الكاتبة مروة نبيل: القضية الفلسطينية تهم كل الشرفاء وأصحاب الضمير في العالم
قالت الكاتبة مروة نبيل في تصريحات خاصة لـ " الدستور"، حول القضية الفلسطينية، وبالتحديد أثر حرب غزة علي الأدب، إن الأدب والحرب نشاطان إنسانيان، الأول يهدُف إلى التعبير عن النفس، والثاني يهدُف إلى الدفاع عنها، لذلك ارتبطا على مر العصور ولأن للحرب الأقدمية الزمنية؛ ولأنها أصيلة في اللاوعي البشري يكون لها كبير الأثر على مصادر الكتابة.
تأثير الحرب على الإبداع الأدبي
وأضافت الكاتبة، قد يظهر تأثير الحرب الآنية على "غزة" مباشرًا سريعًا؛ كأن تلهمني عبارة المذيعة على إحدى القنوات الإسرائيلية بأن "الشارع الإسرائيلي يُريد استئناف الحرب" بأن أقول "أين يوجد هذا الشارع؟! ففي تل أبيب، يافا، حيفا، عسقلان وسديروت لا أرى إلا شوارع فلسطينية تريد عودة سُكانها الأصليين.
وأوضحت مروة نبيل، قد ينسج روائيٌّ روايةً تدور حول وقوع أسيرة في حُب الآسر، ثم عودتها لتتزعم ثورة كبيرة في الداخل ضد الاحتلال، أو أن تُسيطر الأفكار اليوتُوبيَّة على أحد القُصاص فتظهر قصة عن التسوية، وقيام دولتين حديثتين بعيدتين عن التعصُّب الديني، تعيشان في تسامح وسلام واستقرار.
القضية الفلسطينية الجرح العربي الأعمق
وتابعت كل هذه تأثيرات سريعة قد تظهر؛ ويكون منها العفوي ومنها المقصود. من ناحية أخرى؛ فالقضية الفلسطينية أكثر من مجرد "نكبة" أو "تغريبة"؛ إنها الجرح العربي الأعمق؛ والمُعضلة التي تتجسد فيها المعاني المجردة لـ"الصراع"، و"الشر"، و"القمع"، و"الاستبداد"، و"التطرف"، و"العرقية"، و"اللامعقولية". إنها مُعضلة تهم كل الشرفاء وأصحاب الضمير في هذا العالم؛ يحملونها بما فيها من تناقُضات، ويقفزون بها من ألفية إلى أخرى؛ وهذا بدورِه يُنضِج تأثيرها؛ ويخلق رغبةً كبيرة في تجاوز تلقي تأثيرها كأمرٍ واقع؛ إلى التأثير فيها وتغييرها.
الأوان قد آن ليعود للأدب والفكر دورهما الرائد في التأثير على المجتمع والعالم
وواصلت، عندما شرع "أفلاطون" في كتابة "الجمهورية"؛ كان يقاوم أوضاعًا سياسية واجتماعية سيئة؛ وقتذاك كان يُحاول وضع نظام أدبي جديد لليونان ربما ذهبت تلك الظروف السياسية وانقضت؛ ولكن تبقى "الجمهورية" مثالًا معقولًا لعالم أفضل؛ يستعين به مُنظرو السياسة حتى يومنا هذا. ليس المقصود أن يبحث الأدباء عن يُوتوبيا جديدة؛ بل المقصود أن الدَّافع مُتشابِهٌ؛ وأن الأوان قد آن ليعود للأدب والفكر دورهما الرائد في التأثير على المجتمع والعالم والأوضاع المُقلقة. وليس الأدب كله خيالًا؛ بل فيه ترددات علمية وعملية وتاريخية وجغرافية؛ تعكس وعي الكاتب نفسه، وتعكس المجتمع الذي يتصوره هذا الكاتب. ونحن نُجابِه عدوًا اِعتقدَ- وقد يكونُ مُحقًّا- أنه امتلك العلم والمعرفة والحقيقة وما وراء الحقيقة، وفي طريقه امتلك الإله، والتاريخ، والجغرافيا. فلماذا لا نتعلم شيئًا من أعدائنا؟! لماذا لا نقتنع بأن العِلم لا يُجابَه إلا بالعِلم؛ تمامًا كما نقتنع بأن القوة لا تُجابه إلا بالقوة؟
الأدب يكمُن في المواقف العظيمة والطريقة التي تُستنهض بها إرادة الشعوب
ولفتت نبيل في ختام حديثها عن القضية الفلسطينية والأدب، إلى إن الأدب ليس موجودًا في القصائد والروايات والقصص والرسائل الفلسفية فقط؛ بل أنه يكمُن في المواقف العظيمة، والطريقة التي تُستنهض بها إرادة الشعوب والرغبة الصادقة في التغيير. إن رسائل الحرب قصيرة؛ أما رسائل السلام ففضيلتها الاسترسال والإلحاح. لا يُمكن أن ننتظر التعافي من هَول ما نراه. أو أن نُعلِّق السلام على قرار العدو بأن يتوقف عن إطلاق نيرانه. ولا نتوقع إنجاز كل ما نريده في غضون عام أو اثنين.
وأضافت لكن علينا أن نبدأ الآن، ليس من باب التعاطُف مع تلك البقعة المنكوبة في الأرض فقط؛ بل لأننا على هذا النحو- وكشرق أوسطيين- مُهددون في وجودنا. وما أذاقنا إيَّاه ذلك العدو المُتغطرس ليس أسوأ ما عنده؛ بل هناك ما هو أسوأ وأضلّ. وليس هناك ما هو أفضل من العقل والقلم لحل مشكلتنا هذه. ولن يُرهب عدونا إلا زيادة الوعي؛ والدعوة والعمل على الترقي والتعليم. فأعداؤنا يَركنون إلى المنهج العلمي حتى في حروبهم العصبية المتطرفة، بينما نحن- لأسفي- ليس لنا براعة إلا في القدرة على تخيُّل وحدة الأضداد؛ كأن نتخيل اجتماع الفقر والجهل مع القوة والانتصار مثلًا.