اللواء محمد طلبة: المفاجآت العسكرية التى تعرض لها العدو الإسرائيلى فى حرب أكتوبر ستظل كوابيس تطارده فى منامه حتى ينتهى ويموت
- قال إن حرب 67 كانت استدراجًا لـ«عبدالناصر».. والشعب المصرى كان سعيدًا باندلاعها لرغبته فى رد الاعتبار لفلسطين
- الطيران الإسرائيلى استخدم خلال تدميره مطار العريش قنابل زمنية كانت تنزل الأرض وتنفجر بعدها بمدة لإحداث تدمير هائل
- تحركنا سيرًا على الأقدام خلال انسحابنا فى 67 وكنا نسير داخل الجبل والعدو لم يكن يدخل خلفنا لأنه شديد الجبن
- اختبأنا فى منزل مواطن سيناوى اسمه أبوعادل ثم دلّنا على طريق العودة إلى القناة
قال اللواء محمد طلبة، أحد أبطال حرب أكتوبر، إن المفاجآت العسكرية التى تعرض لها العدو الإسرائيلى خلال حرب أكتوبر ١٩٣٧ ستظل كوابيس تطارده فى منامه حتى ينتهى أو يموت.
وخلال حواره مع الكاتب الصحفى الدكتور محمد الباز، عبر برنامج «الشاهد» على قناة «إكسترا نيوز»، روى «طلبة» الكثير من تفاصيل عمليات التدريب على ضرب الصواريخ، والبطولات التى تحققت فى حرب أكتوبر وتفاصيل أخرى عن المعارك.
ويُعد اللواء محمد عبدالمنعم طلبة، أحد أبطال سلاح المدفعية فى حرب أكتوبر، والتحق بالكلية الحربية عام ١٩٦٢، ثم التحق بمدرسة المدفعية، وبعد انتهاء الدراسة سافر إلى العريش يوم ١ يناير ١٩٦٥ حتى جاءت حرب ٦٧، ورغم الهزيمة فإنه ورفاقه قدموا بطولات كثيرة، منها تثبيت لواء ميكانيكى إسرائيلى يوم ٥ يونيو، وبعد ذلك اليوم تم إنشاء سلاح المدفعية على أسس جديدة.
■ خُضت حرب ١٩٦٧.. هل كانت حربًا قاسية؟
- كانت حرب ٦٧ قاسية، ولكن الله كان يعدّنى لها منذ عام ٥٦، حيث شاركت فى فريق الكشافة وكنت أقود «عجلة» لتوزيع بعض الأكياس على نقاط الدفاع المدنى، وكانت هذه هى البداية، وانضممت لمدرسة التوفيقية الثانوية وتخرجت فيها والتحقت بالكلية الحربية، وظللت بها عامًا ونصف العام.
والحرب تحصد أجيالًا، وتأخذ أفضل ما فينا وأفضل قادة، وأنا تخرجت فى الكلية فى ٢٩ فبراير عام ٦٤، وفى السنة الأولى كنا فى وحدة مدفعية فى القاهرة، وفى شهر ديسمبر تم نقلى للعريش فى الكيلو ٣٨، قرب الشيخ زويد، وانضممت للواء ١١ مشاة، والرائد محمود حسن، قائد الكتيبة، كان له فضل كبير علىّ.
وكنا نتدرب بشكل جيد قبل حرب ٦٧، ولكننا كنا نحتاج لشخص يقودنا علميًا، وكنا ندين للروس لأنهم علمونا جيدًا، وكنا نقترب من حرب ٦٧ خاصة بعدما استدرج الإسرائيليون الرئيس الراحل جمال عبدالناصر.
وفى عام ٦٧ تحرشت إسرائيل بالأردن وبعدها انقلب الأمر لإطلاق نيران، ومات بسبب ذلك ٧٠ شخصًا، كما تحرشت بسوريا، وقالت إنهم يحرضون الفلسطينيين على أن يأخذوا أرضًا بجانب نهر الأردن، وتم ضرب ٦ طائرات سورية.
وفى مايو ٦٧، أرسل رئيس أركان حرب الجيش السورى برقية للفريق محمد فوزى، القائد بالجيش المصرى، وقال له: «إسرائيل جمعت ١٥ لواءً واستدعت الاحتياطى، ونتوقع أنه فى ٢٢ و٢٥ مايو ستضربنا»، ووقتها ذهب الفريق محمد فوزى لسوريا، وعاد وقال إنه لا يوجد شىء عسكرى، بل توجد مظاهرة سياسية نفذتها سوريا ضد إسرائيل.
