أحفاد مسيلمة الكذاب!
أدخل على مواقع التواصل الاجتماعى فأرى أكاذيب لا تصدر إلا عن أحفاد مسيلمة الكذاب!.. لم يكن مسيلمة الوحيد الذى ادعى النبوة فى وقت الردة، لكنه كان أكثرهم تهافتًا وضعفًا فى الحجة، حتى أسمته العرب «مسيلمة الكذاب».. أتفقد مواقع التواصل الاجتماعى الآن فلا أرى إلا فريقين من أحفاد مسيلمة الكذاب، يرتديان ملابس مختلفة، لكن أصلهما واحد، وكذبهما مشترك، وهدفهما أيضًا واحد.. يقول حفيد لمسيلمة الكذاب من لجان الإخوان يقيم فى أوروبا أو آسيا إن مصر أغلقت أنفاق رفح بالاتفاق مع إسرائيل، وإن هدفها لم يكن منع تسلل الإرهابيين ولكن ضرب حماس.. ويقول حفيد آخر لمسيلمة يقيم فى تل أبيب إن مصر تدعم حماس، وإنها سمحت بدخول السلاح الذى تستخدمه ضد إسرائيل، وإنها مسئولة عن معاناة إسرائيل والهزيمة التى لحقت بها.. وأنا أقول إن كلا الطرفين كاذب، ويجمعهما جد واحد مشترك هو مسيلمة الكذاب.. لا مصر أغلقت الأنفاق لحصار حماس كما يدعى باعة القمامة من الإخوان.. ولا مصر سلحت حماس كما يدعى المتطرفون فى تل أبيب.. إنما تمارس مصر سياسة معتدلة بأدوات محترفة، تعى مفهوم الأمن القومى المصرى، وتتعامل مع تحدياته بما يجب وبالطريقة المناسبة.. على عكس ما يقول ذباب الإخوان، تقول صحف إسرائيل رغم أن هدف الاثنين مشترك، وهو الإساءة لمصر، والدافع هو الخوف منها.. يقول ذباب الإخوان مصر أغلقت فى ٢٠١٥ الأنفاق بالاتفاق مع إسرائيل ولمصلحتها، وتقول صحيفة هآرتس: الرئيس السيسى أعاد النظر لحماس بعيدًا عن الإخوان، ومنحهم فرصة ثانية، وتعامل معهم باعتبارهم فلسطينيين لا إخوانًا، وساعدهم فى إدارة شئون القطاع.. وهكذا ترى كذابًا يرد على من هو أكذب منه.. وحفيدًا لمسيلمة الكذاب يرد على حفيد لمسيلمة الكذاب، والاثنان يجمعهما الكذب والرغبة فى تشويه صورة مصر.. وما يضاعف من معدل نشر الأكاذيب، أن سفن الأحداث تكاد ترسى حيث أرادت مصر.. وأن وسطية مصر وعمق فهمها الوضع وأخلاقية تعاملها معه أثبتت انتصارها فى النهاية.. فالدول العربية التى كادت تعتنق الصهيونية مذهبًا وتضرب بسيف إسرائيل دفعتها الأحداث إلى الهامش، رغم أنها قدمت الكثير لكى تكون فى المتن أو فى وسط الحدث.. ومصر التى ظن البعض أنه يمكن تهميشها أو سرقة دورها تتصدر الأحداث بقدر حجمها، وبقدر حقائق التاريخ والجغرافيا.. ومخطط التهجير الذى أراد به بنيامين نتيناهو توريط مصر وتصفية القضية والانتقام من أوهامه حول مساعدة مصر لحماس.. هذا المخطط سقط بعد أن كشر الجيش المصرى عن أنيابه.. وتكاد تكون سقطت معه أفكار إعادة احتلال غزة وإدارة حرب غير محددة المدة لتحقيق هدف سرمدى بلا ملامح، وهو القضاء على حماس.. وهى مهمة مستحيلة تقريبًا، لأن المقاومة فكرة والأفكار لا تموت، إلا إذا تغير الواقع الذى يخلقها.. من ناحية أخرى، أدركت الولايات المتحدة خطورة منح إسرائيل شيكات على بياض وخطورة ما تفعله فى غزة على استقرار المنطقة، وعلى قدرة الجيش المصرى على الصبر وضبط النفس، لذلك ظهرت أصوات قوية هناك تطالب إسرائيل بوقف الحرب.. ولعل أهم هذه الأصوات الكاتب الشهير توماس فريدمان الذى كتب ينصح إسرائيل بوقف الحرب فورًا، حتى لا تدفن نفسها فى القبر الذى تظن أنها تحفره للمقاومة.. ومضى فريدمان المحب لإسرائيل يعدد مزايا التوقف عن الحرب فورًا وفوائدها لإسرائيل.. وهى وجهة نظر مطابقة لوجهة النظر المصرية التى لا تهتم بمصلحة إسرائيل بالطبع، لكنها ترى أن وقف العدوان على غزة فورًا، هو الأمر الذى يمنع نيران الغضب المصرى من الانطلاق من مرابضها، وفى غالب الأحوال فإن إسرائيل بعد مقاومة مؤقتة ستنفذ النصيحة الأمريكية التى هى تعبير عن رأى معتدل وحاسم، ومبنى على خبرة عميقة، قدمته مصر وحذرت من عدم تنفيذه.. ولعل هذا هو ما يضايق أحفاد مسيلمة الكذاب جدًا هذه الأيام.