الأغنية الانتخابية.. حافز معنوي يصاحب المشهد الديمقراطي في مصر
تحاكي الكلمات، وتتسابق الألحان، فيما تتبارى الكاميرات لتُخلّد لحظات الاحتفاء بين ثنايا الحماسة الجياشة، التي تكتسح شوارع مصر وأزقتها، مُرسلةً رسائلها التحفيزية نحو الملايين، ليُمارسوا حقهم الدستوري، في اختيار من يقود مقاليد البلاد في السنوات القادمة.
إنها الأغنية الانتخابية.. تلك التي طالما ارتبط وجودها بمواسم الاستحقاقات السياسية في مصر، فها هي اليوم تُطلق بكل قوَّة، مُرافقة معركة الصناديق في انتخابات الرئاسة، فعند ذهابك إلى أي لجنة في أي منطقة داخل مصر ستخترق مسامعك واحدة من تلك الأغاني.
فعلى أنغام "تسلم الأيادي" و"بشرة خير" و"أبو الرجولة" و"مصر حلوة"، يعزف منسقو الأغاني (الدي جي) في كل اللجان تقريبًا، ولم يتغافلوا عن إحياء صوت شعبان عبدالرحيم وتشغيل أغنية "بنحب السيسي"، وأمام تلك الأغاني التحفيزية يتبارز المواطنون في ممارسهم حقهم الانتخابي، ملوحين الأعلام وحاملين صور مرشحيهم الذين وضعوا الثقة فيهم داخل صناديق الانتخاب.
ولكن على مدار السنوات السابقة على مصر، تجد أن أي حدث سياسي على وجه الخصوص كالانتخابات والثورات إنما ترتبط بمجموعة من الأغاني، فهي ظاهرة متكررة في كل حدث، وكأنها تعبر عنهم بالكلمات التي ربما يتعذر عليهم النطق بها، لكن ما سر ارتباط الأغاني بالعملية الانتخابية في مصر، ولماذا هي الحافز المعنوي الأول لفئات الشعب المختلفة، الإجابة تجدها في السطور التالية على لسان متخصصين.
أستاذ علم اجتماع: أعاني لها بُعد تاريخي وثقافي
أكد الدكتور أحمد بدر، مدرس علم الاجتماع كلية الآداب جامعة القاهرة، أن الدلالة الاجتماعية للأعاني في العملية الانتخابية لها بُعد تاريخي والآخر ثقافي؛ فأما التاريخي فغالبية الأحداث المهمة في حياة المصريين على مدار الفترات التاريخية المختلفة كان يتم الإعلان عنها من خلال أشخاص يستخدمون وسائل لتنبيه الناس بالأحداث أو المناسبات المختلفة سواء كانت سياسية أو دينية أو غيرها.
وذكر "بدر"، خلال حديثه مع "الدستور"، مثالًا على ذلك، أنه كان قديمًا يتم الإعلان عن بعض المناسبات الدينية أو حتى الحروب من خلال قرع الطبول ومع التطور وبمرور الوقت بدأت محاولات الإعلان عن هذه المناسبات تختلف، فحتى الأفراح والجنائز وغيرها من المناسبات الأخرى أصبح يستخدم فيها مكبرات الصوت للفت انتباه الناس لهذه الأحداث.
وانتقل للحديث عن الجانب الثقافي، مشيرًا إلى أنه ارتبط في ذاكرة المصريين الجماعية أن الكثير من الأحداث السياسية المهمة ترتبط ببعض الأغاني والأناشيد الوطنية التي تحض على أهمية المشاركة والتفاعل مع هذه الأحداث ولذلك تجد أي مناسبة أو حدث يتم اللجوء إلى الاعتماد على مكبرات الصوت كوسيلة لتشغيل هذه الأغاني لتحفيز الناس نحو الانخراط والمشاركة في هذه الأحداث، وكذلك لتنبيههم بأهميته على اعتبار أنه وسيلة الإعلان الأهم في الوقت الحالي خاصة في ظل تفاوت مستوى متابعة الأفراد العاديين للأحداث.
