تذكرة انتخاب
تبدأ اليوم فعاليات الانتخابات على منصب رئيس الجمهورية، وهى بكل المعايير مناسبة مهمة لا بد أن يحتشد المصريون جميعًا ليدلوا بأصواتهم فيها، بغض النظر عن قرار كل شخص الانتخابى والمرشح الذى يود أن يمنح صوته له.. مبررات أهمية الانتخابات الحالية هى نفسها مبررات انسحاب بعض الأضواء عنها رغم أهميتها.. فهى تأتى وسط حرب تشهدها غزة للشهر الثالث على التوالى، وتحديات كبيرة يشهدها الأمن القومى المصرى ربما لم يشهد مثلها منذ حرب أكتوبر ١٩٧٣.. فالانتهاكات الإسرائيلية ضد المدنيين دفعت عشرات الآلاف إلى رفح الفلسطينية ليقيموا مدينة خيام بحثًا عن الأمن، ويرفع بعضهم صوته بالمطالبة بدخول مصر، من جهة أخرى تتوالى مشاريع تهجير الغزاويين إلى سيناء مثل موجات متتالية، كلما أفشلت مصر موجة منها ظهرت موجة جديدة وآخرها مشروع تقدم به عضو فى الكنيست ينص على منح كل مواطن فلسطينى ستة آلاف دولار، ومنح البلد الذى يستقبله عشرة آلاف دولار.. فى إعادة إنتاج غبى للكذبة التى قالت إن الفلسطينيين باعوا أرضهم فى ثلاثينيات القرن الماضى، وانسحبوا نظير تسويات مالية.. بنسبة تكاد تقارب مئة فى المئة سيكون مصير هذا المشروع سلة مهملات الجانب المصرى، وإن كان هذا لا يمنع أن دولًا أخرى قد تفكر فى المشروع.. من وجهة نظرى الخاصة، فإن المصريين يجب أن يردوا على ما يحدث فى غزة بالتزاحم على لجان الاقتراع لتأكيد اختيار مصر بالحفاظ على ثوابت أمنها القومى، والاصطفاف خلف المصلحة الوطنية العليا.. خاصة أن الأحداث تثبت يومًا بعد يوم أن جزءًا كبيرًا من الأزمة الاقتصادية التى تعانيها مصر هى صناعة سياسية، بسبب اعتماد مصر سياسة وطنية قومية، ورفضها الإملاءات من دول أصغر حجمًا بحكم حقائق التاريخ والجغرافيا.. فعلى عكس ما روجت لجان الذباب الإلكترونى منذ عامين.. فإن توقف تمويلات بعض الدول العربية لمصر بالمخالفة لاتفاقات سابقة لم يكن اعتراضًا على طريقة إدارة الاقتصاد المصرى، بقدر ما كان خلافًا حول توجهات مصر السياسية وحفاظها على ثوابت دورها القومى.. حيث ترى بعض الدول أن من مصلحتها ارتداء الثوب الإسرائيلى وتسليم زمام القيادة فى المنطقة للكيان الصهيونى.. وهى سياسات ترفضها مصر وتعاديها بكل قوتها.. ويمكن القول إن السنوات الثلاث الماضية حدث فيها نوع من الفرز فى المواقف، وانقسم العرب فيها إلى معسكرين أحدهما يرغب فى الالتحاق بركب الصهيونية العالمية، والثانى يعى ثوابت الحق العربى، وقد نتجت عن ذلك سلسلة من المضايقات الاقتصادية من منع التمويلات، لرفع سعر الفائدة، لتعنت صندوق النقد الذى فوضه بعض «الأشقاء» للحديث باسمهم، واتخاذ القرار نيابة عنهم.. والمعنى أن التحدى الاقتصادى جزء من تحد أوسع هو تحدى الأمن القومى الأشمل، وأننا إذا انتصرنا فى تحدى الأمن القومى فسننتصر فى التحدى الاقتصادى، ولعلنا يجب أن نتوقف طويلًا أمام خبر بدء العمل فى الممر الاقتصادى «دبى- السعودية- الأردن- إسرائيل»، كبديل لقناة السويس لندرك جزءًا ممّا تم تخطيطه للمنطقة منذ سنوات، وبدء تطبيقه على الأرض بالفعل.. هذه التحديات تفرض على كل مصرى أن يتوجه للجنته الانتخابية، وأن يمارس حقه الانتخابى.. لأنه بقدر إقبال المصريين على الانتخابات ستتحدد قوة مصر فى ميادين الصراع وعلى موائد التفاوض.. والله أعلى وأعلم.