رئيس المعهد العربي لحقوق الإنسان يجيب عن السؤال الصعب: متى يلحق العرب بركب الحضارة؟
عبدالباسط بن حسن لـ«الدستور»: غزة تعيش مأساة غير مسبوقة.. والقوى الدولية تساند الاحتلال (حوار)
>>مواقف عدد من البلدان الغربية خيبت آمال الشعوب.. ونحتاج إلى استفاقة الضمير الإنساني
>>اتساع رقعة الحرب سوف يشعل المنطقة ويجرها لرعب كبير
>>إنكار الحل السياسي على أساس الشرعية الدولية وحقوق الشعب الفلسطيني لن ينجح
>>مقاومة الاحتلال حق مكفول في القانون الدولي.. والاستعمار ضد الطبيعية البشرية ومنطق التاريخ
>>المنطقة العربية تعيش على إعادة إنتاج الأزمات رغم العمق الحضاري والطاقات الكبرى
>>حان وقت اليقظة العربية.. وتحويل الأفكار العظيمة إلى سياسات عامة
>>نريد اللحاق بعالم التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي وهذا يتطلب قرارات شجاعة
>>هناك بلدان عاشت حروبا عالمية لكنها عادت وتحولت إلى قوى كبرى
وسط ما تعيشه المنطقة العربية من حروب ونزاعات وتخلف عن ركب التقدم التكنولوجي، والقتل على الهوية في عديد المناطق وفي القلب منها غزة، يحمل رئيس المعهد العربي لحقوق الإنسان الدكتور عبدالباسط بن حسن، شعلة أمل، ويجيب على تساؤلات الشارع العربي حول معوقات التنمية واللحاق بركب الحضارة، عبر خطوات يراها ممكنة إذا تحققت لها الإرادة السياسية، وتحولت إلى سياسيات عامة مستدامة، تُسخر فيها الدول العربية الطاقات والموارد للنهوض بالإنسان.
وقال بن حسن في حوار لـ«الدستور»، إن قطاع غزة يعيش مأساة غير مسبوقة، وسط مساندة القوى الدولية ممارسات الاحتلال على حساب الضحايا، لافتا إلى أن عددا من القوى الغربية خيبت آمال الشعوب، وهذا أمر يستدعي استفاقة الضمير الإنساني، لأن اتساع رقعة الحرب سوف يشعل المنطقة ويجرها لرعب كبير.
ويرى رئيس المعهد العربي لحقوق الإنسان، أن إنكار الحل السياسي الذي يقوم على الشرعية الدولية وعلى حقوق الشعب الفلسطيني لن ينجح، مؤكدا أن مقاومة الاحتلال حق مكفول في القانون الدولي، وأن الاستعمار أمر ضد الطبيعية البشرية ومنطق التاريخ.
وأكد بن حسن، أن المنطقة العربية تعيش على إعادة إنتاج الأزمات رغم العمق الحضاري والطاقات الكبرى، وأنه حان وقت اليقظة العربية، وتحويل الأفكار العظيمة إلى سياسات عامة، حتى نتمكن من اللحاق بعالم التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي، وهذا يتطلب قرارات شجاعة، منوها بأن هناك بلدان عاشت حروبا عالمية لكنها عادت وتحولت إلى قوى كبرى. وإلى نص الحوار..
* كيف تصف العدوان الصهيوني بهذا الشكل غير المسبوق على قطاع غزة؟
- نحن أمام مأساة غير مسبوقة، ووضع غريب للمجموعة الدولية، فهناك انتهاكات كبرى وصارخة لكل حقوق الإنسان الفلسطيني، وهناك قتل ممنهج لأهالينا في غزة، وهناك ترحيل قسري، ومنع للدواء والغذاء والمياة والمساعدات الإنسانية، وهناك محاصرة ترقى إلى كونها جرائم ضد الإنسانية، مثل استهداف النساء والأطفال وضرب المؤسسات الصحية ووقوع الضحايا، وكل هذه الانتهاكات خرق لكل مبادئ القانون الدولي الإنساني، وقانون حقوق الإنسان، والشرعية الدولية، وغيرها من المواثيق التي طورتها البشرية لحماية المدنيين أثناء النزاعات، وأذكر منها اتفاقيات جنيف، والبروتوكوليين الاختياريين لها، وكلها لا تُطبق ولا تُحترم.