ولم يأخذ «عبدالناصر» الكلام بجدية، وقال يجب أن نتدرب، لأن الأردن عندما ضُربت مصر وسوريا لم تتدخلا، وعندما ضُربت سوريا أصبح شكل مصر غير جيد، لأنه توجد اتفاقية دفاع مشترك بينهما.
وكانت الناس سعيدة بالحرب قبل ٦٧ والجميع كان يجهز لها، لأن أى شىء ضد إسرائيل كان رد اعتبار لفلسطين.
الجميع كان لديه إحساس بأنه يكفى على فلسطين ما عانته، وأنه لا بد أن تعود، وبدأ الحشد، والجميع احتل موقعه.
وبدأت إسرائيل قبل الحرب بيومين فى تنفيذ خطة خداع للإعلام الغربى بأن مصر ستضربها وأنه توجد اشتباكات على الحدود، ولم يكن يوجد شىء، واعترفت بعدها بأنها أخبار كاذبة، وهذا الأمر رده لهم الرئيس السادات فيما بعد.
وفى تمام الساعة التاسعة صباحًا يوم ٥ يونيو، مرت فوقنا أربع طائرات إسرائيلية، ووقتها قائد المشاة قال لنا: لماذا لم تضربوهم؟، ولكننا أكدنا له أنه لا يوجد لدينا أوامر بالضرب ولم نعرف أن الحرب بدأت إلا من خلال الراديو، والمذيع أحمد سعيد كان يقول فى الراديو كلامًا مخيفًا الأمر الذى جعلنى أطلب من الجنود أن يغلقوه.
وأُسقطت طائرتان للعدو فى مطار العريش بعد أن ضُربتا، وسقطت الأخريان فى حقل للألغام وانفجرتا.
وتعاملنا مع القوات الإسرائيلية فى ٦٧، وانضم لنا اللواء ١١ ميكانيكى، وكانت المدفعية تقف أمامنا، وبدأ القتال من الساعة ١١ حتى الساعة الخامسة والنصف.
المدفعية كانت لا تستطيع التحرك، لدرجة أنها أثناء الضرب دخلت حقل ألغام وأصيب ٦ أو ٧ دبابات وتعطلت، وبعدها عادت المدفعية للخلف.
وأعطى اللواء عثمان نصار، قائد منطقة العريش، تعليمات بالانسحاب الساعة الواحدة، وكانت المدفعية خلفهم، فأخبرناهم بأن بعض الإسرائيليين دخلوا، فبدأت المدفعية باصطيادهم بسهولة، ولم يكن توجد لدينا قوات جوية.
الطيران الإسرائيلى كان قد استخدم خلال تدميره مطار العريش قنابل زمنية، كانت تنزل الأرض ولا تنفجر إلا بعد نزولها على الأرض بفترة، وبعد انفجارها تحدث تدميرًا فى ممرات الطائرات.
وكانت هذه خطة مدبرة واستدراجًا لـ«عبدالناصر»، وهو كان زعيمًا وأحيانًا تأتيه لحظات لا يقبل فيها التهديد مثل الرئيس العراقى صدام حسين.
وبعد انسحابنا فى ٦٧ تحركنا سيرًا وكنا نسير داخل الجبل، لأن الإسرائيليين لديهم جُبن فظيع ولا يصعدون الجبال لأنهم يحبون الحياة، أما نحن فنحب الموت لأن به الحياة.
أحد الأشخاص، ويدعى أبوعادل، استضافنا فى منزله وكان عددنا ١٣ جنديًا، وكان منزله يتكون من غرفتين فجلسنا فى غرفة واحدة، وخلال الليل غادرنا المنزل واشترينا بعض المستلزمات وأثناء عودتنا وجدنا أن هناك أوامر بنسف تحويلة العريش لأن العدو كان قادمًا نحونا.
بعدها عدنا لمنزل أبوعادل، وأخبرناه بأننا نريد المغادرة، وأرسل معنا «دليل طريق» حتى وصلنا لبئر مياه أطلقنا عليها اسم «أبوعادل» ومنها أخذنا طريقنا لمصر.
واستمعت لحاخام فى أحد التسجيلات كان ثائرًا على إسرائيل وقال: «لسنا بتوع دولة، ربنا كتب علينا الشتات والموجودين هم صهيانة».
وخلال رحلة العودة لمصر قابلنا قوات الاحتلال ٧ مرات، وكان «عبدالناصر» قد تنحى يوم ٩ يونيو، والناس جميعها نزلت للشوارع، وكان الاتحاد الاشتراكى لا يستطيع أن يجمع كل هؤلاء الناس.
