مصر تنتخب الرئيس
مشاهد لجان الانتخابات بالأمس تقول الكثير والكثير.. وأول ما تقول إن مصر ما زالت «عفية» وإن دماء الحيوية والأمل تتدفق فى شرايين مصر.. وإن المصريين يؤمنون بأن لديهم طريقًا عليهم أن يسيروا فيه، وآمالًا يجب أن يعملوا على تحقيقها، وطموحًا يجب أن يتمسكوا به، وإن الأزمة التى تزعجنا جميعًا ليست سوى حجر ملقى فى طريق واسع نحو المستقبل، وإننا نستطيع أن نتكاتف ونضعه جانبًا ونواصل طريقنا. انتخابات الرئاسة هذه المرة تأتى ضمن عملية إصلاحية واسعة بدأت منذ ثورة ٣٠ يونيو، وعملت فى مسارات متعددة، منها تمكين الشباب والمرأة وإتاحة الفرصة لنخب جديدة غير ملوثة ومقاومة الفساد الحكومى، وإتاحة الفرصة لنخب معارضة جديدة، وإطلاق الحوار الوطنى كقاعدة تحتية لعملية إصلاحية تستوعب كل المخلصين للوطن وغير المرتبطين بقوى أجنبية. وبالتالى فنحن نرى انتخابات تعددية حقيقية على مستوى تنوع الرؤى، حتى ولو كانت الفرصة الأكبر تتجه نحو الاسم الذى يثق فيه غالبية المصريين، ويرون أنه من الطبيعى أن يواصل قيادته لخطة التنمية العملاقة التى أطلقها، وسهر على تنفيذها طوال العشر سنوات الماضية، هذه الثقة فى المرشح الأوفر حظًا والأكثر حظوة بثقة المصريين لا تعنى على الإطلاق أن مبدأ التعددية لم يتحقق، وأنه سيواصل تحققه من خلال كل انتخابات قادمة فى مصر، لنصبح أمام مفهوم أقرب لجبهة وطنية واحدة تضم مختلف أطياف المصريين الذين يحتفظون بالتنوع فى إطار الوحدة، ويعرفون أن الاختلاف فى الرأى لا يفسد للوطن قضية، على حد تعبير الرئيس فى رسالته للمشاركين فى الحوار الوطنى.. من رسائل أول أيام الانتخابات أيضًا أن الأحزاب والهيئات المختلفة تتمتع بكفاءة مكنتها من الحشد والتنظيم، وأن العلاقة بين الكوادر السياسية وبين الشارع غير متقطعة، وأن دعايات التنظيم الإرهابى حول ضرورة مقاطعة الانتخابات لم تجد أذنًا صاغية، لأن المصريين جميعًا باتوا يعرفون مدى دناءة أبواق هذا التنظيم وضلوعها فى الخيانة. من العوامل التى رسمت مشهد الأمس، أيضًا، إدراك المصريين المخاطر التى تهدد الأمن القومى، وإدراكهم صدق تمسك الدولة المصرية بثوابت المصلحة القومية، وحفاظها على محددات الأمن القومى المصرى مهما كانت الإغراءات والضغوط، والمصريون دائمًا ما يتمسكون بمن يعلى مصلحة مصر على غيرها ويمنحونه من التأييد ما يعوضه عن أى مكائد أو مؤامرات أو ضغوط تقوم بها القوى التى يزعجها مواقف هذا الزعيم، وتمسكه بما فيه مصلحة وطنه فقط، دون أى اعتبارات أخرى، دون أدنى مبالغة يمكن القول إن الانتخابات الرئاسية الحالية ستكون بداية مرحلة جديدة، تسير مصر فيها نحو طموحها المشروع بثقة أكبر، وضغوط أقل، لاعتبارين اثنين.. أولهما أن تراكم الضغوط فى العام الذى سبق الانتخابات لم يحقق هدفه فى هز ثقة المصريين فى المرشح الذى اختار أن يكمل طريق البناء رغم أى ضغوط، وهكذا أيقن من مارس الضغط الاقتصادى على مصر أنه كان يستخدم سلاحًا فاشلًا لم يحقق هدفه، وأن مصر ماضية فى طريقها، وبالتالى فسيتعامل الجميع مع اختيار مصر لنفسها صاغرين، لأن هذه حقائق السياسة، أما العامل الثانى الخارجى أيضًا فهو احتمالات التغيير الكبيرة جدًا فى الانتخابات الأمريكية القادمة، حيث تشير استطلاعات الرأى لتراجع كبير جدًا للرئيس الأمريكى بايدن أمام المرشح الجمهورى دونالد ترامب.. ولهذا حديث آخر فى قادم الأيام بإذن الله.. ليس علينا سوى أن نتمسك بالأمل ونؤمن بأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملًا.. ولقد صبرنا كثيرًا وعملنا كثيرًا، ولن يضيع الله أملنا بإذن الله.