هل تغتنم المقاومة الفرصة؟
وسط أخبار القصف والتنكيل بأهلنا فى غزة ثمة شىء إيجابى.. ففى قلب المحنة توجد منحة.. وجهة نظر الغرب تتغير فى إسرائيل يومًا بعد يوم.. الشعوب تدرك أنها كانت ضحية خدعة إعلامية استمرت عقودًا.. الأجيال الجديدة من الغربيين صارت أكثر قدرة على معرفة الحقيقة.. فى أمريكا رفع الجيل «z» راية التمرد ضد الدعم المطلق لإسرائيل.. لم يعد المواطن الأمريكى هو ذلك الجاهل بشئون العالم الذى يستقى معلوماته من «فوكس نيوز» و«سى إن إن» ومحطات الكابل المحلية.. ولدت أجيال تبحث عن الحقيقة على وسائل التواصل الاجتماعى.. على «تيك توك» الذى طوره مستثمر صينى.. وعلى «تليجرام» الذى طوره مستثمر روسى.. توجد فيديوهات وحقائق كان يتم إخفاؤها عن المواطن الغربى عمدًا.. أما «فيسبوك» فهو غارق فى انحيازه وعنصريته ودونيته تجاه إسرائيل وسيواصل الغرق حتى النهاية.. وحسب تقرير نشره موقع «سكاى نيوز» فإن جامعة هارفارد، درة جامعات أمريكا، كانت أول جامعة يصدر طلابها بيانًا يُحمل إسرائيل مسئولية المذابح ووقع عليه ثلاثون رابطة طلابية مختلفة.. من هارفارد يخرج حكام أمريكا ونخبتها السياسية.. والذين وقعوا على بيانات التضامن مع فلسطين سيصعد بعضهم لمواقع المسئولية بعد سنوات.. قبل انفجار العدوان على غزة قالت «فورين بوليسى» إن الدعم الشعبى الأمريكى لإسرائيل يتراجع بشكل عام لصالح مزيد من الدعم للحق الفلسطينى.. فى ٤ نوفمبر الجارى تظاهر ٣٠٠ ألف أمريكى رفضًا للعدوان على غزة.. ويمتلئ موقع «تيك توك» بمقاطع لمظاهرات فى ولايات مختلفة للتضامن مع غزة وفلسطين.. فى حين قالت «النيوزويك» إن دعم الشعب الأمريكى للحق الفلسطينى ارتفع لمستويات لم تكن موجودة من قبل، وبالذات بين الأجيال الأصغر سنًا.. التى لم تعد تشترى بضاعة المسيحية الصهيونية ولديها موقف أكثر تحررًا من السياسات الدينية.. هناك إعادة سرد وتركيب للرواية الأمريكية عن فلسطين لتتحول من «يهود متحضرين يعيشون وسط عرب متوحشين» لسردية أخرى تشبه حركة النضال الفلسطينى بحركة تحرير السود والحقوق المدنية فى أمريكا فى الستينيات.. وهو ما يشعر أمريكيين كثيرين بضرورة الانحياز للحق الفلسطينى ضد عنصرية إسرائيل.. ما يجرى فى أمريكا يجرى مثله فى أوروبا وبالذات لدى الأجيال الأصغر.. هناك مظاهرات تضامن فى معظم دول أوروبا كما تنقل لنا شاشات الأخبار، وهناك فرصة يجب أن تغتنمها فصائل المقاومة أولًا، وكل أنصار فلسطين ثانيًا.. لا بد من التمسك بالوجه الإنسانى للقضية الفلسطينية، لأن هذا مفتاح الفوز.. المتضامنون فى العالم الغربى لا يفعلون ذلك، لأنهم يؤمنون بالشعار القائل «خيبر خيبر يا يهود.. جيش محمد سوف يعود»، ولا لأنهم يؤمنون بالآيات التى تتحدث عن حتمية زوال دولة إسرائيل، ولا باللعنة التاريخية التى تطاردهم وفق اعتقاد فصائل دينية كثيرة، ولا لأنهم يؤمنون بأن اليهود من «أحفاد القردة والخنازير» وفق بعض الروايات الدينية المضادة لإسرائيل.. المتضامنون فى أنحاء العالم يرون فى قضية فلسطين قضية تحرر ذات بُعد إنسانى يهم كل البشر.. وبالتالى فإن على كل الفصائل المقاومة ذات الطابع الدينى أن ترتقى لهذه الفكرة، وأن تستغل هذه الفرصة، وأن تعلى فى خطابها ما هو تحررى على ما هو دينى، وما هو إنسانى على ما يمكن تفسيره بأنه «عداء عنصرى»، وما هو حقوقى على ما يمكن تفسيره بأنه «خطاب كراهية»، وهذا لا يحدث إلا من خلال جبهة وطنية فلسطينية تضم وجوهًا جديدة شابة تبنى على ما تحقق على الأرض، وتأخذه إلى آفاق أكثر رحابة مستفيدة من الانتصارات التى تم تحقيقها، ومن حركة التعاطف العالمى فى الغرب، ومن مساندة دول مثل مصر والأردن.. لا يمنعها وجود اتفاقات سلام من التعاطف مع قضية فلسطين، بناءً على خبرات تاريخية مهولة وتاريخ متداخل وتضحيات واقعية على الأرض.. هناك فرصة يجب اغتنامها ليتم تحقيق مكسب يساوى تضحيات أهل غزة الكبيرة والكثيرة.. ألا هل بلغت.. اللهم فاشهد.