مصر.. يدٌ تُعمِّر ويدٌ تصنع السلام
فى حفل إفطار الأسرة المصرية، فى أبريل من العام الماضى، أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسى، عن إطلاق المبادرة الوطنية لتطوير الصناعة المصرية «ابدأ»، كمبادرة لدعم وتوطين الصناعات الوطنية.. وفى كلمته آنذاك، وجه الرئيس بتقديم أوجه الدعم اللازم لتقنين أوضاع المخالفين، وتقديم الدعم الفنى والمادى اللازم للمتعثرين، لتشجيع قطاع الصناعة، بما يسهم فى توفير فرص عمل للشباب، ويقلل الفجوة الاستيرادية.. وتهدف المبادرة للاعتماد على المنتج المحلى وتقليل الواردات من خلال تعزيز دور القطاع الخاص فى توطين العديد من الصناعات الكبرى والمتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر فى مصر، مع تقديم عدد من الحوافز، فى صورة أراضٍ بحق الانتفاع والإعفاء من الضرائب لمدة خمس سنوات.. وتنفيذًا لتكليفات الرئيس، تم ربط مبادرة «ابدأ» مع المبادرة الرئاسية «حياة كريمة»، وعقد شراكات مع كبار المصنعين والمستوردين والشركاء الأجانب، وتقنين أوضاع المصانع المخالفة.
وأمس الأحد، شهد الرئيس السيسى، عبر الفيديو كونفرانس، الموقف التنفيذى لعدد من النماذج لمشروعات مبادرة «ابدأ»، ضمن فعاليات افتتاح المتلقى والمعرض الدولى السنوى للصناعة، فى نسخته الثانية، والمقام فى مركز المنارة للمؤتمرات.. حرص الرئيس على التأكيد لأصحاب المصانع، بالاستعداد الكامل لتوفير أى دعم تحتاج إليه هذه المصانع من أجل زيادة الإنتاج والتوسع فى العمل والإنتاج.. وبالمناسبة، فإن مصر تحقق صادرات بقيمة خمسة وثلاثين مليار دولار، فى حين طالب الرئيس بزيادة هذا الرقم إلى مائة مليار دولار سنويًا.. وكما أشرنا بداية هذا المقال، فقد أكد الرئيس أن الدولة تهتم بدعم وتطوير الصناعة لتغطية احتياجات السوق، «هناك اهتمام بدعم وتطوير الصناعة، وقولت الكلام ده السنة اللى فاتت.. الهدف الأكبر منها، تغطية احتياجات السوق المصرية».
وتحقيقًا لدعوته، بأن التعليم الفنى الجيد هو الرافد الحقيقى لصناعة وطنية متميزة، يمكنها المنافسة عالميًا.. ولأن دعوته وُضِعَت، منذ اللحظة الأولى لإطلاقها، موضع التنفيذ، فقد شهد الرئيس عبر تقنية الفيديو كونفرانس افتتاح عدد من مدارس التعليم الفنى، بعد تطويرها بشكل كامل.. ومن هذه المدارس، مدرسة «ابدأ الوطنية للعلوم التقنية» فى بدر، المتخصصة فى مجال الذكاء الاصطناعى، ومدرسة «ابدأ الوطنية للعلوم التقنية» فى دمياط، المتخصصة فى مجالى الخدمات اللوجستية وصيانة وإصلاح السفن.. وهنا أكد الرئيس إن الدولة جاهزة لتأهيل مائة مدرسة تعليم فنى سنويًا فى إطار تطوير الصناعة، «المهندس السويدى كان بيتكلم أننا محتاجين ألف مدرسة.. مستعدين لأى تأهيل مدراس فنية، ويُعاد تخصيصها، لأن عندنا آلاف المدارس لكن الدور التى تقوم به غير مفيد فى الواقع«.. «مستعدون لتخصيص وإعادة تأهيل أى مدارس بالشكل اللى يحقق الهدف والغرض من تطوير الصناعة».
ورغم انشغاله بشأن تطوير الصناعة فى مصر، باعتبارها قاطرة التنمية فى البلاد، إلا أن قضية القضايا، القضية الفلسطينية، لم تغب عن ذهنه فى هذا الصباح.. فقد تحدث الرئيس السيسى عن الأزمة التى تعيشها المنطقة، متمثلة فى العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة، «اللى لفت نظرى حالة القلق المتزايدة وأنا أشارككم تبقوا قلقانين.. ودى ظاهرة إيجابية ودورى أطمنكم.. مصر حريصة على لعب دور إيجابى جدًا.. خلال السنين اللى فاتت كلها، وقبل ما أكون موجود، وده مهم جدًا لدولتنا ومنطقتنا.. وماشيين فى نفس الخط وحريصين على الاستقرار وبنبذل مجهود كبير جدًا».. وطمأن الرئيس المصريين عن الأحداث الجارية فى المنطقة قائلًا: «مهم قوى لشبابنا وشاباتنا وكل المصريين.. متقلقوش، بفضل الله سبحانه وتعالى، زى ما حفظ البلد فى 2011 و2013 هيحفظها دائمًا.. لأن سياستنا مكنش فيها أبدًا غدر ولا خسة ولا تآمر ولا انتهازية، ولا حتى مصالح.. كان مصلحتنا إن المنطقة كلها تبقى مستقرة، ونبنى ونعمر فى بلدنا، ده اللى إحنا اشتغلنا عليه.. مفتكرش فى سُنن الوجود، إنه يبقى فيه قيم زى كده وأصحابها يتم إيذاؤهم والقضاء عليهم وتدميرهم.. بفضل الله وشبابها وشعبها وجيشها ووعيهم، بلدنا قادرة على حماية نفسها تمامًا.. متقلقوش، شوفوا شغلكم وحالكم.. وعيشوا حياتكم.. وبنبذل جهد كبير للتهدئة والاقتتال، وبنبذل جهد كبير علشان المساعدات الإنسانية تدخل قطاع غزة».. بنبذل جهد وحريصين على أن يكون لدينا دور إيجابى فى تخفيف حدة الأزمة، من خلال إطلاق سراح الأسرى والرهائن، بس مش كل حاجة بيتم الحديث عنها، لما بتخلص هنعلن عنها.