وضرب مثالًا أيضًا فيما يتعلق بالجانب الثقافي، وهو توظيف الأغاني والأناشيد الوطنية في الممارسات السياسية كما كان يحدث في ميدان التحرير خلال الفترة من 2011 وحتى عام 2013 وما تلاها، حيث كان يتم الاعتماد على هذه الأغاني في جذب وحشد الناس للمشاركة من ناحية ولتعريفهم بها من ناحية أخرى.
خبير إعلامي: الاحتفالات أمام اللجان مرتبط بطبيعة الشعوب وثقافتها
ومن وجهة النظر الإعلامية، يشير الدكتور حسام النحاس، الخبير الإعلامي وأستاذ الإعلام بجامعة بنها، إلى أن انتشار بعض الظواهر في الانتخابات المصرية أو الانتخابات في بعض البلدان بشكل عام، مرتبط بطبيعة الشعوب وثقافتها وعاداتها وتقاليدها، وأن مشاهد الاحتفال والغناء أمام لجان ومراكز الاقتراع، يمكن تفسيرها من عدة زوايا.
وتحدث "النحاس" مع "الدستور"، عن النقطة الأولى وهي أن الأمر قد يكون شكلًا من أشكال الدعاية والتحفيز الانتخابي، وثانيًا أن الشعب المصري شعب عاطفي بطبعه ويميل إلى مظاهر البهجة والفرح، فيستغل مناسبة الانتخابات لنشر جوّ من المرح، وثالثًا قد تكون امتدادًا لبعض الطقوس والتقاليد القديمة المرتبطة بالاحتفالات والمناسبات.
وأضاف أن هذه المظاهر برزت بقوة أثناء أحداث ثورة 25 يناير، مما جعل الشباب يعتبرونها جزءً لا يتجزأ من الاحتفالات الجماهيرية، لافتًا إلى أنه يمكن التسامح مع هذه المظاهر طالما لا تخل بالنظام العام أو تؤدي إلى مشاحنات بين مؤدي المرشحين، مؤكدًا أن هناك دول أخرى لديها طقوس مماثلة، محذرًا من استغلال بعض المشاهد المبالغ فيها من قبل بعض وسائل الإعلام المعادية، لتشويه صورة الانتخابات برمتها.
مدرس بـ"الإعلام": الأغنية الانتخابية موجودة في العالم كله
وتشاركه الرأي، الدكتورة سارة فوزي، مدرس الإذاعة والتلفزيون بكلية الإعلام جامعة القاهرة، إن ارتباط الموسيقى والأغاني بارتفاع هرمون الدوبامين وهو المسئول عن السعادة، لذا دائمًا ما يفضل البشر الاستماع إليها لتحفيزهم وبعث الحماس في نفوسهم لإتمام ما يقومون به، وهو ما يحدث أثناء المشاركة في الانتخابات، والتي تشجع الروح الوطنية وتبعث الحماس في أنفسهم، وتقلل من الملل الذي ينتابهم أثناء الوقوف في صفوف الانتخابات الطويلة، فكما لاحظنا أن المشاركة هذه المرة بأعداد كبيرة، والعالم كله يتبع نفس الطريقة أثناء العمليات الانتخابية لديهم، كالولايات المتحدة الأمريكية التي نجد فيها فرقًا فلكورية تغني وأشخاص يشجعونهم أيضًا في الساحات الشعبية القريبة من أماكن الاقتراع.
وانتقلت "فوزي"، في حديثها مع "الدستور"، إلى الحديث عن نقطة أخرى وهي استخدام تلك الأغاني لتقضية الوقت، لأن الشعب المصري يتسم بحب الفرحة والسعادة، مع التأكيد أن المشاركة جزء من الواجبات الوطنية وممارسة لأحد الحقوق التي منحها الدستور للمواطنين، كما أن الأغاني تنقل إحساس جماعي معين فتربط الجميع بإحساس الحماس والمشاركة في عمل مهم، وهذا جزء من التعبئة والحشد أن يكون لديك ما يربط كل الأشخاص المتواجدين في المكان، خاصة أن أغلبهم لا يعرفون بعضهم.
وأكدت أن الأغاني المنتشرة في اللجان الانتخابية بشكل عام تتحدث عن مصر، وعن الوطنية وأهمية المشاركة، بالتالي فهي ليست موجهة تجاه مرشح بعينه كما يدّعي البعض، وهو كما تحدثنا أحد عوامل إثارة الدافعية للمشاركة السياسية.