الاحتلال يعاود الحرب على غزة بضوء أخضر أمريكى.. وخبراء: ورقة ضغط (خاص)
أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلى، اليوم عن تجدد القتال و«إعادة تفعيل النيران» فى قطاع غزة، بعد هدنة إنسانية استمرت لمدة ٧ أيام، بجهود مصرية وقطرية وأمريكية.
واتهم المتحدث باسم جيش الاحتلال للإعلام العربى، أفيخاى أدرعى، حركة «حماس» بـ«خرق الاتفاق، وإطلاق القذائف نحو الأراضى الإسرائيلية». فيما دعا إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومى الإسرائيلى، إلى «سحق غزة بكل قوة، وتدمير حماس»، إلى جانب «عودة إسرائيل إلى القطاع بلا تنازلات أو صفقات».
وشنت قوات الاحتلال غارات على رفح جنوبى قطاع غزة، ومخيم «النصيرات» وسط القطاع، إلى جانب مناطق أخرى، ما أسفر عن استشهاد أكثر من ٦٠ شخصًا وإصابة العشرات.
ورأى خبراء فلسطينيون أن عودة الحرب الإسرائيلية على غزة تأتى بضوء أخضر من الولايات المتحدة، بعد زيارة وزير الخارجية الأمريكى، أنتونى بلينكن، إلى إسرائيل، منذ يومين، ولقائه قادة دولة الاحتلال.
واعتبر الخبراء الذين تحدثت إليهم «الدستور» أن عودة الحرب تعد أيضًا وسيلة للضغط على المقاومة الفلسطينية، لتقليل مطالبها، والإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين بأقل الأثمان، بالإضافة إلى إطالة العمر السياسى لرئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، الذى سينتهى سياسيًا بمجرد انتهاء الحرب.
ورقة ضغط لتقليل مطالب المقاومة فى الصفقات المقبلة
قال الدكتور ماهر صافى، الكاتب والمحلل السياسى الفلسطينى، إن عودة إسرائيل لقصف قطاع غزة مجددًا جاءت بعد ٧ أيام من التهدئة، والتهديدات المستمرة من قادة جيش الاحتلال بالانتقام من حركة «حماس» والمقاومة الفلسطينية. وأضاف «صافى»: «ما قاله وزير الخارجية الأمريكى، أنتونى بلينكن، خلال اجتماعه بمجلس الحرب الإسرائيلى، أمس الأول، يدل على أن الولايات المتحدة ليس لديها مانع من معاودة النشاطات العسكرية، وأن الضوء الأخضر الأمريكى لإسرائيل مستمر، بحجة أن تل أبيب تريد إعادة المحتجزين لدى المقاومة، وتحقيق أهدافها العملياتية والعسكرية والسياسية على الأرض».
وتوقع أن «التصعيد الإسرائيلى الحالى لن يستمر طويلًا، لأن إسرائيل تمارس عبره ضغطًا كبيرًا على الوسطاء المصريين والقطريين، مع معاودة القصف، للتقليل من مطالب المقاومة، والإفراج عن باقى المحتجزين لديها، مقابل التهدئة ووقف إطلاق النار».
وأتم بقوله: «إسرائيل لا تريد مزيدًا من الهزائم، بل تحاول أن تكون تكلفة الصفقة القادمة متواضعة، لأن المقاومة طلبت تبييض السجون الإسرائيلية من الأسرى الفلسطينيين، مقابل تسليم المحتجزين من الضباط والجنود، وما تبقى من المدنيين لديها».
طبيب: المستشفيات خارج الخدمة ولا تستطيع استقبال مصابين جدد
عن قدرة مستشفيات القطاع على العمل بعد استئناف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، أكد الدكتور فادى الخضرى، إخصائى القلب والقسطرة بمجمع «الشفاء» الطبى، انهيار القطاع الصحى فى غزة بشكل كامل، على مدار الأسابيع الماضية، ما يجعله غير قادر على علاج المرضى والمصابين، فضلًا عن استقبال المزيد منهم.