* ولماذا تصمت الدول التي تتشدق بأنها راعية الحريات في العالم عن إدانة هذه الانتهاكات المروعة؟
- هذا الواقع الذي نراه في غزة عار على الإنسانية، وسط جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وانتهاك حقوق الشعب الفلسطيني لأهلنا في غزة، وفي نفس الوقت لا تُفعل كل الأدوات التي جُعلت أساسا لمنع انتهاك حقوق المدنيين زمن الحرب، وهذا سؤال يُطرح على ضمير الإنسانية، وهو سؤال أخلاقي كبير، ونحن فوجئنا بمواقف عديد الدول الكبرى، وهذه المواقف التي لأول مرة حسب رأيي توغل في المساندة الطلقة للمعتدي على حساب الضحية، وهناك مبالغة في هذه المساندة بشكل فج، يؤدي في نهاية الأمر إلى المزيد معاناة الضحية، وتحميلها مسؤولية ما يحدث.
* وما التأثيرات المتوقعة لهذه الحرب على المنطقة؟
- هناك نوعا من الحرب الدعائية التي تقوم بها إسرائيل، والتي تنطلي حيلها على عدد من الدول، وتحديدا وسائل الإعلام الغربي، وهي حرب تحاول أن تنزع إنسانية الضحية وتصورها في شكل إجرامي، وبالتالي تسهل ضربها وانتهاك حقوقها، وخلق نوع من عدم تجريم هذا الانتهاك.. ونحن نحتاج إلى استفاقة للضمير الإنساني، والإسراع في إيقاف هذا الاعتداء، وإيقاف انتهاك حقوق المدنيين، والإسراع في إيقاف رغبة إسرائيل في مواصلة الحرب وتوسيع نطاقها، وإنني أقول بدون أي شك بأن اتساع رقعة الحرب سوف يشعل المنطقة، ويجرها لرعب كبير.
* وما السبيل لإيقاف هذه الحرب وتحجيم نطاق اتساعها؟
- أقول وهذه قناعتي، أنه بدون العودة لأصل المشكلة، بدون حل أصل المشكلة، نحن أمام احتلال، وبدون إنهاء الاحتلال، وبدون الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني، وبدون إقامة دولة فلسطينية مستقلة، فإننا لن نغادر دوامة العنف ودوامة الانتهاكات وهذا الإجرام في حقوق الفلسطنيين، ولن نغادر خطر اشتعال الحرب في كل مكان، وعندما تشتعل حرب وتتمدد لن يفلت من نتائجها الوخيمة أي طرف من الأطراف.
* كمدافع عن حقوق الإنسان.. كيف تلقيت تصريحات الولايات المتحدة والدول الكبرى بالانحياز المطلق للعدوان على الفلسطينيين؟
- دول عظمى كثيرة خيبت أمل عديد الشعوب، وعديد المنظمات الحقوقية، بعد بداية العدوان على غزة، والحقيقة أنه كان هناك انتظار كبير بأن تقوم بدورها في محاولة إيجاد التوازن، والمسارعة بإيقاف ويلات النزاع عبر الإسراع في دعوة إسرائيل إلى احترام المواثيق الدولية والقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف، وكل هذا لم يحدث، وكل هذا خلق إحساسا بالضيم والخوف لدى عديد الأطراف من ضياع هذا القليل المتبقي من هذه المباديء في القانون الدولي.
* هل خذلت الدول الكبرى أسرة حقوق الإنسان العربية والعالمية؟
رغم الموقف الصادم للولايات المتحدة وفرنسا، إلا أننا لاحظنا أن هناك دولا أخرى لم تذهب في هذا المنحى، مثل إسبانيا والنرويج وغيرها من الدول، وما نطلبه الآن وبقوة، هو أن تعود هذه الدول المؤثرة في صنع القرار الدولي إلى حياديتها، وأن تمارس مالها من قوة من أجل إيقاف هذا العدوان على غزة، والعودة إلى المسار السياسي الذي يرضي كل الأطراف، لأنه لا مصلحة لأي دولة من المنطقة ولا من خارج المنطقة، وليس في مصلحة لا أمريكا ولا فرنسا ولا الاتحاد الأوروبي، أن تشتعل الحرب في منطقتنا، وأن نذهب إلى أهوال تدمير كبير.
