استدعاء ولى الأمر.. ومدرسة المشاغبين
انتبهت الدراما للكثير من الأمور الهامة في منظومة التعليم، من المناهج وأروقة الفصول إلى أحوال المعلم ومعاناته ومشاكله، التى يجب أن تعالج، وتراجع الأحوال المعيشية للمعلم، والتي هي أحد أهم أسباب فقد هيبة المعلم وتراجع مكانته، كرمز وقدوة من وجهة نظري. ومدى تأثير ذلك على مساحة الاحترام المتبادل بين الطالب والمعلم.
في الوقت الذي كانت للمعلم فيها هيبة وقيمة تتجاوز أسوار المدرسة إلى الشارع، كان المعلم يبذل قصاري جهدة لتحقيق التربية قبل التعليم. برع في عمله وأحبه، فنجحت رسالته، ونتج عن هذا التعليم وجود الطبيب الحكيم والمهندس المتميز والفنان القدير والأستاذ الخبير، إنه وقت كان المعلم فيه هو الشريك في تشكيل وتكوين ضمير تلاميذه بخلقه وعلمه.
في مجتمعنا هناك عدة أنواع مختلفة من التعليم "حكومي وخاص ودولي"، وهناك أيضًا التعليم الديني الذي يحتاج إلى وقفة وتقييم. ويظل المشترك بينها جميعًا هو وجود الطبقة المتوسطة في جميعها. الطبقة المتوسطة التي يتم على أكتافها بناء المجتمع؛ لكونها الطبقة الأكثر عددًا في تكوين المجتمع.
يردد الجميع شعار التعليم أولًا وثانيًا، التعليم قبل الطعام، فهو بند أساسي فى حياة المصريين. وهو ضمن الملامح اليومية للكلام عن العلاقة بين المنزل "ولي الأمر" والمدرسة "المعلم" بما فيها من انفصام وانقسام.
يوميات تقليدية لولى الأمر المغلوب على أمره:
استيقاظ الأم مع انطلاق أو ضوء من الشمس ينير الأرض.
الذهاب إلى المطبخ لإعداد الطعام لأطفالها قبل 60 دقيقة على الأقل من ذهابهم للمدرسة تجنبًا للتعرض للتأخير.
مرحلة الإفاقة التي تختلف من طفل لطفل حسب عمره وحلمه وشخصيته.
نوبة صحيان لشخصيات مختلفة داخل الغرفة الواحدة.
وبعد انتهاء تلك المرحلة، وذهاب الأطفال إلى المدرسة، تبدأ المرحلة الثانية بالتفكير في اختيار أصناف الغذاء لتحضيره؛ ليكون جاهزًا بالتزامن مع توقيت رجوعهم من المدرسة "علشان يأكلوه سخن". وبالتزامن أيضًا مع تنظيف المنزل وتوضيب الغرف وكل أشكال النظافة لملابسهم التي سيرتدونها لاحقًا.
تستقبل الأم أطفالها عند عودتهم، بعد يوم دراسي صعب، تنتظر قصصهم؛ لتعرف أحوالهم وتشاركهم أسرارهم وفرحتهم وأسفهم. ولا يخلو حوارها معهم من أسئلة غير مباشرة؛ لمعرفة مدى حضورهم وتفاعلهم مع مدرسيهم، وعلاقتهم بهم، ومن المفضل لديهم. ولا يخلو الحوار من مفاجآت غير سارة تتفاجأ بها الأم، مثل: رسالة من المدرسة باستدعاء ولي الأمر لعدم إحضار طفلها الكتاب المدرسي، ومنعه من دخول الامتحان الشهري، لحين حضور ولي الأمر.
تتذكر الأم أن طفلها قد نسى كتابه بعد معركة مذاكرة الأمس التي طالت لعدة ساعات. ولكن هل هذا مبرر كاف لتترك الأم عملها للذهاب للمدرسة؟ وهل نسيان الطفل كتابه، يستدعي طرده خارج الفصل أثناء الشرح، وضياع فهم الدرس عليه؟
المدهش، أنه يتم التعامل مع الطفل باعتباره مجرم حرب، ولا يُسمح بدخوله، وكأنه قد ارتكب ما لا يغتفر.
في الحقيقة، العقاب هنا ليس للطفل، ولكنه لولي أمره، الذي من المفترض أن يترك كل ما لديه من التزامات العمل أو المنزل للذهاب للمدرسة، وسماع محاضرة متكاملة عن أهمية إحضار الكتاب.
لا أبرر هنا مطلقًا فكرة نسيان الكتاب أو غيره، ولا أرفض تعليم الأطفال الالتزام. ولكن التربية أهم من التعليمات، والإنسانية أهم من العقاب المفرط لأطفال لا يعون حرفيًا كل ما سبق.
المدهش أكثر، أن المدرس نفسه الذي طرد الطفل من الفصل لعدم إحضاره الكتاب المدرسي، يعتمد في الشرح والواجب على الملازم "الشيتات"، التي تحولت إلى لغة التعامل بين المدرس والطالب من خلال مجموعات الـ WhatsApp على موبايل ولي الأمر. هل من الطبيعي ما يحدث؟
نقطه ومن أول الصبر..
نحتاج إلى ضمير أبلة حكمت.
التعليم استثمار للإنسان، وليس للمضاربة في البورصة بعقول ومستقبل أطفالنا.
التعليم أمانة، ولن يكون "مدرسة المشاغبين".