وأضاف «الخضرى»: «أعمل فى مجمع الشفاء الطبى منذ عام ٢٠٠٩، وهو أكبر مجمع طبى داخل القطاع، ويخدم الآلاف من أبناء الشعب الفلسطينى، نظرًا لتعدد أقسامه وتخصصاته، لكنه الآن تم إغلاقه، واعتقال عدد من كوادره الطبية وحتى الجرحى والنازحين إليه».
وواصل: «لم آخذ أى إجازة منذ بداية العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة فى السابع من أكتوبر الماضى، وحتى لحظة إغلاق المجمع، وأثناء تواجدى فى عملى داخل المجمع، فوجئت بوصول شقيقى ووالدى شهداء، مع مئات آخرين، عقب قصف منازلهم فى مدينة غزة، والمشهد كان مهيبًا ولم أتحمله أو أصدقه»، مشيرًا إلى أنه دفن شقيقه ووالده فى المقابر الجماعية بمجمع «الشفاء»، مع مئات الشهداء، بسبب حصار قوات الاحتلال الإسرائيلى للمجمع.
وأكمل: «الأوضاع الحالية سيئة جدًا، خاصة عقب إغلاق المجمع وخروجه عن الخدمة بسبب قصف الاحتلال، ولا توجد أى إمكانات لتشغيله عقب الدمار والخراب الذى لحق به، وتم تحويل المرضى لمستشفيات أخرى بجنوب القطاع، ومنهم من توفى أثناء نقله، ومنهم من لم يأخذ حقه بالعلاج، ومدير مجمع الشفاء الطبى الدكتور محمد أبوسلمية تم اعتقاله، مع عدد من الكوادر الطبية، أثناء النزوح إلى الجنوب عبر حاجز صلاح الدين، لنقل المصابين».
وحول أوضاع الأطفال من الجرحى والمصابين، قال «الخضرى»: «أوضاع الأطفال صعبة، خاصة أنه لا توجد مشافٍ ليتلقوا العلاج بها، وحتى لو نزحوا إلى الجنوب فالمشافى هناك لا تغطى حاجاتهم». وأضاف: «حتى مستشفيات الطوارئ خرجت عن العمل، وبعض الأطباء مثلى فى غزة يقيمون حاليًا داخل منازلهم دون عمل، أو القيام بدورهم كأطباء، بعد خروج غالبية المستشفيات فى القطاع عن العمل، بسبب استمرار العدوان الإسرائيلى والقصف، وغزة والشمال كله لا يوجد به مستشفيات، ولا وقود للتشغيل، ولا غسيل كلى أو علاجات لمرضى السرطان، ومن المرضى من توفى، ومنهم من خرج إلى مصر أو تركيا للعلاج، والدمار أصبح واسعًا فى كل أرجاء غزة، ولا توجد كلمات تستطيع وصف ما أصبحت عليه».
واختتم الطبيب الفلسطينى بالقول: «المساعدات التى تصل القطاع لا تكفى لتجاوز آثار العدوان، وهى أقل كثيرًا من حجم الكارثة، وأدعو جميع الأطراف للتوصل لحل فورى لوقف إطلاق النار تمامًا، لأننا فى أوقات الهدنة نكون على أعصابنا ولا تتغير الأوضاع، لكننا سنستطيع لملمة جراحنا بعد انتهاء الحرب ووقف إطلاق النار».
وسيلة لتحقيق أى مكسب عسكرى لحفظ ماء الوجه
اعتبر الدكتور جهاد أبولحية، أستاذ القانون والنظم السياسية الفلسطينى، أن استئناف العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة بعد توقف لمدة ٧ أيام، يؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن الاحتلال المجرم مصمم على تنفيذ جريمة الإبادة الكاملة للشعب الفلسطينى فى القطاع، على مرأى ومسمع من العالم.
وقال «أبولحية»: «قرار استئناف العدوان جاء بالتزامن مع زيارة وزير الخارجية الأمريكى لإسرائيل، ما يوضح للمتابعين موافقة الولايات المتحدة على استمرار العدوان ضد شعبنا»، مضيفًا: «منذ السابع من أكتوبر الماضى لم تحقق إسرائيل أى هدف عسكرى أعلن عنه مجلس حربها المتغطرس، لذا تسعى لتحقيق أى هدف عسكرى لحفظ ماء وجهها، بعد الهزائم المتتالية التى لحقت بها من فصائل المقاومة الفلسطينية».