أى شخص كانت تراه قوات الاحتلال كانت تطلق النار عليه، وبعد وقف إطلاق النار كنا نرفع أيدينا عند مرور أى دورية إسرائيلية، وأثناء سيرنا وجدنا لواءً ميكانيكيًا، والمرة الثانية كنا قد تعبنا وارتحنا فى بيت مهدوم، فمرت سيارة للعدو، ولم يعجب الجندى أننا لم نرفع أيدينا لهم ورفع السلاح علينا، فرفعنا أيدينا له، ونفس الأمر فعلناه مع الدورية الثالثة، وكانت بها مجندتان و٣ جنود.
وكانت المجموعة تتوقف عن السير فى تمام الرابعة وتواصل ليلًا، وعندها وجدنا سيارتين لقوات الاحتلال، وكانوا لا يتحدثون العربية إلا واحدًا، طلب منى ومن جندى آخر التقدم إليه، وطلب منا الصعود للسيارة وأخذنا معه، وكنت أجلس وقتها على تابلوه السيارة من الأمام، وأنظر فى عينيه، وأخذنا معه لمدة ساعتين للاستطلاع، وكان يطلب منا النزول للمواقع واستكشافها، ومنها مخازن للوقود ومخزن مهندسين، وقاعدة صواريخ القاهر والظافر، وكنت أعود وأخبره بأنها فارغة.
وأخفيت عنه سلاحى أو أننى أحارب، وأكدت له أنه يتبقى لى سنة وأغادر الجيش، ووقتها قال لى الجندى الإسرائيلى: «ناصر يريد الحرب ونحن لا نريد الحرب، وناصر يقول هنرميكم فى البحر»، وعندما اقتربنا من طريق البيوت كان الرصيف عليه بعض الرمال، فطلب منا حفره قبل أن يسير بسيارته عليه، وعند الكيلو ٥٠ قال: انزلا يتبقى ٥٠ كيلو على قناة السويس.. وكنت قد دخلت فى الأسلاك الشائكة بشكل غبى، فقال لى الجندى الإسرائيلى: إنك لا بد أن تعود للجيش المصرى.
■ كنت شاهدًا على هزيمة ١٩٦٧ التى ولّدت تحديًا كبيرًا جدًا وأننا سنخوض معركة استنزاف وصولًا إلى عام ١٩٧٣م.. فى حرب الاستنزاف، ما أهم ما رأيته وشهدته؟
- لقد عدنا لوحداتنا، وفى آخر ١٩٦٧، أعيد تشكيل اللواء الخاص بنا بمدافع ١٣٠ مللى، حيث أعطتنا روسيا مدفعًا قويًا مداه ٢٧.٥ كيلو، وكان أقصى مدفع وقتها فى إسرائيل ١٨ كيلو، ومن تولى قيادة اللواء هو المشير محمد عبدالحليم أبوغزالة، وكان عقيدًا فى ذلك التوقيت.
كان المشير محمد عبدالحليم أبوغزالة واللواء منير شاش مكلفين، ومعهما قادة من المدفعية، بأن يتولوا قيادة الألوية التى عادت، لإعادة تأهيلها وإرسالها إلى الجبهة.
وكان الناس يصفون حربى الاستنزاف و١٩٧٣ بالانتقام، لكن مصر لا تنتقم، و«أنا عمرى ما شعرت بالانتقام»، لكنه كان حقنا وأعدناه، وبالتالى فقد تم تشكيلنا وتأهيلنا وتدريبنا.
وفى أول ١٩٦٨ طلعنا على السويس، وكان العدو الإسرائيلى قد شعر بأن هناك مدفعية غريبة قد دخلت، وبعدما كان يضرب كل يوم توقف عن الضرب، وكان يمتلك سلاح استطلاع لكنه لم يعرف أين نحن ولا ماهيتنا.
وفى يوليو عام ١٩٦٨، أثناء وجودى فى الموقع، قالوا إن هناك زيارة مهمة قادمة لنا، وكانت سيارة جيب قد دخلت إلى الموقع، وكان فى الأمام الفريق عبدالمنعم رياض، رحمه الله، ومن خلفه جهة اليسار كان الفريق محمد فوزى، وزير الحربية، وقد تم فتح باب السيارة لنجد الرئيس جمال عبدالناصر جاء ليرى المدفع الجديد، وسلّم علينا وقال: «الأولاد فين؟»، ثم مشينا، فعرض عليه الفريق محمد فوزى أن يركب السيارة، لكن الرئيس جمال عبدالناصر قال له إننا سوف نتمشى، وذهب وجلس مع العساكر، وأكد لهم أننا سوف نستعيد الأرض.
