مخطط تهجير الفلسطينيين إلى سيناء بدأ عام 1951.. حقائق تاريخية غائبة عن العالم العربي والغربي ودور مصر الإقليمي
يعتبر مخطط التهجير القسري للفسلطينيين من غزة إلى سيناء كمخطط إسرائيلى بدعم غربى على قمته أمريكا الذى رفضته القيادة المصرية، قد يظنه الكثير مخطط جديد، والبعض الأخر يرجعه لبضع سنوات دون توثيق، ولا شك إن التاريخ يمثل قراءة للحاضر واستقراء للمستقبل على ضوء تجارب الماضى، وفى سبيل تنوير العقل العربى أجرى القاضى الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة المعروف بأبحاثه الوطنية والقومية دراسة مهمة بعنوان: "مخطط تهجير الفلسطينيين إلى صحراء سيناءبدء منذ عام 1951 -- حقائق تاريخية غائبة عن العالم العربى والغربى ودور مصر الإقليمى" ونعرض لها فيما يلى فى 8 نقاط.
أولًا: بداية الحكاية في ديسمبر 1949، بعد أن طردت الميليشيات الصهيونية ثلاثة أرباع مليون فلسطيني من منازلهم إلى الضفة الغربية وغزة والدول العربية المجاورة، ماذا فعلت الأونروا فى مخيمات الشتات؟
يقول الدكتور محمد خفاجى تحكى لنا كتب التاريخ المنصفة - التى كشفت عن بعض مراجعها كل من مجلة نيو لاينز ومركز كيفوركيان لدراسات الشرق الأدنى بجامعة نيويورك– أنه في ديسمبر 1949، بعد أن قامت الميليشيات الصهيونية بطرد ثلاثة أرباع مليون فلسطيني من منازلهم إلى الضفة الغربية وغزة والدول العربية المجاورة، أنشأت الجمعية العامة للأمم المتحدة وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين (الأونروا( وتم تكليف الوكالة بتقديم الإغاثة الإنسانية والخدمات الاجتماعية للاجئين الفلسطينيين في "مخيمات الشتات"خارج فلسطين حتى يتم التوصل إلى حل سياسي يسمح للفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم أو الحصول على تعويضات. إلا أن الأونروا قامت بوضع برنامج عمل لتوظيف اللاجئين وإعادة إدماجهم في الاقتصادات المحلية خارج المخيمات في الأردن ولبنان وسوريا.
ثانيًا: فى منتصف عام 1951 قام جونبلاندفورد الأمريكى مدير الأونروا بدعم أمريكى بمشروع تهجير الفلسطنيين بسيناء بحجة تنميتها والفلسطينيون رفضوا اعتزازًا بأرضهم
ويضيف فى منتصف عام 1951 قام جون بلاندفورد الأمريكى مدير الأونروا بدعم أمريكى بمشروع تهجير الفلسطينيين بسيناء بحجة تنميتها وإطلاق نهضة اقتصادية عربية أوسع بما يتماشى مع المصالح الإستراتيجية الأمريكية وكان برنامج الأونروا فى ذلك الوقت تم تصميمه للقضاء على قضية اللاجئين الفلسطينيين باعتبارها مشكلة سياسية لها بُعد اقتصادى، وبحجة إن هذا من شأنه أن يوفر طريقا مختصرا لحل قضية اللاجئين الشائكة دون الجهد الدبلوماسي الذى لم يفلح فى تحقيق تسوية عربية إسرائيلية بسبب رغبة اللاجئين فى العودة إلى وطنهم. إلا أن هذا النهج عارضة الفلسطينيون اللاجئون بسبب موقفهم الشخصي من العودة إلى ديارهم وأراضيهم، وحقهم السياسي فى تقرير مصيرهم
ثالثًا: في يوليو 1955 القيادة المصرية انتهت إلى أن مشروع التهجير لسيناء سيمحو الهوية السياسية الفلسطينية وتحقيقا للسيادة المصرية
ويذكر الدكتور محمد خفاجى أنه فى العهد الملكى عام 1951، عملت الأونروا بمساعدة من الولايات المتحدة الأمريكية كما ذكرنا على طرح فكرة تهجير سكان غزة إلى صحراء سيناء وكانت حجة أمريكا هى نهضة اقتصادية عربية أوسع بما يتماشى مع المصالح الإستراتيجية الأمريكية، ودعمت الجمعية العامة هذه الجهود من خلال "صندوق إعادة الإدماج" الذي تبلغ قيمته 200 مليون دولار، والذي تدعمه في المقام الأول مساهمات الولايات المتحدة، إلا أنه بعد ثورة الضباط الأحرار فى 23 يوليو 1952 اتخذت خطط تنمية سيناء منعطفًا أخر ،رغم انشغال الضباط الأحرار بالقضايا المباشرة المتعلقة بالحكم مثل طرد البريطانيين من مصر خاصة من منطقة قناة السويس ومكافحة الفقر والمرض المنتشر، واستغلت أمريكا اللحظات الثورية بتأثير من إسرائيل لمخططها من خلال الأونروا بحجة تنمية سيناء الممولة بمساعدات خارجية، وخصصت الحكومة الأمريكية عشرات الملايين من الدولارات لدعم الفكرة الشيطانية.