* لكن الولايات المتحدة حسمت موقفها عبر إعلانها الانحياز لكل ما تقوم به إسرائيل؟
- هناك مسؤولية حقيقية أخلاقية قانونية على الدول العظمى، تفرض عليها أن تتحرك من خلال مجلس الأمن، ومن خلال الاتحاد الأوروبي، وغيرها من المؤسسات، ويجب أن تراجع الولايات المتحدة وغيرها من القوى المساندة لإسرائيل نفسها؛ لأنه لا مصلحة لأي طرف في اشتعال الحرب في منطقتنا، لأنها ستكون حسب رأيي وبالا على جميع الأطراف.
* ماذا لو تواصل إخفاق مجلس الأمن في الاتفاق على قرار يحمي المدنيين في فلسطين؟
- مجلس الأمن هو الأداة الأساسية، لكن مع وجود الخلافات، فإنه يمكن الاتجاه للجمعية العامة للأمم المتحدة، لعلها تنزل بثقلها المعنوي والسياسي من أجل دفع جميع الأطراف إلى الضغط على إسرائيل لإيقاف هذه الحرب، ويجب استعمال كل المؤسسات العمومية في العالم، مثل الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، ويجب أن يعود الجميع إلى رشده، وأن يعود الجميع إلى القانون الدولي الإنساني، الذي سيفضي في النهاية لوقف هذه الحرب.
* لكن الجانب الإسرائيلي لا يعترف بأي حقوق للفلسطينيين..
- إنكار الحل السياسي الذي يقوم على الشرعية الدولية، وعلى حقوق الشعب الفلسطيني، لن ينجح، فهناك مثلا من حاول إنكار هذا الواقع برفض حل الدولتين، وهناك من أنكر هذا المشروع عن طريق ترويج أن القدس عاصمة الاحتلال، وهناك من يريد إبادة المقاومة، وفكرتها ومبدأها وطموحها نحو هدف حقوق الشعب الفلسطيني في القدس عاصمة له، وكل هذا الإنكار لن ينجح، وكل ما نراه من حركات مقاومة فلسطينية على مدار عقود، كل هذه الحركات تدل على أنه لا يمكن بطريقة أحادية أن يتم التعامل مع القضية فلسطينية.
* وهل غيرت عملية «طوفان الأقصى» من هذه المعادلة؟
- بدلا من هذه الحرب المدمرة، يجب العودة إلى الحل السياسي القائم على الشرعية الدولية، وعلى مبادئ حقوق الإنسان، لأنه الوحيد القادر على أن يجعل كل الناس تعيش في سلام، اليوم في هذه الأيام عادت فكرة حل الدولتين والحل السياسي على لسان الرئيس الأمريكي جو بايدن، وهذا تصريح يجب أن يذهب إلى مداه، وأن يذهب إلى طرح تصور سياسي حقيقي تُجمع عليه المجموعة الدولية، ويدفع إسرائيل إلى الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني، لأن الاحتلال قد يطول، ومآسي الشعوب قد تطول، لكن إيقاف كل هذا لن يكون إلا بالاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني وحقه في تقرير المصير.
*وماذا لو واصلت حكومة الاحتلال التعنت فيما يتعلق بحل الدولتين؟
- رغم صعوبة الوضع وتعقد المشهد، وما نلاحظه من إغراق في رد الفعل، وابتعاد عن مبادئ القانون الدولي، في النهاية سيبقى الحل الوحيد هو احترام حقوق الشعب الفلسطيني، إذا أردنا منقطة يعمها السلام وتخرج من دائرة الحرب المتواصلة، ورغم ما نراه بأن الأشياء تذهب نحو مزيد من نكران هذه الحقوق، يجب أن نتأمل في دروس التاريخ، فالاستعمار لا يدوم إلى ما لا نهاية، والشعوب مهما تعرضت للاستبداد ففي النهاية مثلما قال شاعرنا الكبير أبو القاسم الشابي: «يستجيب القدر» والتاريخ يثبت لنا أن الاستعمار ضد الطبيعية البشرية وضد منطق التاريخ.
* هل يمكن لوم المقاومة الفلسطينية وتحميلها مسؤولية الانتهاكات الواقعة في غزة؟
- بالعودة إلى القانون الدولي الذي قنن في عديد الأدوات، نرى أن هناك اعتراف بحقوق الشعوب، وعلى سبيل المثال العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية في مادته الأولى يؤكد على حق الشعوب، والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية يؤكد نفس الحق في مادته الأولى أيضا، وأهم هذه الحقوق حق تقرير المصير، وهذا الربط بين الحقوق السياسية والاقتصادية في العهود التي صادقت عليها دول العالم، يؤكد الحق في مقاومة الاستعمار، والبحث عن الاستقلال، والكرامة الإنسانية.
