كيف نفهم المراهقين ونوجههم للدكتور عبدالكريم بكار (1)
المراهقة هى مرحلة متوسطة بين الطفولة والنضج، وهى مرحلة خاصة تجعل التفاهم بين المراهقين والكبار أمرًا صعبًا، حيث يشكو المراهقون من سوء فهم الكبار لهم، وكثيرًا ما يعبرون عن شعورهم بالظلم وعدم نيلهم حقوقهم، بينما يشكو الآباء والأمهات من تهور المراهقين ومن التصرفات غير المسئولة لهم، ويلاحظ أن 80% من مشكلات المراهقين هي نتيجة مباشرة لمحاولة أولياء الأمور تسيير أولادهم بموجب آرائهم وعاداتهم وتقاليد مجتمعاتهم.
- يعتقد الآباء والأمهات أن مراهقي هذا الزمان هم الأسوأ، لكن في الحقيقة لا بد أن نأخذ في الاعتبار أن الأوضاع الاجتماعية تختلف من جيل إلى جيل، ففي الماضي كان الناس يعيشون في قرى صغيرة، وكان الأقرباء كثيرًا ما يسكنون في حي واحد، كما أن احترام الكبير كان سمة أساسية في تلك الفترة، وكانت مساحة الحرية الشخصية أضيق، لذا كانت الفرصة لظهور أخطاء المراهقين أقل، علاوة على ذلك فالمراهق اليوم يشاهد سلوكيات المراهقين الغربيين ومساحات الحرية الواسعة التي يتحركون فيها كما يتأثر كثيرًا بطريقتهم في اللبس وقصات الشعر وأغانيهم.
- المراهقة مرحلة من مراحل عديدة يمر بها الإنسان، وما دامت مرحلة فهي إذن مؤقتة، ومهم أن ننظر لها هكذا، لأن ذلك يزودنا بقدرة على التحمل والأمل والترقب لما هو أفضل.
- مشاكلنا مع المراهقين ليست كبيرة بقدر ما هي مستفزة ومزعجة، وسيظل المراهق يتعلم من أخطائه أكثر مما يتعلمه من توجيهات أهله ونصائحهم.
- سلوكيات المراهقين تختلف باختلاف ظروفهم، فحين يظفر المراهق بعلاقة ممتازة بوالده ووالدته وأصدقاء جيدين، فنتوقع أن تمر هذه المرحلة بشكل سلس، وسوف يكون المراهق مختلفًا، إذا كان يتعامل مع أب يميل إلى الشك أو أم سريعة الغضب أو مثالية جدًا أو وجد نفسه وقع في شباك أصدقاء سيئين يزينون له الانحراف والتمرد، وهذا يعني أن المراهق كثيرًا ما يكون ضحية لتقصير أهله أو انحراف أصدقائه.
- يميل المراهقون إلى نقد كل شىء حولهم وبشكل حاد، لأنهم لا يعرفون الواقع الاجتماعي للكلمات والظروف والاعتبارات التي تحمل الناس على أن يقفوا بعض المواقف أو يسلكوا بعض السلوكيات، وهذا النقد يولد لديهم قدرًا كبيرًا من الخوف والقلق يجعلهم لا ينسون بسهولة أخطائهم ولا أخطاء غيرهم معهم.
لماذا يعاني المراهقون من الغضب والارتباك؟
- مشكلة المراهق أنه ليس طفلًا صغيرًا فيتمتع بما يتمتع به الصغار من حنان، وليس كبيرًا حتى يتمتع بالمزايا التي يستمتع بها الكبار.
- يلاحظ أن الغدد في أجسام الفتيان والفتيات تفرز مقادير عالية من الهرمونات تؤدي إلى تقلبات مزاجية حادة، تظهر في شكل غضب عند الذكور، وغضب واكتئاب عند الإناث.
- يميل المراهق إلى المغامرة والمخاطرة، وذلك لأن المنطقة المسئولة في المخ عن العاطفة تنضج بسرعة أكبر من سرعة نضج التفكير العقلاني، لذا فالارتباك والحيرة هما الطابع الأساسي الذي يمكن أن نصف به الحالة النفسية والعقلية للمراهق.
- طموحات المراهق واسعة جدًا لكنه عاجز عن تحديد ما يريده.
- لدى المراهقين أسباب دائمة للغضب ويقع في قمة تلك الأسباب نظرتهم الخاصة للحياة مما يجعل طموحاتهم وانطباعاتهم مختلفة عن أسرهم.
- نحن كثيرًا ما نقع في خطأ فادح، هو متابعة الأبناء وتوجيه الملاحظات المستمرة لهم، وحين يكون هناك شيء إيجابي لا نجد الحماس لتشجيعهم والثناء عليهم وهذا يجعل المراهق يشعر بالغضب والضيق والظلم، ومع الأيام تتراكم هذه المشاعر وتنفجر في صورة خروج عن حدود الأدب في خطابه مع والديه.
