العدالة للفلسطينيين تحقق الأمن لإسرائيل
قال الرئيس السابق للموساد، أفرايم هاليفي، إن إسرائيل ستتعرض لضغوط دولية كبيرة جدًا، بما في ذلك من الولايات المتحدة، لاستمرار وقف النار.. (أجريت أحاديث مع شخصيات أمريكية توافقني الرأي، بأن هذه الصفقة ستكون خطوة من شأنها أن تعزز المسار نحو إنهاء الحرب.. إذا تم بعد إنهاء الصفقة الأولى بالمضي قُدمًا في عملية التبادل هذه حتى نهايتها، سيكون من الصعب جدًا تجديد العملية البرية، رغم أن رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، يقول إن الجيش سيجدد القتال حتى تنهار حماس، لكنني على يقين أنه سيكون هناك كثير من الضغوط لإحداث تلكؤ، وربما حتى إنهاء القتال، من دون أن تنهار حماس تمامًا).
عادة ما تنتهي الحرب عندما تبدأ المفاوضات التي تؤدي إلى هدنة، تعقبها هُدن بين المتحاربين، حتى ترتخي الأعصاب وينسى الطرفان خيار الحل العسكري.. هكذا انتهت الحرب في أيرلندا الشمالية، أيام رئيس الوزراء البريطاني، توني بلير، وكذلك الحال في اليمن، بين الحوثيين والسعودية.. وفي غزة، كانت هناك خمس جولات من الحروب بين إسرائيل وحماس، خلال السنوات الخمس عشرة الماضية، تبدأ بالقتال وتنتهي بالهدنة.. ليبقى السؤال: كيف نُنهي المرحلة الحالية من الصراع، ونمنع حدوث السادسة عاجلًا أم آجلًا؟.. وكيف نوازن بين رغبتنا في وقف القتال والحاجة إلى معالجة جذور الصراع؟.
على مدى خمسة وسبعين عامًا، كافح ذوو النوايا الحسنة، من الدبلوماسيين والإسرائيليين والفلسطينيين، وقادة الحكومات في جميع أنحاء العالم، لإحلال السلام في هذه المنطقة.. في ذلك الوقت اُغتيل الرئيس أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي، إسحاق رابين، على يد متطرفين، بسبب جهودهما لإنهاء العنف.
بالنسبة لأولئك الذين لا يريدون إنهاء هذه الحرب فحسب، بل لتجنب حروب مستقبلية، يجب علينا أولًا أن نكون واضحين بشأن الحقائق.. في السابع من أكتوبر، شنت حماس، هجومًا ضد إسرائيل، أسفر عن مقتل حوالي 1200 إسرائيلي، واحتجاز أكثر من مائتي رهينة.. وردًا على ذلك، أطلقت إسرائيل، تحت قيادة رئيس وزرائها اليميني، بنيامين نتنياهو، المتهم بالفساد والذي تضم حكومته عُنصريين صريحين، ما يرقى إلى حرب شاملة ضد الشعب الفلسطيني.. وفي غزة، أُجبر أكثر من 1.6 مليون فلسطيني على ترك منازلهم. وانقطعت المساعدات الغذائية والمياه والإمدادات الطبية والوقود.. وتقدر الأمم المتحدة أن 45% من الوحدات السكنية في غزة قد تضررت أو دمرت.. ووفقًا لوزارة الصحة في غزة، استشهد ما يزيد على خمسة عشر ألف فلسطيني، أكثر من ثلثيهم تقريبًا من الأطفال والنساء، وأصيب أكثر من ثلاثين ألف مواطن.. ويصبح الوضع أكثر خطورة كل يوم.
هذه كارثة إنسانية تهدد بإشعال حريق إقليمي أوسع، كلنا نريد أن ينتهي في أقرب وقت ممكن.. ولكن لإحراز تقدم، يجب أن نتصدى لجذور هذه الحالة التي يريد الكثير من الناس التخلي عنها.. أولًا، أوضحت حماس، قبل وبعد السابع من أكتوبر، أن هدفها هو الحرب الدائمة وتدمير إسرائيل.. إذ في الأسبوع الماضي، قال متحدث باسم حماس لصحيفة نيويورك تايمز: (آمل أن تصبح حالة الحرب مع إسرائيل دائمة على جميع الحدود، وأن يقف العالم العربي معنا).. ثانيًا، لم تفعل إسرائيل شيئًا في السنوات الأخيرة لإعطاء الأمل في التوصل إلى تسوية سلمية.. أبقت على الحصار المفروض على غزة، وعمقت الإذلال اليومي للاحتلال في الضفة الغربية، وتجاهلت الظروف المعيشية المروِّعة التي يواجهها الفلسطينيون.
