موسم الأكاذيب ضد مصر
هذه الأيام موسم لترديد الأكاذيب ضد مصر.. أمس الأول اتهم موقع صهيونى مصر بدعم حركة حماس بالسلاح.. وبعد ساعات أعادت «نيويورك تايمز» ترديد نفس الكلام بتوسع أكبر.. كثير جدًا من المصريين يسعدهم هذا ويعتبرونه وسامًا على صدر مصر.. ومن ناحيتى أعتبره ردًا كافيًا على لجان جماعة «الإخوان الصهيونيين» أو «الإخوان المسلمين» الذين لم يتوقفوا يومًا عن المزايدة على مصر والتشكيك فى وطنية الدولة المصرية، وهو ما يدفعنى إلى الجزم بأنهم يعملون لمصلحة إسرائيل ولو بشكل غير مباشر.. سبب تصاعد الهجوم على مصر هو موقفها الصلب فى رفض سيناريوهات إسرائيل بالكامل، بدءًا من تهجير أهالى غزة لسيناء، ومرورًا برفض احتلال إسرائيل للقطاع مرة أخرى، وحتى رفض وجود قوات تابعة للناتو فى القطاع، وهذه كلها طلبات أرسلتها إسرائيل عبر وسطاء أمريكيين وأوروبيين، وكان آخرهم وليام بيرنز، مدير المخابرات الأمريكية، والسبب هو أن القيادة المصرية لا تحترم أسلوب رئيس الوزراء الإسرائيلى المتطرف والعنصرى وبالتالى فلا اتصالات مباشرة بين مصر وإسرائيل على مستوى القيادات.. «نيويورك تايمز» ربطت بين الأنفاق بين مصر وغزة وبين مدينة الأنفاق التى بنتها حماس فى غزة، وقالت إنهما مرتبطتان، رغم أن مصر هدمت جميع الأنفاق فى رفح أثناء الحرب على الإرهاب بعد معلومات أكيدة بأنها تُستخدم فى إدخال السلاح والإرهابيين لسيناء، حتى إن مصر أغرقت الأنفاق تحت مياه البحر المتوسط من خلال قناة مائية تفصل بين جانبى مدينة رفح الفلسطينى والمصرى، ومع ذلك فإن الادعاءات الأمريكية والصهيونية بدعم مصر لحماس لا يجب التعامل معها باستخفاف أو تفسيرها بأنها مجرد رغبة فى إخفاء عجز إسرائيل، أو تبرير فشلها فى توقع هجمات ٧ أكتوبر.. سبب دعوتى للانتباه هو سوابق تاريخية تقول إن الأمريكيين لهم سوابق فى مجال تأليف الأكاذيب الواهية واتخاذ أفعال إجرامية بناءً عليها ثم العودة للاعتذار- بوقاحة نادرة- والاعتراف بأن المعلومات كانت غير دقيقة.. حدث هذا أثناء تخطيط أمريكا لضرب الجيش العراقى الذى كان يشكل خطرًا على إسرائيل.. ففى أعقاب هجمات ١١ سبتمبر، التى شنها تنظيم «القاعدة»، روّج الإعلام الأمريكى لوجود علاقة بين «القاعدة» وصدام حسين، ورغم أن «القاعدة» كانت له علاقات بدول عربية معادية للغاية لصدام حسين، لا بصدام حسين نفسه، ورغم أن العلاقة بين العراق و«القاعدة» كانت كذبة كبيرة، إلا أن الأمريكان يكذبون الكذبة ويصدقونها.. وقد أقنع الرئيس جورج دبليو بوش، وهو مجرم حرب، الغرب بضرب العراق بناءً على هذه الكذبة الأولى، ثم أطلق الأمريكيون الكذبة الثانية وهى امتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل، واتخذوها ذريعة لضرب العراق، واستخدموا بعض العملاء العرب لترويج الكذبة.. ثم اعترفوا بوقاحة نادرة بأنهم كانوا مخطئين، وأن العراق لم يكن يملك أسلحة دمار شامل.. لكن الاعتراف للأسف كان بعد تدمير العراق ونهب آثاره وقتل مليون عراقى وتشريد عدة ملايين.. فهل توجد وقاحة أكثر من هذا؟.. إن مصر ليست العراق، والجيش المصرى ليس الجيش العراقى، والزمن الآن غير ذلك الزمن الذى انفردت فيه أمريكا بالعالم لتدمره وتعيث فيه فسادًا.. ومصر تملك الرد المناسب على كل ما يهدد أمنها واستقرارها وسلامة شعبها.. لكن هذا لا يمنع أن نلفت أنظار المصريين لخطورة ما يجرى، ولضرورة الانتباه له، والوعى بما يبثه الأمريكان والصهاينة من مواد إعلامية عن مصر.. إن الأمريكان والصهاينة فى هذا الموضوع يمكن وصفهم بأنهم يكذبون ويعرفون أنهم يكذبون ويعرفون أننا نعرف أنهم يكذبون ومع ذلك يواصلون الكذب.. لأن هذا الكذب ليس سوى بداية الضغط على مصر لتقبل باقتراحات إسرائيل والغرب فى موضوع غزة.. فالصحف نشرت أمس الأول عن تهجير ٢٠٠ ألف غزاوى من شمال غزة لجنوبها.. ومن المنتظر فى حالة توغل إسرائيل فى جنوب غزة أن يواصل هؤلاء ومعهم سكان الجنوب الزحف جنوبًا ليصبحوا على حدود رفح المصرية ونيران إسرائيل من ورائهم، لتصبح مصر أمام اختيار صعب للغاية، إما إغلاق الحدود والتعامل بالعنف مع أهالى غزة، أو قبول تصفية القضية وتنفيذ رغبة إسرائيل وفتح الحدود، لكن الحقيقة أن مصر لديها سيناريو ثالث خاص بها سيُدهش الإسرائيليين للغاية ومعهم وسطاؤهم الأمريكان.. ومع هجوم المواقع الإسرائيلية والـ«نيويورك تايمز» سنجد أن وزير الزراعة الإسرائيلى يعود بالأمس لتوجيه التحية لاقتراح قدمه مخبولان من أعضاء الكنيست بطرد أهالى غزة إلى سيناء، وكأن إسرائيل تقول إنها لم تسمع بالرفض المصرى، وإنها ماضية فى مخططها، وإنها تستطيع تهديد من لا يتجاوب معها بترديد الأكاذيب حوله.. أسلوب ابتزاز وضيع ليس جديدًا على إسرائيل، ومن وراء إسرائيل.. لكن الله غالب على أمره، وسينصر مصر على أعدائها جميعًا بإذن الله.