اشترى المصرى
هناك أمران متداخلان.. الأول هو مقاطعة المصريين الشركات التى تدعم عدوان إسرائيل على غزة، والثانى هو احتفاء المصريين بالصناعة المصرية والإقبال على البضائع التى تشكل بديلًا للأجنبى.. المقاطعة دعوة تم إطلاقها مرات عديدة لكنها هذه المرة وجدت أرضًا خصبة.. منذ بداية الألفية ومع كل عدوان على العرب أو على الفلسطينيين كانت تطلق دعوات مقاطعة فى بيئة رسمية لا ترحب بالمقاطعة.. كانت المقاطعة وقتها ضد فلسفة نظام الحكم نفسه وضد مصالح الفئات المسيطرة وتجمعات المستوردين ورجال الأعمال وضد سياسات الحكومة التى كانت تقدم نفسها غالبًا كوكيل للمصالح الغربية فى مصر.. لذلك كانت دعوات المقاطعة تشكل فورة غضب عاطفية سرعان ما تهدأ وتذهب لحال سبيلها وغالبًا ما كانت تطرح كوسيلة تنفيس عن مشاعر الغضب وكبديل لما هو أكثر عمقًا وراديكالية.. من وجهة نظرى فإن الأمر مختلف هذه المرة.. ليس فقط بسبب وحشية العدوان وتواصله ولكن لأن التربة هذه المرة مختلفة.. دعوات المقاطعة تأتى هذه المرة بعد عشر سنوات من ثورة الثلاثين من يونيو التى أعادت إحياء مفاهيم مثل الوطنية والاعتزاز بالذات القومية والعمل لأن تحتل مصر المكانة اللائقة بها فى الإقليم.. وهى مفاهيم يؤمن بها المصرى فى أعماقه ويشعر بالخلل إذا ما اختفت من الخطاب العام للدولة والإعلام ومؤسسات المجتمع المختلفة.. وبالتالى فإن دعوات المقاطعة تداخلت بقوة مع دعوة تحمل اسم «اشترى المصرى» لتتحول الرغبة فى عقاب من يساند إسرائيل إلى رغبة لمساندة منتجى البضائع المصرية.. وبالتالى فإن الدعوة تحولت من دعوة «هدم» لمن يناصر العدو، لدعوة «بناء» للشركات والمصانع والمنتجات المصرية التى يتسم الكثير منها بجودة عالية وسعر مناسب.. فى خلفية هذا أن كثيرًا من المنتجات المصرية التى تنتجها شركات عامة وخاصة تمت محاصرتها منذ التسعينيات لحساب منتجات أجنبية منافسة أو لحساب شركات بعض رجال الأعمال ممن أطلق عليهم وقتها رجال رأسمالية المحاسيب.. بل إن بعض المتهمين بالفساد من رؤساء شركات القطاع العام اعترفوا بأن أحد أوجه فسادهم كان تعطيل إنتاج الشركات بعد تلقى رشى من رجال أعمال ينتجون منتجات منافسة.. وبالتالى فإن رد الاعتبار للمنتجات المصرية هو حق يراد به حق ودليل يقظة قومية، ورغبة فى إفادة الاقتصاد الوطنى ووقف نزيف العملات الصعبة وتوجيهها لما هو هام وضرورى وحيوى.. وهو إحياء لدعوات قديمة ربط فيها المصريون بين المشاعر الوطنية وبين مساندة المنتج المصرى.. لعل أهمها «مشروع القرش» عام ١٩٣١وفكرته ببساطة أن يتبرع كل مصرى بقرش واحد لتكوين رأسمال مصنع مصرى ينتج «الطرابيش» التى كانت تستورد فى ذلك الوقت فى حين هى جزء من الزى القومى للمصريين وقتها.. نجحت الدعوة وتم جمع سبعة عشر ألف جنيه فى أول عام وهو مبلغ أسطورى بمقاييس ذلك الزمان وتم تأسيس المصنع بالفعل لكنه لم ينجح لأن القائمين عليه كانوا يجيدون السياسة لا الصناعة ومع ذلك بقيت الفكرة دليلًا على حماس المصريين لصناعتهم الوطنية واستعدادهم لدعمها بأى طريقة ممكنة.. وكانت الدعوة الأكثر احترافًا هى دعوة طلعت باشا حرب الذى أسس سلسلة من الصناعات المصرية ثم أسس شركة بيع المصنوعات المصرية لتوزيع هذه المصنوعات، وقد كان للشركة فرع بالغ الجمال فى شارع ٢٦ يوليو ظل محافظًا على رونقه حتى ثمانينيات القرن الماضى.. وأظن أن حالة الاستفاقة بين المصريين لشراء المنتج المصرى تستدعى إعادة إحياء شركة بيع المصنوعات المصرية وتأسيس موقع إلكترونى خاص لها وصفحة للبيع على فيسبوك، ولا مانع أن تقدم المؤسسات الشبابية المصرية مثل حياة كريمة ومنتدى الشباب يد العون لهذه الشركة من خلال الترويج الإلكترونى والدعاية على وسائل التواصل الاجتماعى.. ولا تتعارض الدعوة لشراء المنتج الوطنى إطلاقًا مع دعوات الرأفة بالعاملين فى فروع الشركات الأجنبية فى مصر.. حيث لا بد من نوع من المقاطعة الجزئية أو المقاطعة الرحيمة التى تسمح بانتقال جزئى للعمالة والأرباح من الأجنبى إلى المصرى ثم بدمج الأجنبى فى المصرى من خلال سياسة الاستحواذ.. حيث إن بيع المنتج المصرى فى مصر هو الخطوة الأولى لتصديره للخارج ومن ثم تحوله لمصدر للعملة الصعبة التى نحتاجها فى مجالات النمو المختلفة.. الدعوة لشراء المنتج المصرى هى الوجه الإيجابى لدعوة المقاطعة، وبالتالى لا يمكن لأى مصرى وطنى أن يعارضها أو يقاومها، وهى عندى دليل يقظة قومية وأثر من آثار الصحوة الوطنية التى يعيشها المصريون رغم سوء الظرف الاقتصادى.. لذلك يجب أن يكون شعارنا جميعًا.. اشترى المصرى.