ثورة جديدة
بإعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية فى ١٨ ديسمبر الحالى يمكن القول إن مصر تبدأ مرحلة جديدة على جميع المستويات الداخلية والخارجية.. وأول ملامح هذه المرحلة أن رسالة المصريين فى الانتخابات قد وصلت للعالم، وأن الصحف الأجنبية تتحدث عن سر احتشاد المصريين فى هذه الانتخابات بشكل يجعلها الأعلى من حيث نسب المشاركة منذ وقت طويل، وثانى ملامح هذه المرحلة أن مصر باتت أكثر وحدة وأكثر قوة فى مواجهة تحدياتها الخارجية والداخلية بعد أن تيقن الجميع أن قرار المصريين يصدر من عقولهم وأن أحدًا لا يستطيع أن يفرض عليهم قراره، لا بتعطيل التمويلات، ولا بتجنيد اللجان، ولا بمحاولة إشاعة الفرقة والانقسام، فقد قال المصريون كلمتهم واختصارها أنهم سيكملون طريقهم الذى اختاروه منذ عشر سنوات وهو طريق التنمية الطموح وأنهم سيحافظون على وحدتهم واستقرارهم بعد أن علمتهم الأيام أن الاستقرار هو أعلى ما يجب الحفاظ عليه وأنه إن ضاع ضاع كل شىء.. المرحلة الجديدة تستمر فيها التحديات القديمة بالفعل، ومن أهم هذه التحديات ذلك الغباء الإسرائيلى فى التعامل مع الشرق الأوسط عمومًا والقضية الفلسطينية خصوصًا، وتصاعد التيارات المتطرفة داخل إسرائيل، وظهور طبقة من السياسيين تختلف تمامًا عن هؤلاء الذين أبرم السادات معهم اتفاقية السلام عام ١٩٧٨.. حيث يتجاور الخوف من مصر مع الرغبة فى مزيد من التوسع داخل عقول النخبة الإسرائيلية الجديدة.. فمجلة وزارة الدفاع الإسرائيلية «إسرائيل ديفنيس» لا تكاد تكتب سوى عن مصر وخطورة السلاح المصرى على أمن إسرائيل، ومؤخرًا نشرت تقريرًا عن المدرعة المصرية التمساح ٦ التى أعلنت مصر عنها مؤخرًا.. أخذ التقرير يستعرض إمكانات هذه المدرعة المصرية وسرعتها، وكيف أنها مضادة للصواريخ والتفجير.. ربما فى إسقاط على المشاكل التى واجهتها الدبابة إسرائيلية الصنع ميركافا فى حرب غزة.. وفى نفس الوقت الذى ترى فيه ملامح الإعجاب والخوف تجاه القوة العسكرية المصرية تستمع إلى أصوات متطرفة داخل المجتمع الإسرائيلى تتحدث عن ضرورة تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، أو تدعى أن سيناء جزء من أرض إسرائيل التاريخية، أو أن فلسطين المذكورة فى تاريخ اليهود مقصود بها العريش اليوم!! هذه الخرافات قد تبدو لنا مضحكة ولا تستحق عناء الرد عليها، ولكن الحقيقة أن أعداد الناخبين الإسرائيليين الذين ينتخبون مَن يروجون هذه الأكاذيب كبيرة جدًا وهو مؤشر خطر بكل تأكيد، على مستوى آخر يبدو ثمة جموح فى الموقف الإسرائيلى يتمثل فى التمرد على أمريكا نفسها الحليف الأساسى لإسرائيل فى هذه الحرب، فقد أعلنت إسرائيل عن أنها ستواصل الحرب، سواء كان هناك دعم دولى أم لا.. والمعنى أنها لا تكترث لموقف أمريكا وموافقتها أو عدم موافقتها على ما تفعله.. والمؤسف أن المدنيين هم مَن سيدفعون ثمن الحرب التى تقول الأخبار إنها ستستمر طويلًا.. فبالأمس تمكنت حماس من إبادة فرقة اقتحام إسرائيلية، وبلغ عدد القتلى والمصابين اثنين وعشرين عسكريًا، منهم ثمانية قتلى أو يزيد.. والمفارقة أن حماس نصبت كمينها فى شمال غزة، حيث كانت إسرائيل تظن أنها سيطرت على الوضع أمنيًا، وحيث بشرنا عدد من الصهاينة العرب بأن حماس فى وضع سيئ جدًا عسكريًا.. والحقيقة أنه فى حرب العصابات لا منتصر ولا مهزوم ولا قوات معلنة ولا خطوط واضحة يمكن القياس عليها.. ومع ذلك، فإن استمرار الحرب يعنى مزيدًا من الضغوط على مصر، ويستدعى مزيدًا من التأهب والحذر.. أما على المستوى الداخلى فثمة ملامح مهمة للمرحلة الجديدة نتحدث عنها غدًا بإذن الله.. حمى الله مصر.