كلمة مصر
يمكن القول إن كلمة الرئيس فى مؤتمر القمة العربية الإسلامية هى أقوى كلمة لرئيس مصرى عن قضية فلسطين منذ عشرات السنين، فضلًا عن أنها من أقوى الكلمات فى القمة إن لم تكن أقواها بالفعل.. فهى جامعة مانعة حادة مثل السيف ومباشرة مثل الرصاصة ومحددة وسريعة مثل برقية بعلم الوصول.. لقد قالت مصر فى كلمتها توصيفها لما يحدث، وقدمت نصيحتها حول كيفية معالجة آثاره، وختمت بتحذيرها مما يمكن أن يحدث لو لم تتم معالجة الآثار.. أما ما يحدث فهو من وجهة نظر مصر عدوان بربرى ينتمى إلى ممارسات العصور الوسطى حيث القتل الوحشى الذى لا يخضع لوازع من إنسانية أو قانون، وبالتالى فإنه على المجتمع الدولى أن يتدخل لإيقاف هذا القتل الوحشى إذا أراد أن يحافظ على الحد الأدنى من مصداقيته السياسية فى نظر شعوب العالم.. وبعد أن وصف الرئيس ممارسات إسرائيل بما يجب وصفها به.. وبعد أن حمّل المجتمع الدولى مسئوليته إزاءها.. انتقل ليصف بصدق مشاعر العرب والمصريين العاطفية: حيث يمر الوقت ثقيلًا علينا وعلى كل الشعوب ذات الضمائر الحرة، والتى يزيد من ألمها أنها تدرك كيف يطبق المجتمع الدولى المعايير المزدوجة، فيدين قتل المدنيين هنا ويطرب لقتل المدنيين هناك، فى حين أن مصر موقفها واضح من إدانة استهداف الأبرياء والمدنيين بشكل عام، ومع تأكيد مصر هذه الإدانة الواضحة فإنها ترفض على لسان رئيسها سياسات العقاب الجماعى والقتل والحصار والتهجير القسرى التى تقوم بها إسرائيل تجاه أهالى غزة.. وإزاء توصيف مصر لما يجرى ووصفه بالوحشية، وإزاء رفضها مجمل سياسات القتل والتهجير القسرى، فإنها تخاطب المجتمع الدولى باعتباره حكمًا بين الدول بعضها البعض وتطلب منه طلبات محددة، أولها الإيقاف الفورى والدائم لإطلاق النار فى غزة، وثانيها وقف سياسات التهجير القسرى التى تستهدف ترحيل أهل غزة تجاه حدود مصر رغمًا عنهم، وثالثها ضمان أمن المدنيين الأبرياء الذين يهدف القصف المستمر لهم لإجبارهم على الهجرة القسرية والنزوح الجماعى.. أما رابع مطالب مصر من المجتمع الدولى فهو ضمان التدفق الآمن والسريع والمستمر للمساعدات الإنسانية لأهل غزة، الذين يعانون منذ أكثر من شهر لأن إسرائيل كقوة احتلال تمنع دخول المساعدات وتستهدفها بالقصف، وعلى المجتمع الدولى أن يردعها عن ذلك.. أما خامس طلبات مصر من المجتمع الدولى فهو إقرار حل الصراع على أساس حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية على كامل حدود ٤ يونيو ١٩٦٧.. والمطلب السادس لمصر يقول إنه لا يمكن إغلاق الملف المؤلم دون إجراء تحقيق شامل فى جرائم الحرب التى وقعت فى غزة طوال الأيام الماضية.. وبعد المطالبات الست الواضحة للمجتمع الدولى تؤكد مصر للجميع أنها طالما حذرت من السياسات الأحادية لإسرائيل بخصوص الاستيطان وخلافه والتى أدت لانفجار الوضع، ثم تقول مصر رسالتها الأخيرة على لسان رئيسها وهى أن طول أمد الاعتداءات وعدم التوقف عنها والاستمرار فيها قد يؤدى لدخول أطراف أخرى فيها وهو ما قد يغير المعادلة ويقلبها رأسًا على عقب، ذلك أن العرب تصف نفاد الصبر بعدة تعبيرات أشهرها ذلك الذى يقول إنه «لم يعد فى قوس الصبر منزع»، أو كما تقول أم كلثوم «إنما للصبر حدود يا حبيبى»، ونحن نقول لإسرائيل: إنما للصبر حدود يا عدوى وعدو إخوتى.. للصبر حدود.