وظلت الضغوط من خلال الغارات العسكرية الإسرائيلية المستمرة على مخيمات اللاجئين في غزة طوال أوائل الخمسينيات ، وفي ذات الوقت تم التأكيد على الولاية القضائية النهائية لمصر على مشروع التهجير بحجة التنمية الاقتصادية فسيصبح اللاجئون خاضعين للقوانين واللوائح المصرية، والسيادة المصرية.وفي يوليو 1955، شكلت القيادة المصرية فريق لمسح سيناء الذى أودع تقريره النهائي،بأن مشروع سيناء سيؤدي إلى محو الهوية السياسية الفلسطينية وهو ما انتهت إليه القيادة المصرية تحقيقا للسيادة المصرية من ناحية وتأكيدا على القضية الفلسطينية من ناحية أخرى.
رابعًا: انتفاضة مارس عام 1955 في غزة أجبرت أمريكا ومسؤولي الأمم المتحدة عن التخلي عن مشروع تهجير الفلسطينيين بسيناء والاعتراف لهم بالهوية السياسية :
ويشير أن الأمم المتحدة قامت في بدايات الخمسينيات من القرن الماضي، بوضع مخطط لتهجير عشرات الآلاف من الفلسطينيين من غزة إلى سيناء، وكان ذلك بهدف إلغاء حق الفلسطينيين في العودة إلى وطنهم ، وقد ترتب على ذلك إصرار الفلسطينيين على التمسك بأرضهم، خاصة وقد ظهرت حالات التعبئة الجماهيرية الفلسطينية والمقاومة المنظمة بعد عام 1948، ولكن الفلسطينيين فى غزة اتحدوا مع بعضهم البعض من خلال انتفاضة مارس عام 1955 في غزة.
وأن انتفاضة الفلسطينيين فى غزة مارس عام 1955 أجبرت أمريكا ومسؤولي الأمم المتحدة عن التخلي عن مشروع تهجير الفلسطينيين بسيناء والاعتراف لهمبالهوية السياسية ، وكان المطلبان الأساسيان لانتفاضة مارس،إلغاء مشروع سيناء، وتسليح وتجنيد اللاجئين الفلسطينيين في غزة للدفاع ضد العدوان العسكري الإسرائيلي.
ولعبت مصر دورًا محوريًا فى القضية الفلسطينية أظهره كلام عبد الناصر وليس الحكومة، ففي أغسطس 1955 أوقفت الحكومة المصرية مشروع سيناء وكان التبرير المعلن تقنيًا بحتًا بركيزة أن مصر لم تكن قادرة على الحفاظ على المياه لاستخداماتها الخاصة، ولم تتمكن الحكومة من تحويل المياه إلى سيناء، لكن وفقًا لأوراق هنري لابويس مدير الأونروا من عام 1954 حتى عام 1958 قال أن تصريحات جمال عبد الناصر الخاصة كانت على خلاف ذلك حيث اعترف ناصر بأنه يعتقد أن اللاجئين الفلسطينيين أصبحوا "قوة مؤثرة وسوف يقررون مستقبلهم من أجل القضية الفلسطينية وأن أي تسوية سياسية شاملة ستكون مستحيلة دون معالجة مطالبهم الأساسية فى وطنهم فلسطين "
خامسًا: الرؤية المصرية عام 1955 توافقت مع رفض الفلسطينيين أنفسهم لفكرة التوطين بسيناء وكان رفضهم بمثابة شهادة على قوة وعيهم السياسى
ويذكر الدكتور محمد خفاجى توافقت الرؤية المصرية مع رفض الفلسطينيين أنفسهم لفكرة التوطين بسيناء وكان رفضهم بمثابة شهادة على قوة وعيهم السياسى، حيث أدرك الفلسطينيون في مختلف أنحاء الشتات التهديد الذي فرضته خطة التهجير على حقهم في العودة، واعترض الفلسطينيون على تهجيرهم لسيناء كوجهة لإعادة توطين اللاجئين، وقالوا إن المشروع يقضي على قضيتهم السياسية.
وطوال أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، أدرك الفلسطينيون الصلة الوثيقة بين خطط إعادة توطينهم وتهجيرهم بسيناء التي تقدمها الأونروا من خلال دعم أمريكا وبين الغارات العسكرية الإسرائيلية المتكررة على غزة فى ذلك الوقت، وهي استراتيجية سياسية متعمدة للضغط على مصر لنقل الفلسطينيين خارج غزة إلى سيناء، وفي مواجهة هذين الخطرين المتوازيين الطرد والتهجير القسرى أو العدوان على أهل غزة، دعا العديد من الفلسطينيين إلى مقاومة منسقة باعتبارها الرد الفعال الوحيد.