* برؤية أوسع.. كيف ترى واقع بلداننا العربية؟
- المنطقة تعيش على وقع الأزمات، وعلى إعادة إنتاج الأزمات بأشكال مختلفة، ولدينا مفارقة غريبة، فبين طاقات كبرى وثروات بشرية وطبيعية وعمق حضاري وديموغرافية صاعدة ودور يتعاظم للنساء في الحياة العامة ومطالب عديدة بالكرامة والحق في العمل والتنمية والخروج من الفقر والتعليم والصحة وغيرها، نشعر أننا لا نتقدم، بل العكس، نتأخر، وهذه مفارقة تعيشها بلداننا بأشكال مختلفة، وهذا التردي ليس نتاج الصدفة.
* وما سبب هذا التردي في تقديرك؟
- أول هذه الأسباب عدم القدرة على الخروج من الفقر والذهاب نحو التقدم والرفاه، وهناك عوامل عديدة منها الخارجي في هذه المسألة، ولكن أيضا لدينا نزاعات داخلية، وفشل في التنمية الاقتصادية، وعدم وجود مشاريع اجتماعية كبرى تأخذ بعين الاعتبار مطامح الفقراء والنخب والشباب، وأكبر التحديات هو غياب السياسات العامة التي يمكن أن تخرجنا من هذا الوضع الصعب. لدينا أيضا مشكلة الحوكمة في مختلف أبعادها السياسية والاجتماعية والإدارية، وكل هذا تمتزج فيه غياب رؤيتنا للإنسان الذي نريده، نحن لم نبلور حتى الآن رؤية حضارية للإنسان الذي نريده في العالم العربي، هل هو الإنسان المريض أو الجاهل أو العاطل عن العمل، أم الإنسان الذي يخرج وهو يعلم أنه سيعود إلى بيته في أمان، ويستطيع التعبير عن رأيه، وأن يشارك في صنع القرار.
* وكيف نتغلب على هذا الوضع؟
- حان الوقت ليقظة حقيقية، لا يمكن أن تكون متعلقة بالفرد، بل يقظة حضارية جماعية، أن نذهب نحو القرار السياسي الشجاع والنهائي بأننا نريد مجتمعات التنمية والديمقراطية، وترجمة هذه الرؤية إلى مؤسسات ودولة القانون، والاستثمار في الإنسان عن طريق التعليم والصحة والثقافة والإبداع، وهذا هو المخرج الحقيقي من التخبط الحضاري، ولا يمكن تنفيذ هذا بدون رؤية يشارك الجميع في وضعها.
* وهل تمتلك بلداننا العربية هذه الرؤية التنموية الشاملة؟
- القدرات موجودة، والدليل على ذلك أن هناك مئات آلاف النساء والرجال شباب وكبار من كل المنطقة العربية، يقدمون خدمات علمية ومعرفية وإبداعية كبرى في كل البلدان المتقدمة، وهناك مواد وإمكانات وعمق حضاري ومبدعين وكتاب وباحثين ومواطنين ومواطنات قادرون على إحداث التغيير الإيجابي، وما نحتاجه هو قرار سياسي نهائي، ينحاز إلى رؤية المجتمع الذي نريده، عندها سوف نودع مرحلة الاكتفاء بإدارة الأزمات، ونتوقف عن إقصاء طاقات الشعوب عن المساهمة والمشاركة، ونستثمر بشكل مستدام في الصحة والتعليم، ونتوقف عن الاكتفاء بطرح الأسئلة، ويجب اليوم، بعد أن رأينا كل هذه المخاطر وعشناها، أن نحول هذه الأفكار العظيمة إلى سياسات عامة.
* وكيف يعود العرب إلى التأثير في العالم المتقدم واللحاق بالركب؟
- الأخطار المحدقة ببلداننا كثير منها خارجي، ورأينا ما يحدث في غزة، ومن قبلها العراق وسوريا، ونواجه مخاطر وتساؤلات وجودية تتمثل في الأزمات الاقتصادية والتغيرات المناخية، ورأينا ما وقع في درنة من مأساة كبرى، ونريد اللحاق بعالم التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي، وأن نصبح جزءا من التفكير في هذا العالم، وهو ما يتطلب اتخاذ قرارات شجاعة.