هنا، يقول بيرني ساندرز، السيناتور البارز من ولاية فيرمونت الأمريكية، ورئيس لجنة مجلس الشيوخ للصحة والتعليم والعمل والمعاشات التقاعدية، وأطول عضو مستقل في الكونجرس في التاريخ. وكان مرشحًا من قِبل الحزب الديمقراطي للرئاسة عامي 2016 و2020، في مقال له بصحيفة نيويورك تايمز، (ليس لدى أحد كل الإجابات على هذه المأساة التي لا تنتهي.. ولكن بالنسبة لأولئك الذين يؤمنون بالسلام والعدالة، من الضروري أن نبذل قصارى جهدنا لتزويد الإسرائيليين والفلسطينيين بخطة مدروسة ترسم مسارًا واقعيًا لمعالجة الواقع الذي نواجهه اليوم).. وقدَّم عدة أفكار، حول أفضل طريقة للمضي قدمًا، وكيف يمكن للولايات المتحدة أن تحشد العالم حول موقف أخلاقي، يدفعنا نحو السلام في المنطقة، والعدالة للسكان الفلسطينيين المضطهدين.
بادئ ذي بدء، يجب أن نُطالب بالوقف الفوري للقصف الإسرائيلي العشوائي، الذي يتسبب في وقوع عدد هائل من الضحايا المدنيين وينتهك القانون الدولي.. إن إسرائيل في حالة حرب مع حماس، وليس مع الرجال والنساء والأطفال الفلسطينيين الأبرياء.. لا يمكن لإسرائيل قصف حي بأكمله للقضاء على هدف واحد لحماس.. لا نعرف ما إذا كانت هذه الحملة فعَّالة في إضعاف قدرات حماس العسكرية، لكننا نعلم أن 70% من الضحايا، هم من النساء والأطفال، وأن 104 ـ حتى كتابة هذا المقال ـ من عمال الإغاثة التابعين للأمم المتحدة و53 صحفيًا قد قُتلوا.. هذا غير مقبول.
ويجب أيضًا، أن تكون هناك هدنة إنسانية كبيرة وممتدة، حتى يمكن للمساعدات الإنسانية التي يحتاجها الشعب الفلسطيني، الغذاء والماء والدواء والوقود، أن تصل إلى غزة وتنقذ الأرواح.. إذا تم احترام اتفاق الهدنة المتفق عليها، الذي سيتم بموجبه إطلاق سراح خمسين رهينة إسرائيلية، مقابل وقف القتال لمدة أربعة أيام، والإفراج عن مائة وخمسين طفلًا وامرأة من سجون إسرائيل.. فهذه خطوة أولى واعدة يمكننا البناء عليها، ونأمل أن نعمل على تمديد فترة التوقف.. وفي غضون ذلك، يجب إعطاء الأمم المتحدة الوقت الكافي لإنشاء شبكة التوزيع اللازمة لمنع العطش والمجاعة والمرض بشكل آمن، وبناء المآوي للمشردين، وإجلاء من يحتاجون إلى رعاية حرجة.. وستسمح هذه النافذة أيضًا بإجراء محادثات لتحرير أكبر عدد ممكن من الرهائن، وإفراغ السجون الإسرائيلية من الفلسطينيين.. ويجب ألا يسبق هذا التوقف المطول استئناف القصف العشوائي.
وإذا كان للفلسطينيين، الذين طالت معاناتهم، أن تُتاح لهم فرصة تقرير المصير ومستوى معيشي لائق، يجب ألا تكون هناك إعادة احتلال إسرائيلي طويل الأجل وحصار لغزة، فإن ذلك الاحتلال ستكون له نتائج عكسية تمامًا.. ولتحقيق التحول السياسي الذي تحتاج إليه غزة، ستكون هناك حاجة إلى قيادة فلسطينية جديدة، كجزء من عملية سياسية أوسع.. ولكي يحدث هذا التحول وعملية السلام، يجب على إسرائيل أن تتعهد بالتزامات سياسية معينة تسمح للقيادة الفلسطينية الملتزمة بالسلام ببناء نفسها.. ويجب أن تضمن للفلسطينيين المشردين الحق المطلق في العودة إلى ديارهم، مع إعادة بناء غزة.. لا يمكن جعل الأشخاص الذين عاشوا في فقر ويأس لسنوات، بلا مأوى بشكل دائم.. يجب على إسرائيل أيضًا الالتزام بإنهاء عمليات قتل الفلسطينيين في الضفة الغربية وتجميد المستوطنات هناك، كخطوة أولى نحو إنهاء الاحتلال بشكل دائم.. وستُظهر تلك الخطوات أن السلام يمكن أن يتحقق للشعب الفلسطيني، على أمل أن يمنح السلطة الفلسطينية الشرعية التي تحتاجها، لتولي السيطرة الإدارية على غزة، على الأرجح بعد فترة استقرار مؤقتة.