لم يقل الرئيس السيسى كلامه الأخير من فراغ، بل إن الدور المصرى فى حل مشاكل النزاع فى الإقليم ليس له منافس، وليس عنه بديل.. ليس هذا من عندياتى، بل هو عين ما قاله كل من، جون ألترمان، نائب الرئيس الأول، وكرسى بريجنسكى للأمن العالمى والجيواستراتيجية، ومدير برنامج الشرق الأوسط فى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، ودانيال بايمان، زميل أقدم فى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وأستاذ فى كلية الشئون الدولية بجامعة جورج تاون، فى مقال لهما فى صحيفة Foreign Policy، أكدا فيه على أنه، وعلى الرغم من أن مؤتمر القاهرة للسلام، حول الصراع بين إسرائيل وحماس بداية الأسبوع الماضى، لم يخرج ببيان ختامى، إلا أن مصر هى اللاعب الحيوى، حاليًا وبشكل متزايد، إذا بحثت جميع الأطراف عن مخرج لهذه الأزمة فى الأسابيع والأشهر المقبلة.. ونتيجة لذلك، فإن الولايات المتحدة ستكون أفضل حالًا فى العمل مع مصر بدلًا من العمل بمفردها.
وعلى المدى القريب، فإن التعاون المصرى ضرورى بشكل فريد فى معالجة الأزمة الإنسانية فى غزة، بما فى ذلك من خلال ضمان إمدادات الوقود والأدوية عبر رفح.. وعلى المدى الطويل، ستلعب مصر دورًا حاسمًا فى تسهيل أى ترتيب سياسى ينشأ فى غزة، سواء بقيت حماس كحكومة، أو إذا تولى السلطة نظام انتقالى من نوع ما.. وباعتبارها الدولة العربية فى الخطوط الأمامية، فإنها ستلعب حتمًا دورًا ما فى فرض هذا الترتيب أيضًا.. وستسعى مصر إلى تحقيق مصالحها الخاصة، نظرًا لأهمية تأمين الحدود بين مصر وسيناء، ولكن يمكن للقاهرة أيضًا أن تلعب دورًا قياديًا مهمًا، حيث تقود الحكومات العربية فى إضفاء الشرعية على أى اتفاق.. لا مصر ولا الولايات المتحدة قادرتين على حل الأزمة فى غزة كلٌ بمفرده، ولا يمكن لأى منهما القيام بذلك دون الآخر.. أحيانًا ما تعثرت العلاقة بينهما، لأنه لم يكن هناك مشروع مهم يُشعر الجانبان بنفس القدر من القوة.. يمكن أن تكون غزة مصدر إزعاج دائم لكلا الجانبين. ومن مصلحة البلدين أن يجعلاها ساحة للتعاون.. انتهى.
العالم أجمع يستمع لتحذيرات الرئيس عبدالفتاح السيسى التى أطلقها أمس، خلال افتتاح المعرض الدولى السنوى للصناعة، حيث حذر الرئيس من خطورة اتساع رقعة الصراع بسبب الحرب فى غزة، لأن منطقة الشرق الأوسط ستصبح قنبلة موقوتة تؤذينا جميعًا، كما أن عدم الالتزام بصوت العقل واللجوء للتهدئة، تمهيدًا للعودة إلى مفاوضات تضمن للجميع العيش بسلام، سيكون مردوده سلبيًا على الجميع وليس على طرف دون الآخر.. رسالة الرئيس بأن مصر دولة قوية جدًا ولا تُمس، رسالة مفهومة لجميع الأطراف الإقليمية والدولية، خصوصًا أن الدولة المصرية حريصة على أن تلعب دورًا إيجابيًا فى القضية الفلسطينية، يقوم على السلام الشامل وعدم استهداف المدنيين، وعلى حل الدولتين والعيش بسلام وأمان، مع حق إنشاء الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967.. كلمة الرئيس بالأمس، توضح للقوى الكبرى فى العالم وللمنظمات الأممية، كيف أن الدولة المصرية حريصة على استقرار المنطقة بالكامل، انطلاقًا من أسس السلام الشامل وأمن جميع دول المنطقة بلا استثناء، وأنه لا أحد سيربح من اتساع رقعة الصراع فى تلك المنطقة المهمة من العالم، التى تتصل اتصالًا مباشرًا بالمصالح العربية والأوربية والإفريقية والآسيوية.
إن حديث الرئيس السيسى عن دعم المشروعات الصناعية الناجحة، التى توفر بديلًا محليًا للمستورد، وكذلك تشجيع التعليم الفنى المتخصص، يأتى فى سياق دعمه لملف تطوير الصناعة المصرية، وهو دعم يستند إلى رؤية استراتيجية للنهوض بالقطاع الصناعى، خصوصًا الصناعات العملاقة والثقيلة، ومشاركة القطاع الخاص فى تلك الصناعات، التى تعتبر من أهم مصادر التنمية وتشغيل العمالة، وكذلك النهوض بالاقتصاد الوطنى، وإعادة مجد شعار «صنع فى مصر» من جديد.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.