* لماذا ينجح الإنسان العربي في الغرب ولا ينجح في بلداننا العربية؟
- هناك قدرات وإمكانات لدى الغرب، نعم، لكن مشكلتنا الدائمة أننا لا نملك القدرة المنظومية بأن نضع كل الطاقات في رؤية واحدة، وأحيانا نتعامل مع المشاكل عن طريق المعالجات الجزئية الظرفية، وفي كل بلد من بلداننا نحتاج رؤية شاملة، وتخطيط مستدام على مستوى السنوات القادمة، فالتفكير في المستقبل يتطلب مخططات ومشاركة كل القوى الفاعلة في المجتمع، عبر قرار سياسي شجاع بتغيير السياسات.
* بالنظر إلى واقع كثير من البلدان العربية.. هل لدينا القدرة عاى تنفيذ هذه الرؤية؟
- هي ليست مسألة القدرة، ولكنها مسألة مصير، وليس لدينا خيار أمام المخاطر الموجودة والمطالب بالتقدم، يجب أن نذهب في هذا الاتجاه، وما أقوله ليس رؤية مثالية، وهناك عديد الدول أثبتت هذا الأمر من خلال الاستثمار في قضايا هامة مثل الحوكمة ومكافحة الفساد وتعزيز التعليم والصحة وأثبتت نجاحها، وعلى سبيل المثال لدينا دول واجهت أزمة كوفيد 19 بنجاح كبير، وهي الدول التي استثمرت في الصحة والتعليم والتكنولوجيا وفي السياسات الشاملة، ووفرت التعليم عن بعد لأنها استثمرت في هذه الأمور، وجربت ما نريده اليوم.
* البعض قد يقول إن هذه رؤية مثالية بعيدة عن الواقع.. ما رأيك؟
- حتى لو اعتبرناها مُثلا، فلا مانع من تجريبها بشكل مستدام، هناك بلدان عربية بدأت تفكر في مستقبل التعليم، خصوصا بعد صدور تقرير اليونسكو عن مستقبل التعليم الذي شرفت بالمشاركة فيه، وأصبح لبعض البلدان العربية الآن محاولات للاستثمار في التعليم، وبعضها يعمل لتعزيز حقوق ذوي الإعاقة، وعديد المواضيع الأخرى، ويجب أن يدخل في الاستدامة، كل دولة على حدة.
* كل دولة على حدة.. أم تعاون إقليمي في هذه المشاريع؟
- يجب أن تكون لكل دولة سياساتها في التنمية هذا أمر طبيعي، وفي نفس الوقت لا تعمل منفردة، فعلى المستوى الإقليمي لا مناص من التعاون بين البلدان العربية التي تجمعها أواصر عاطفية ولغوية وثقافية، ومن مصلحة البلدان العربية إذا أرادت تحقيق مصالحها الفردية، أن تتكامل عبر الأسواق المشتركة، والتبادل الثقافي، والتنسيق الأمني، وهذا التقدم المنشود مسؤولية كل بلد على حدة ولا يمنع التعاون، والتعامل يجب أن يمتد أيضا إلى دول الشمال من مبدأ الندية، ويساعد كل بلد على تطوير نفسه. وفي تقرير اليونسكو الذي أشرت إليه، تكررت كلمتي التعاون والتضامن مئات المرات؛ لأنه بدون تضامن وتعاون بين البلدان العربية وبينها وبين البلدان الأخرى لن نستطيع حتى تحقيق التعاون على المستوى الفردي.
* في ظل تدهور الأوضاع في بلدان عربية كثيرة.. كم من الوقت نحتاج لتطبيق هذه السياسات وضمان استدامتها؟
- هناك أمثلة في التاريخ ليست بعيدة عن بلدان عاشت حروبا عالمية ودُمرت بالكامل لكنها عادت وتحولت إلى قوى كبرى دوليا، وبلداننا التي تعاني المآسي والحروب الأهلية بحاجة أولا لإيقاف سريع لهذه الحروب والنزاعات، ثم سرعة إعداد وتنفيذ خطط شاملة لإعادة البناء، وفي هذه الحالة يمكن مع كل الصعوبات والمشاكل بعد فترة من الوقت أن يذهب البلد إلى الطريق الصحيح، ولدينا في القارة الإفريقية دولة مثل رواندا التي عاشت واحدة من أصعب الأزمات والاقتتال والمآسي الإنسانية، نراها الآن تمشي على الطريق الصحيح، ويبقى السؤال، هل سنقيم إعادة الإعمار على نفس المشاكل القديمة، أم نأخذ بعين الاعتبار تغيير السياسات العامة والاستثمار في التعليم والصحة وبناء الإنسان.