يحب المراهقون الاستقلال وهناك بعض المظاهر التي تدل على ذلك
- في بعض الأحيان تتجلى رغبة المراهق في الاستقلال في إغلاق باب غرفته عليه دون أي سبب يدعو إلى ذلك، فهو يريد أن يؤكد أن هذه المساحة في المنزل له وحده ولا ينبغي اقتحامها إلا بإذنه
- كثرة الخروج من المنزل تعبير آخر عن الاستقلال لأن المراهق يدرك إنه ما دام داخل المنزل فإنه يتلقى الأوامر ويسمع ويطيع ويرضخ لأوامر والديه.
لماذا يبحث المراهق عن أصدقاء؟
- يشعر المراهق بأنه ينتمي إلى جيل مختلف عن جيل أبويه، وهذا يدفعه إلى البحث عن أصدقاء يشاركونه رؤيته للحياة، ومشاعره حول أحداثها ومتطلباتها.
- يشعر المراهق حين يلتقي بصديقه أو أصدقائه أنه يجالس من يفهمه حق الفهم، ومن يعاني مثله، ولهذا يكون على طبيعته ويكشف له عن أسراره الشخصية وشيء من أسرار أسرته بل قد ينتقد أباه أو أمه أمامه، ويكون أقل تهذيبًا وانضباطًا في استخدام اللغة.
- جرت عادة المراهقين بمناصرة بعضهم بعضًا، حيث تجد الواحد منهم يدافع عن أصدقائه في كل الأحوال، وكثيرًا ما لا يرتاح المراهقون للتحدث عن أصدقائهم أمام أهليهم ولا يرتاحون لمعرفة الأهل أسماء أصدقائهم وأماكن سكناهم.
- يجري المراهقون الكثير من المكالمات الطويلة فيما بينهم ويجدونها بديلًا إذا تعذر اللقاء المباشر بينهم.
- يبدي المراهق استعدادًا قويًا للتضحية من أجل أصدقائه، ويفخر بذلك، بل إنه قد يكون مستعدًا لتحمل نتائج خطأ ارتكبه صديقه، ولكن هذا أمر مؤقت فهو يضمحل كلما درج المراهق نحو الرشد.
- يميل المراهق إلى أن يعيش ويتصرف وكأنه حر من كل قيد، فهو يتضايق من القيود والأعراف الاجتماعية، ويرى كثيرًا منها غير منطقي ويتعجب لوجودها، ويظهر ذلك في ملابسه وقصة شعره وبعض سلوكياته، كما يتجلى ذلك أيضًا في عدم رغبته في الجلوس مع الضيوف وعدم رغبته في الذهاب لزيارة أقاربه، لأن الجلوس مع الكبار لا يسمح له بأن يتصرف على سجيته، كما أن الكبار يثيرون الكثير من الموضوعات التي لا تكون محل اهتمامه.
هناك مشاكل أخرى تواجه المراهق خاصة إذا ما كان في المرحلة الثانوية:
- يرغب في دراسة تخصص معين غير موجود في جامعات بلاده مما يضطره إلى السفر للخارج وهذا ما ترفضه أمه أو يرفضه والده، لأنه لا يملك نفقات ذلك.
- يدخل المراهق بعض الاختبارات التي تقيس الذكاء وتكون النتيجة توصية بدراسة تخصص آخر غير ما يحبه أي أنه يحب تخصصًا لا يملك القدرة والأهلية للتفوق فيه.
- يحب المراهق تخصصًا ويعتقد أنه سيبدع فيه لكن مجموع درجات الثانوية العامة لا يؤهله لهذا التخصص.
- يتلقى المراهق نصائح بأن التخصص الذي يحبه غير مطلوب لسوق العمل وعليك أن يدرس تخصصًا آخر.
مما سبق يتضح أن المراهق كائن يشعر في أحيان كثيرة أنه يفتقر إلى التوازن وإلى ضبط رغباته ونزعاته ويشعر أنه مغلوب على أمره، وإن أدركنا ذلك فسوف نتعامل مع برحمة وشفقة.
ولكي نكون موضع ثقة المراهق لا بد أن نراعي ما يلي:
- الصدق في التعامل معه، وتنفيذ الوعود التي نقطعها له.
- حفظ أسراره وعدم إفشائها لا تصريحًا ولا تلميحًا.
- الاعتذار للمراهق عند الوقوع في خطأ لا يقبل الجدل.
- في بعض الأحيان يتحدث المراهق بأشياء يكون صادقًا فيها لكن لا يليق التحدث بها ولا يكون هدفه هو إزعاج والده أو والدته، من المهم أن نستوعب وجهة نظر المراهق على نحو جيد في أي موضوع يطرحه.
- العشوائية مؤذية جدًا في التعامل مع المراهق، فمن المهم أن تكون العلاقة معه واضحة ومنظمة ولا سيما فيما يتعلق بالثواب والعقاب.
- يجب أن يعرف المراهق أنه ليس هناك حياة أسرية صحيحة خالية من كل القيود والشروط.
- المبالغة في تدليل المراهق وتلبية كل طلباته يجعل منه شخصًا إتكاليًا وينمي لديه الشعور باللامبالاة ويجعل شعوره بالمسئولية ضعيفًا.