المصريون فى الخارج
مشهد الانتخابات الرئاسية فى الخارج يستحق الوقوف أمامه بالتحليل.. إنه على المستوى العاطفى مشهد مبهج لكل وطنى مخلص، وهو على المستوى السياسى يقول الكثير، وأول ما يقوله المشهد إن المصرى يحمل وطنه معه أينما كان، ويشعر بالانتماء له مهما بعدت به المسافة، ويمكن فى وصف هذه الحالة استعارة العبارة الرائعة التى تقول «إن مصر ليست وطنًا نعيش فيه، ولكنها وطن يعيش فينا».. وقد قالها الراحل الكريم الأنبا شنودة فى وصف علاقة المصريين بمصر، ومن الواضح أنه لم يقلها كرجل دين ولكن كمصرى درس التاريخ، وكتب الشعر، وأحب مصر مثل ملايين من أبنائها على مر العصور.. ومن دلائل المشهد أيضًا تلك العافية التنظيمية التى تتمتع بها جاليات مصر فى الخارج، وسفاراتها التى استضافت عمليات الانتخاب، وهى عافية موصولة بعافية المجتمع المصرى من جهة، والوزارات المعنية من جهة، ومبادرات المصريين فى الخارج وجهودهم التطوعية من جهة ثالثة، أما على المستوى السياسى فإن هذا الإقبال الكبير والطوابير أمام ١٣٧ لجنة فى أنحاء العالم تدل على وعى فطرى لدى المصريين بالسياسة، وإدراك التحديات التى تواجهها مصر فى اللحظة الراهنة على مستوى الإقليم من جهة، وعلى مستوى محاولات عرقلة طموحها المشروع بالنمو من جهة ثانية، وقد كان تدفق المصريين على لجان الاقتراع فى الخارج هو رسالتهم للعالم كله حول اختيارهم الوحدة والاصطفاف أمام هذه التحديات، وتيقنهم من صدق ما صارحتهم به قيادات الدولة المختلفة حول ما يخطط لمصر وللمنطقة قبل عشر سنوات من الآن، وأثبتت الأيام صحته فى الأسابيع الصعبة التى سبقت الانتخابات الرئاسية.. ولعل وضوح هذه الرسائل وقوتها هما السبب فى حالة الاستنفار والهياج لدى بعض الهاربين للخارج ممن اصطلحنا على تسميتهم بالذباب الإلكترونى، أو بائعى القمامة الإلكترونية، وقد لا يعرف كثير من القراء أن المعارضة من الخارج مهنة مثل أى مهنة، وإن كانت تتسم بأنها مهنة غير شريفة.. ليس لأن من يمتهنها يرهن نفسه لأعداء بلده فقط، ولكن لأن بعض ممتهنى هذه المهنة هم فى الأساس آفاقون يمارسون النصب والاحتيال حتى على مموليهم أو الأجهزة التى توظفهم.. حيث يذهب المحتال السياسى إلى تلك الجهة أو ذلك الأمير ليخبره بأنه يملك التأثير على ملايين المصريين فى الخارج! وأن كل مصرى يعيش فى الخارج هو رهن إشارته إذا وجد التمويل الكافى، وأن كل مصرى يعمل فى الخارج هو معارض بالضرورة وثورى بالفطرة، وإرهابى مسلح إذا لزم الأمر وتوافر التمويل.. يفعل النصاب السياسى هذا وهو لا يعرف أحدًا فى الخارج سوى أفراد أسرته.. ولا يتواجد فى الحياة الدنيا أساسًا إلا من خلال حساب على وسائل التواصل الاجتماعى ينشر عليه ما تأمره جهة التمويل بنشره.. ولأن كل نصاب يلزمه ساذج يصدقه.. فقد انطلت اللعبة على البعض منذ ٢٠١٣ وتدفقت الأموال، وأقام نصابو السياسة فى فنادق السبع نجوم، واشتروا البيوت والسيارات الفارهة هنا وهناك.. ولا شك أن مظهر المصريين فى الخارج وهم يتسابقون لانتخاب رئيس لمصر أو رئيس مصر يكشف أكاذيب هؤلاء أمام مموليهم، ويقلل فرصهم فى الحصول على أموال جديدة.. لذلك يشعرون بالحسرة ويعلو نباحهم... وكأن قدرهم أن كل ما يسعد المصرى المخلص يتعسهم، وأن كل ما يدعم استقرار مصر يزعجهم.. إن هذا ليس قدرًا ولكنه لعنة إلهية تطارد الخونة والهاربين وممارسى النصب السياسى الذين أتوقع أن يعلو نباحهم أكثر وأكثر مع مشاهد الانتخابات داخل مصر.. والذين يجدر بنا أن نقول لهم.. موتوا بغيظكم.