سادسًا: المخاطر كانت تحيط بمصر والعرب وعبد الناصر كان ضد النفوذ الغربي في الشرق الأوسط ودعا إلى التوحدات العربية
ويضيف الدكتور خفاجي: المخاطر كانت تحيط بمصر والعرب وعبد الناصر كان ضد النفوذ الغربي في الشرق الأوسط من خلال السياسة الإقليمية والعالمية، فعلى سبيل المثال فى فبراير 1955 تم التوقيع على حلف بغداد، وهو تحالف عسكري بين تركيا والعراق الهاشمية، وقد انضمت إليه لاحقًا المملكة المتحدة وإيران وباكستان، وقام جمال عبد الناصر بمعارضة تلك الاتفاقية لسببين الأول أنها قدمت رؤية بديلة لمصر كمركز للقوة السياسية والعسكرية العربية، والثانى أن التحالف العسكري أثناء الحرب الباردة، بقيادة القوة الاستعمارية السابقة لمصر، لا يمكن أن يتوافق مطلقًا مع التحالفات العربية الإقليمية، وقد كشفت غارة 28 فبراير على أن جمال عبد الناصر قد تبني سياسة خارجية جديدة تعارض المصالحة العربية الإسرائيلية من ناحية وأي مظهر قوي للنفوذ الغربي في الشرق الأوسط من ناحية أخرى.
سابعًا: لابويس مدير الأونروا اللاحق اعترف بخطأ التعامل مع الفلسطينيين اللاجئين فلن ينسون ماضيهم ولن يقبلوا استيعابهم في العالم العربي:
ويؤكد الدكتور خفاجى بحلول نهاية عام 1955، أجبرت المقاومة الفلسطينية المستمرة التخلي عن التهجير لسيناء وفي عهد لابويس مدير الأونروا اللاحق اعترف بخطأ التعامل مع الفلسطينيين اللاجئين فلن ينسون ماضيهم ولن يقبلوا استيعابهم في العالم العربي، وبدلت الوكالة مسارها بخلاف وجهة النظر الأمريكية والإسرائيلية فالحل السياسي وحده هو الذي يمكنه معالجة محنة اللاجئين الفلسطينيين، وقد اعترف لابويس بأنه كان من الخطأ الاعتقاد بأن اللاجئين سوف ينسون ماضيهم فهم لا يقبلون استيعابهم في العالم العربي، وذكر أن مثل هذا الاعتقاد يتجاهل حقيقة أساسية: "لقد كانت الأمة الفلسطينية هي التي اقتلعت" وكان هذا بمثابة تحول أيديولوجي مهم للغاية بالنسبة للأونروا، حيث أقنع اللاجئون قادة الوكالة بالاعتراف بهم كفلسطينيين.
ثامنًا: التاريخ يعيد نفسه ومازالت أمريكا تستغل برنامج المساعدات كما كانت منذ 70 عامًا رغم ظهور قوى جديدة:
يقول الدكتور محمد خفاجى بنظرة فاحصة على فشل مشروع تهجير الفلسطينيين إلى سيناء الذى كان معروضا فى بداية خمسينات القرن الماضى فإنه يدل دلالة قاطعة على التاريخ يعيد نفسه ومازالت أمريكا تستغل برنامج المساعدات كما كانت منذ 70 عامًا ! فعلى الرغم من آلاف الصفحات من تقارير المسح وملايين الدولارات من التمويل المخصص للأمم المتحدة بمساعدات أمريكية، بحلول نهاية الخمسينيات، كان مشروع سيناء مجرد واحد من المشاريع التي تدل على الفشل الدولي تجاه فلسطين، وهو ما يجعلنا نفكر فى الحاضر إذ يظل التاريخ أكثر أهمية من أي وقت مضى، وكان فشل المشروع دلالة لنوع معين من التفكير الذي ساد برامج المساعدات الأمريكية والأمم المتحدة في أوائل حقبة ما بعد الحرب العالمية بحجة الدوافع الاقتصادية كوسيلة لتجاوز المفاوضات السياسية والقضاء على القضية الفلسطينية.
ويختتم ليس من الذكاء السياسي الدولي السير على هذا النهج في صنع السياسات في الشرق الأوسط كما كان منذ 70 عاما مضت تبدلت فيها أحوال الدول وظهرت قوى دولية جديدة عسكرية واقتصادية تقلب موازين القوى وفى خضم المتغيرات الكبرى تمسك الفلسطينيون أكثر بوطنهم ومصر داعمة لحقهم فى تقرير مصيرهم طوال عقد من الزمان.