وأخيرًا.. إذا كان للفلسطينيين أن يكون لديهم أي أمل في مستقبل لائق، يجب أن يكون هناك التزام بمحادثات سلام واسعة النطاق، لدفع حل الدولتين في أعقاب هذه الحرب.. وهنا، يجب على الولايات المتحدة والمجتمع الدولي وجيران إسرائيل التحرك بقوة نحو هذا الهدف.. وسيشمل ذلك زيادة الدعم الدولي للشعب الفلسطيني بشكل كبير، بما في ذلك من دول الخليج.. وسيعني ذلك أيضًا الوعد بالاعتراف الكامل بفلسطين، ريثما يتم تشكيل حكومة جديدة مُنتخبة ديمقراطيًا، ملتزمة بالسلام مع إسرائيل.
وحتى نكون واضحين، فإن هذا لن يحدث من تلقاء نفسه.. فقد تم تشكيل حزب الليكود، الذي يتزعمه نتنياهو، صراحة على أساس أنه (بين البحر ونهر الأردن، لن تكون هناك سوى السيادة الإسرائيلية).. وتعزز حكومة الائتلاف الحالية هذا الهدف.. هذه ليست مجرد أيديولوجية.. بل إن الحكومة الإسرائيلية سعت بشكل منهجي إلى تحقيق هذا الهدف.. وشهد العام الماضي نموًا مطردًا في المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، حيث يعيش الآن أكثر من سبعمائة ألف إسرائيلي في مناطق، تتفق الأمم المتحدة والولايات المتحدة على أنها أراضٍ محتلة.. لقد استخدموا عنف الدولة لدعم هذا الضم الفعلي.. ولا يمكن السماح باستمرار ذلك.
لقد أوضح نتنياهو موقفه من هذه القضايا الحاسمة.. والطريقة الوحيدة التي ستحدث بها هذه التغييرات الضرورية، هي أن تستخدم الولايات المتحدة النفوذ الكبير الذي تمتلكه مع إسرائيل.. وكلنا يعرف ما هي هذه النفوذ.. لسنوات عديدة، قدمت الولايات المتحدة لإسرائيل مبالغ كبيرة من المال ـ دون أي قيود تقريبًا ـ وحاليًا، يؤكد بيرني ساندرز، نحن نقدم 3.8 مليار دولار في السنة.. وطلب الرئيس بايدن 14.3 مليار دولار إضافية على هذا المبلغ، وطلب من الكونجرس التنازل عن قواعد الرقابة العادية في مثل هذه الأمور.. يجب أن ينتهي نهج الشيك على بياض، يجب على الولايات المتحدة أن توضح أنه بينما نحن أصدقاء لإسرائيل، هناك شروط لتلك الصداقة، وأننا لا يمكن أن نكون متواطئين في أعمال تنتهك القانون الدولي وأن ندرك إنسانيتنا.. ويشمل ذلك وضع حد للقصف العشوائي؛ ووقف إطلاق النار.. وقفة كبيرة للقصف، حتى يمكن أن تصل المساعدات الإنسانية الضخمة إلى المنطقة؛ حق النازحين في غزة في العودة إلى ديارهم؛ لا احتلال إسرائيليًا طويل الأمد لغزة؛ وضع حد لعنف المستوطنين في الضفة الغربية وتجميد التوسع الاستيطاني؛ والالتزام بمحادثات سلام واسعة من أجل حل الدولتين في أعقاب الحرب.
على مر السنين، حاول الأشخاص ذوو النوايا الحسنة في جميع أنحاء العالم، معالجة هذا الصراع بطريقة تحقق العدالة للفلسطينيين والأمن لإسرائيل.. لقد حاولت أنا وبعض أعضاء الكونجرس الآخرين ـ يقول ساندرز ـ أن نفعل ما في وسعنا، لكن من الواضح أننا لم نفعل ما يكفي.. والآن يجب أن نُجدد التزامنا بهذا الجهد.. إن المخاطر أكبر من أن نستسلم لها.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.