وواصل: «استمرار العدوان الإسرائيلى على غزة وعدم التوصل إلى اتفاق حول إطلاق سراح باقى المحتجزين فى أيدى المقاومة الفلسطينية يعكس عدم رغبة قادة مجلس الحرب الإسرائيلى فى ذلك، بل وعدم اهتمامهم بأسراهم من العسكريين ومصيرهم، خاصة بعدما أعلنت المقاومة عن مقتل العديد منهم نتيجة القصف الإسرائيلى الهمجى على قطاع غزة».
وتابع: «إسرائيل تسعى إلى تحقيق أى هدف عسكرى، وهذا لن يكون سهلًا، كما اتضح فى الأسابيع الماضية من العدوان، فقد فشلت فى ذلك، وكل ما حققته هو قتل عشرات الآلاف من المدنيين، من الأطفال والنساء والشيوخ، مع قصف المستشفيات والأطباء وعربات الإسعاف والمدارس والصحفيين والإعلاميين والكنائس والمساجد ومراكز الإيواء، وتدمير عشرات الآلاف من الوحدات السكنية».
محاولة لإطالة العمر السياسى لـ«نتنياهو» والإفراج عن باقى المحتجزين
وصفت الدكتورة تمارا حداد، الكاتبة والباحثة السياسية الفلسطينية، عودة الحرب المسعورة من الاحتلال على قطاع غزة، بضوء أخضر من الولايات المتحدة، بأنه وسيلة لتنفيذ الأهداف التى وضعتها إسرائيل فى أول الحرب، وهى القضاء على حركة «حماس» وأذرعها ومؤيديها، ومن ثم إحداث التغيير الجغرافى والديموجرافى والأمنى والإدارى فى قطاع غزة.
وقالت د. «تمارا»: «الحرب عادت أيضًا كورقة ضغط، للإفراج عن باقى المحتجزين لدى المقاومة، وبالتحديد العسكريين والجنود، سواء فى الاحتياط أو فى الجيش النظامى، مشيرة إلى أن إسرائيل تريد إخراج هؤلاء بأقل الأثمان، دون أن تدفع المقابل الذى أرادته حماس والمقاومة، وهو تبييض السجون الإسرائيلية من الأسرى الفلسطينيين، وفك الحصار عن القطاع، وإدخال المساعدات الإنسانية دون شروط، وأيضًا وقف إطلاق النار بشكل كلى».
وأضافت: «تلك الشروط بالنسبة لإسرائيل من الصعب تحقيقها على أرض الواقع، لذا لجأت إلى خيار الحرب واستئناف إطلاق النار، من أجل الضغط على المقاومة لإخراج البقية بأقل الأثمان وشروط أقل».
وتوقعت أن تطول المرحلة الثانية من العدوان، لأن المنطقة المستهدفة هى جنوب القطاع، وسيحتاج الاحتلال إلى وقت طويل لتنفيذ أهدافه فيها، لأنها منطقة سكنية، خاصة مدينة خان يونس، التى نزح إليها آلاف من المواطنين.
وتابعت: «حتى اللحظة لا يوجد قرار رسمى بإعادة النازحين من جنوب القطاع إلى شماله، وهذه إشارة إلى استكمال مخططات الاحتلال فيما يتعلق بالتهجير الطوعى، وفتح مكاتب دولية لإخراج الناس وتفريغ القطاع من سكانه، وتجريف أكبر عدد ممكن من الأراضى وتحويلها لمناطق أممية عازلة».
ورأت أن الهدف الآخر من الحرب هو إطالة العمر السياسى لرئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، الذى يعلم تمامًا أن نهايته قد اقتربت بمجرد انتهاء الحرب، لذا فهو يطيل أمدها لاستنزاف المقاومة الفلسطينية، ثم الضغط عليها للاستسلام.