حقيقة واقعة
لفت نظرى بيان الخارجية المصرية، الذى يوضح أن الخارجية المصرية هى الجهة الوحيدة المنوطة بإجراءات عودة المصريين من قطاع غزة لمصر.. وبغض النظر عن سبب البيان والكذبة التى استدعت إصداره ردًا عليها وكل ما يتعلق بها من ملابسات، فإن ثمة ما يستحق التوقف أمامه.. دائمًا ما كانت قضية فلسطين تتخذ تكأة للطعن فى مصر.. ويجب ألا يظن أحد أن هذا الطعن وليد الظروف الحالية فى هذا العام مثلًا.. أو فى العام الذى سبقه أو ذلك الذى سبقه... إلخ.. لكن هذا الطعن مستمر منذ الخمسينيات تقريبًا حتى الآن.. والسؤال هو لماذا؟ الحقيقة أن العلاقات بين الدول والجماعات تشبه كثيرًا العلاقات بين الأفراد.. حيث يميل الإنسان لنفى أكثر صفة تميز عدوه واتهامه بأنه يفتقر إليها.. فإذا كان عدو المرء شجاعًا.. نجده يتهمه أول ما يتهمه بالافتقار للشجاعة.. وإذا كان كريمًا.. نجد عدوه يتهمه أول ما يتهمه بالبخل... إلخ.. فإذا كان عطاء مصر للقضية الفلسطينية أكثر ما يميز تاريخها الحديث.. فيجب حينئذ على أعدائها الطعن فى هذا بالذات وعلى وجه التحديد.. وإذا كانت مصر قد قدمت آلاف الشهداء فى أربع حروب من أجل فلسطين، فيجب على أعدائها أن يطعنوا فيما قدمته من أجل فلسطين.. وإذا كانت مصر مهتمة حتى هذه اللحظة بمساعدة أهل غزة بشتى الطرق وبمد جسور الصلة مع كل ألوان الطيف الفلسطينى، وجب على أعدائها اتهامها بالتقصير فى نصرة شعب فلسطين.. لأن كل ما فعلته مصر على مدار تاريخها تجاه فلسطين، هى مؤهلات تؤكد جدارتها بزعامة العالم العربى وحقائق فرعية تؤكد حقيقة كبيرة، وهى أن مصر أكبر دول العالم العربى فى القدرة والحجم والتاريخ والحضارة والموقع، وأنها فى مستقبلها ستعيد استلهام ماضيها لتكون هى الأكبر والأجدر.. إن هذا يثير جنون بعض الصغار الطامحين فى أدوار أكبر من أدوارهم.. لذلك سيسعون دائمًا إلى ضرب نقطة التميز وتشويه مقومات الجدارة وإلقاء اللون الأسود على اللوحة المضيئة والمشرقة.. وسيساعدهم فى هذا فلول تنظيم إرهابى مثل الإخوان المسلمين، وهم منذ نشأتهم مجموعة من الإرهابيين وجدوا فى تعاطف المصريين مع أهل فلسطين منذ الثلاثينيات مبررًا لإرهابهم ولعمليات قتل وحرق مارسوها ضد سياسيين ومواطنين مصريين.. ورأوا أن الاتجار بقضية فلسطين هو مبرر البقاء الوحيد لجماعة الإرهاب هذه منذ الأربعينيات حتى الآن.. فراحوا يلعبون على إحساس المواطن العادى بالتعاطف مع أهله فى فلسطين، ويحولونه إلى وسيلة ابتزاز أحيانًا ووسيلة لتشويه الدول التى تمنع إرهابهم أحيانًا.. وقد مارسوا لعبتهم هذه عقودًا حتى كشفهم المصريون فى ٣٠ يونيو، وبدأوا فى إعادة قراءة تاريخهم الوطنى من جهة، وتاريخ هذه الجماعة الإرهابية من جهة أخرى؛ ليكتشفوا كم الأكاذيب التى روجها هؤلاء الإرهابيون الذين خدموا إسرائيل طوال عقود ولو بشكل غير مباشر، وعملوا كمعاول هدم للأنظمة الوطنية التى كانت تعاديها، سواء فى مصر أو فى غيرها برعاية من دول كانت ترعاهم وتمولهم ولعلها ما زالت.. ولمن يريد المزيد من هذه التفاصيل أنصحه بالرجوع لكتاب «مصر كما تريدها أمريكا» من تأليف الكاتب «لويد سى. جاردنر».. وبالتحديد الجزء الذى يتحدث عن عداء أمريكا لمصر فى الستينيات، وكيف حاولت خلق زعامة موازية لمصر فى المنطقة بالتحالف مع المملكة العربية السعودية، وكيف رفض الملك سعود بن عبدالعزيز، رحمة الله عليه، أن يستجيب لكل مطالب أمريكا الخاصة بفلسطين، لأنه رأى أن ذلك يتعارض مع شرعيته كحاكم مسلم.. وكلنا يعرف كيف سارت الأمور بعد ذلك.. والمعنى الذى تخرج به من قراءة هذا الكتاب المهم الذى كتبه أمريكى.. أن عداء أمريكا لمصر القوية حقيقة واقعة، وأن استخدامها أدوات متعددة لمحاصرة دور مصر حقيقة واقعة، وأن كون بعض القوى الإقليمية من هذه الأدوات حقيقة واقعة.. وأن كون جماعة الإخوان الإرهابية واحدة من أقذر هذه الأدوات حقيقة واقعة.. وأن تورط بعض الباحثين عن دور فى الإساءة لبلدهم بحسن أو بسوء نية حقيقة واقعة.. وأن تمرير بعض مزدوجى الولاء لمثل هذه الأكاذيب ضد مصر بين حين وآخر حقيقة واقعة.. لذلك ليس علينا سوى أن ننتبه فقط لماكينات صناعة الأكاذيب حولنا ونواصل العمل، لأن هذا أكثر ما يضايق أعداءنا.. وهذه أيضًا حقيقة واقعة.