وفى أغسطس، حدثت زيارة مهمة أيضًا من الرئيس أنور السادات، وقد كان وقتها رئيس مجلس الأمة وجاء مع وفد من مجلس الأمة، وقد جاء أيضًا ليرى المدفع.
وفى ٨ سبتمبر ١٩٦٨ جاءت إلينا تعليمات من مدير المدفعية، اللواء عبدالتواب هديب، بأننا سنضرب قصفة مركزة على جميع أهداف العدو، وقد استمرت ثلاث ساعات من ٤:٢٠ إلى ٧:٢٠ «والعدو اتبهدل خلال هذا الضرب»، ورد علينا بضرب المدنيين وضرب الزيتية، وكان بها ٦٠ طن بترول خسرناها لأنها اشتعلت، ولذلك تم تهجير السكان فى ذلك الوقت.
فى ٨ مارس ١٩٦٩ جاءتنا نفس التعليمات بالضرب لكن لمدة ٥ ساعات، لكن عندما تم تقييم هذه القصفة لم تكن مثل القصفة الأولى، ومن ثم بدأوا تقنين الذخيرة، وكانت ٢٠٠ طلقة مخصصة للكتيبة فى الشهر، وكانت الكتيبة مكونة من ١٨ مدفعًا، أى أن اليوم بـ٧ طلقات، وهاتان القصفتان الخاصتان بسلاح المدفعية فى حرب الاستنزاف أعتز بهما كثيرًا.
■ ما تفاصيل مشاركتك فى نصر أكتوبر؟
- كنت قد دخلت امتحانًا فى مسابقة أواخر ١٩٦٩م ونجحت، وكنت سأسافر لروسيا لنأتى بالصواريخ «الأرض أرض»، وهناك فرق كبير جدًا بين الصواريخ «الأرض أرض» وبين القوات الجوية.
والقوات الجوية من الممكن أن تطير وتضرب أهدافًا، ولا تستطيع العودة بسبب المدى، والبنزين والوقود لا يكفى، لكن ما يعوض عن ذلك هو الصاروخ، لأن الصاروخ يحقق الهدف وأنت فى مكانك، وبالتالى نجحت ومن ثم انتقلت فى ١ يناير ١٩٧٠م للواء صواريخ تكتيكى تعبوى مداه فى حدود الـ٧٠ كيلو، وقد كان قائد اللواء هو المشير أبوغزالة، وقد تم تدريبنا، كما أن المشير أبوغزالة كان يتحدث الروسية بطلاقة، وقد استغرقنا ٦ أشهر فى التدريب.
وكان الفرق بيننا والعدو الإسرائيلى أنه كان يضرب أهدافًا مدنية، لكن نحن لم نضرب مدنيين أبدًا، العدو الإسرائيلى ضرب مصنع أبوزعبل وقتل ٧٠ من العمال، كما ضرب مدرسة بحر البقر وقتل ٣٠ طفلًا، كما ضرب الجسور فى قنا وقويسنا والقناطر، وفى ذلك الوقت تدربنا على الصاروخ وأصبحنا جيدين جدًا، وفى وقتها تكلم «السادات» وقال: «العين بالعين والسن بالسن والعمق بالعمق»، واطمأن على أننا جاهزون.
فى آخر شهر يونيو عام ١٩٧٢ انتقلت إلى لواء استراتيجى أكبر ومدى أعلى، وكان هذا اللواء يصل إلى كل شىء، وبالتالى قد تدربت وكان سهلًا بالنسبة إلىّ أن أتعلم لأننى كنت مسئولًا عن حساب البيانات للصاروخ، وبالتالى لم تكن هناك مشكلة فى تعليمى، وقد تعلمت سريعًا.
وكنا فى أول أكتوبر جاهزين، وكان معنا ٤٠ مهندسًا ضمن تشكيل اللواء، وقد تحرك لواء الصواريخ على الفرق، وكان لدينا تدريب لمدة شهر كل عام يسمى التدريب على مهام العمليات، وفى ٥ أكتوبر أخذ اللواء الأمر بأن يجهّز نفسه، وبالتالى كان قائد لواء الصواريخ على علم بموعد الحرب منذ يوم ٥ أكتوبر، وقد أخذ خمسة من لواءات الصواريخ تعليمات بأنه فى يوم ٦ أكتوبر الساعة ٢:٣٠ ظهرًا سيكونون فى مواقعهم، وفعلًا الساعة ٢:٣٠ ظهرًا كان الجميع فى مواقعه فى الجيش.
