هناك أنفاق لحركة حماس تمر من رفح الفلسطينية عبر محور فيلادلفيا، تلك المزاعم التي جاءت كـ"بالونة اختبار" إسرائيلية حول مدى إمكانية وجود أي احتمال لفتح المجال لها باتجاه المحور.
ولكن سرعان ما انكشفت هذه الحيلة بأن المنطقة بين غزة وسيناء لا تحتوى على أنفاق في الوقت الحالي، حيث نجحت مصر في تدمير وتحييد أكثر من 1500 نفق خلال السنوات الماضية.
ولم تكتف مصر بتدمير هذا الكم من الأنفاق فقط للحفاظ على "الشريط الآمن"، لكنها أنشأت منطقة عازلة بين على الحدود بطول 5 كيلومترات.
أمن قومي: تحذيرات مصرية واضحة للحليفين
تمتلك مصر القدرات المختلفة، وربما الكاملة، التي تمكنها من حماية أمنها القومي في أي ميدان، وحماية حدودها من أي انتهاكات حال وقوعها، وهو أمر ينطبق على الحرب في غزة، التي تقع جانب الحدود الشرقية المصرية.
وبالتوازي مع ذلك، تتواصل مصر بشكل مباشر مع الجانبين الإسرائيلي، وحليفه الأول "الولايات المتحدة الأمريكية"، محذرة بشكل واضح من خطورة اندلاع أي عمليات عسكرية إسرائيلية في محور فيلادلفيا.
وانطوت التحذيرات المصرية على أنه حال اندلاع مثل تلك العمليات سيعد مخالفة لأي ترتيبات أمنية موقعة بين مصر وإسرائيل، ما يعني أنه سيكون هناك ضرر على مستقبل العلاقات المصرية الإسرائيلية.
ذلك السياق أكده مسؤولون أمريكيون وإسرائيليون، عبر عدة تقارير سواء عبرية أو غيرها، قائلين إن مصر حذرت برسائل واضحة من مغبة حدوث مثل ذلك الأمر.
وشددوا، خلال حديثهم لموقع "والا" الإسرائيلي و"أكسيوس" الأمريكي، في وقت سابق، أن التحذيرات المصرية شملت التأكيد على أن أي مخالفة أو انتهاك قد تؤدي إلى قطيعة في العلاقات بين القاهرة وتل أبيب.