صناعة الهدنة.. حزن الحزن
صناعة الهدنة.. حزن الحزن
هند جاد
قرأت مؤخرًا معلومات مغلوطة عن مسألة التهجير القسرى للشعب الفلسطينى، حيث يؤكد البعض أنها فكرة لمراكز الأبحاث الأمريكية والغربية. والحقيقة أنها فكرة عمرها أكثر من 100 سنة. أما ما تقوم به مركز الأبحاث حديثًا هو تبنى لجهود ومخططات تاريخية مع الاجتهاد فى أساليب جديدة لتنفيذها وتحقيق الهدف منها.
بداية الفكرة بين عامى 1891 و1892 عندما طرح بول فريدمان «ألمانى من أصل يهودى عاش بين 1840 و1909» الفكرة تحت اسم «أرض مدين» التى وردت فى العهد القديم «التوراة». والمهم فى هذا الإطار، أنه للمرة الأولى، طرحت فكرة حفر قناة مائية جديدة للربط بين البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط لكى تكون قناة بديلة لقناة السويس. وفى 1897، عقد المؤتمر الصهيونى الأول بمدينة بازل السويسرية، وفيه طرح تيودور هرتزل اختيار سيناء لتأسيس دولة إسرائيل باعتبارها الأرض المقدسة، حسب وصف التوراة لها. وتصدت لهذا المشروع الذى يعتبر أول مشروع استيطانى فى ذلك الوقت الوطنية المصرية بدعم من الخديو عباس حلمى الثانى.
وبمرور السنوات والأزمات والمفاوضات، لم تفقد إسرائيل اهتمامها بسيناء، وتطورت الفكرة من تأسيس دولة إسرائيل عليها إلى توطين الفلسطينيين فيها بعد تهجيرهم من أرضهم. وذلك من خلال صفقة لتبادل الأرض بين مصر وإسرائيل فى صحراء النقب، مقابل إنشاء محطة ضخمة لتحلية مياه البحر، وإسقاط الديون، ودعم الاقتصاد المصرى. ولكن يظل المخطط بغض النظر، عن شكله أو طريقة تنفيذه، هو ترحيل للشعب الفلسطينى وتهجير قسرى له تحت مسميات مختلفة مثل الشرق الأوسط الكبير والفوضى الخلاقة.
حسم الرئيس عبدالفتاح السيسى تلك الفكرة الخبيثة بوضوح أثناء المؤتمر الصحفى مع المستشار الألمانى أولاف شولتس خلال زيارته لمصر. قال السيسى: إن تهجير الفلسطينيين إلى سيناء يعنى جر مصر إلى حرب مع إسرائيل، واستمرارًا للعملية العسكرية الفضفاضة للقضاء على الإرهاب، وما يترتب على ذلك من أن تتحول سيناء إلى قاعدة لانطلاق حملات إرهابية ضد إسرائيل.
الموقف المصرى على مر التاريخ مباشر وواضح ومعلن لا لبس فيه من قبل نكبة 1948 وإلى الآن. مصر ضد مخططات التهجير القسرى وضد الدفع بالشعب الفلسطينى لتوطينه فى سيناء لما تمثله هذه الفكرة من تفريغ القضية الفلسطينية، وفقدها بريقها الوطنى وأهميتها التاريخية من أجل القضاء عليها تمامًا.
مصر لن تشارك فى جريمة خروج الفلسطينيين من أرضهم دون رجعة. ولن تتخلى عن حقوق الفلسطينيين التاريخية فى أرضهم. وفى نفس الوقت، لن تسمح بأن تكون مصر طرفًا فى تزوير الحقيقة والتاريخ. ولن تسمح بأى حل للقضية الفلسطينية على حساب الأمن القومى المصرى فى سيناء. ولن تدخل مصر حروبًا أخرى بالوكالة بعد أن اختارت السلام كأسلوب فى التفاعل مع العلاقات الدولية.
نقطة ومن أول السطر..
الجهود للوصول للهدنة هى صناعة مصرية قطرية بدعم من الولايات المتحدة، وهى السبب الوحيد فى الوصول لحالة الهدنة ودخول المساعدات الغذائية والطبية، وهى سبب نجاح صفقات تبادل الأسرى المتتالية.
أما حديث الإفك أن الهدنة هى انتصار لحماس وما تقوم به، هو ما نطلق عليه بالعامية المصرية «حزن.. الحزن». العمل فى صمت لتحقيق إنجاز على الأرض لا يعنى سوى القوة فى المنطق والحجة، بعيدًا عن الفشل والحنجورية بالاستناد على الحيطة المالية وأوهام دولة الخلافة.