وكانت أول ضربة صاروخية تمت فى تمام الساعة ٢:٤٠ ظهرًا، بعد الموجة الأولى من العبور وضربة الطائرات والمدفعية.
وعندما بدأنا العبور فى ٦ أكتوبر، كنت أمسك التليفون أو اللاسلكى فلا أسمع شيئًا، حيث كان يوجد تشويش غير طبيعى على التليفون واللاسلكى، وأصبحنا لا نعرف شيئًا، لكن القوات الجوية ضربت أم خصيب، وكان يوجد بها مركز إعاقة وشوشرة، لكن نفس الشوشرة ظلت موجودة لدينا وكانت الصواريخ جاهزة حيث خرجت ٦ صواريخ الساعة ٢:٤٠، وفى ١٠ أو ١٥ ثانية تصل إلى الأهداف وبعدها أصبح الصوت عاديًا لدينا ولا توجد أى شوشرة، حيث تم تدمير مراكز تشويش العدو، والضربة الثانية كانت لمطار شعير وأمامه تجمع «مساوى دبابات» وخلفه بثلاثة كيلو مطار شعير، وكان يتم ضرب «مساوى الدبابات» من خلال آخر مدى موجود، باستخدام ٦ صواريخ، لكن بقدرة الله، ولأن الله هو المقدر، سقطت ٣ صواريخ على «مساوى الدبابات»، والثلاثة صواريخ الأخرى أكملت ٣ كيلو لضرب مطار شعير، مع أنه بكل الحسابات يجب ألا تتخطى الثلاثة صواريخ «مساوى الدبابات» لأنها مضروبة على آخر مدى، لتسقط الصواريخ فى وسط ٦ فانتوم كانت تدير مواتيرها حتى تهاجمنا، لكن تم تدميرها فى مطار شعير، وتوالت القصفات وراء بعضها، وبالتالى فإن المفاجآت التى تمت فى حرب ١٩٧٣ ستظل كوابيس يحلم بها العدو وسيستمر فى تذكرها حتى ينتهى ويموت.
وفى يوم ٢٢ أكتوبر، عندما صدرت الأوامر بوقف إطلاق النار الساعة ٧، ضربنا الساعة ٧ إلا ٨ دقائق، أى قبل تنفيذ قرار وقف إطلاق النار بـ٨ دقائق، وبالتالى نحن لم نُخل باتفاق وقف إطلاق النار.
وكنا سنضرب مطار العريش بثلاثة صواريخ، لكن الرئيس السادات عندما علم بذلك رفض، لأن مطار العريش به جسر جوى أمريكى، وإذا مات عسكرى واحد أمريكى سنجد أمريكا أمامنا فى الحرب، وطلب منا تغيير الهدف، وبالفعل غيّرنا الهدف ليصبح على الثغرة، حيث جاءت إلينا معلومات من الاستطلاع بأنه توجد ٣ كتائب ميكانيكى تعبر الثغرة، وضربناها بثلاثة صواريخ، والمعلومات التى جاءتنا وقتها من الاستطلاع تمثلت فى أن كتائب العدو تبعثرت، فالحمد لله كانت ضربة ناجحة فى توقيت ناجح.
■ كيف ترى تضحيات الشعب المصرى والقوات المسلحة فى الحرب؟
- هذه التضحيات لا تعتبر شيئًا فى مقابل هذا البلد، «اللى أحسن من الشعب هو البلد والأرض»، ولذلك دائمًا أقول للشباب الذين أقابلهم إذا مشيت فى سيناء أو فى أرض مصر ستجد أن كل رملة عليها دماء، منذ ١٩٤٨، وبالتالى فإن الأساس هو الأرض واسمها «مصر»، الأصل والمحرك والدافع الأساسى هى الأرض التى حركت كل هذه المعركة.
■ ما بين مشهد الهزيمة فى 1967 ومشهد الانتصار فى أكتوبر 1973م، كان الجندى هو نفس الجندى والضابط هو نفس الضابط.. أين يكمن سر النصر إذن؟
- السر كان فى اللجوء إلى الله، سبحانه وتعالى، عندما كنا ندخل إلى الصلاة فى الجوامع كنا نجد كل الناس تقول «يا رب»، السر الثانى كان فى التخطيط الصحيح، بالإضافة إلى الأسلحة التى جاءت إلينا من روسيا، لا بد أن نعترف بأن الروس لهم فضل علينا فى إمدادنا بالأسلحة، وكان فضل الروس علينا سياسيًا أيضًا، وليس من الناحية الفنية العسكرية فقط.