فوهة الكاميرا مصوّبة لعقولنا.. عن دور المسرح الوثائقى فى مواجهة الأكاذيب
المسرح الوثائقى أو التسجيلى أو كما يسمونه مسرح الحقائق، وكذلك السينما والفنون التسجيلية، هذا الدور للفن صار احتياجًا مُلحًا وضروريًا فى مواجهة الصراعات التى تستند إلى محو الحقائق والحروب الإعلامية وتصدير الأوهام عبر صور وفيديوهات متلاحقة تبثها السوشيال ميديا والقنوات والمنصات، لتبنى وعيًا زائفًا وتصورات مغايرة للواقع وتحجب الحقائق فقط باختيار الزاوية التى لا تظهرها.
لقد تغير كثيرًا مفهوم الذخيرة الحية التى تنطلق من فوهة مسدس أو مدفع أو بندقية لتقتل هدفًا مباشرًا، حيث أصبحت الكاميرات هى الأخرى تطلق أعيرتها «صورًا وفيديوهات مغلوطة أو مقتطعة من سياقها أو مروجة للعنف والقتل بوصفهما فعلًا طبيعيًا»، سواء كان العيار أطلق مدركًا هدفه أم عيارًا طائشًا، فى مواجهة ذلك لا سبيل لدينا إلا أن تطلق كاميراتنا هى الأخرى أعيرتها لتكشف الزيف وتفضح وتعلن الحقائق.
لقد تبين لنا خلال الفترة الماضية كيف أن الصورة التى تصدر من الغرب، وبالأخص أمريكا، صورة منتقاة وموجهة، على عكس ما يظن الجميع أن أمريكا هى بلد الحريات، انكشفت لنا استراتيجيات الإلهاء والتغريب والتوجيه التى يستخدمها الإعلام والسوشيال ميديا فى أمريكا لتزييف الحقائق.
عاينّا جميعًا كيف تختفى بوستات وتعليقات من «فيسبوك» لأنها لا توافق الأكاذيب التى يروجون لها، لقد حان الوقت لنهتم بالمسرح والسينما الوثائقية التى توثق تاريخنا وبطولاتنا ومواقفنا فى مواجهة المحو الثقافى وقلب الحقائق واستلاب الهوية، التى تعمد إليها السياسة الاستعمارية الجديدة، إن ما يحدث فى فلسطين لهو جرس إنذار ينبهنا إلى آليات جديدة وأسلحة جديدة لإدارة المعارك لم نكن نوليها اهتمامًا، حيث لا يكفى أن تكون الصور حقيقية، يجب أن تكون أيضًا مصنوعة جيدًا.
إنه الوقت المثالى ليقوم الفن بدوره فى توثيق الجرائم وكشف اللعبة، علينا أن نخصص إدارة، ربما مختصة، تقدم المسرح التسجيلى بجماليات وتقنيات أكثر تطورًا ومجاراة لواقع تحتل فيه الصور موقعًا مركزيًا فى صناعة الوعى، وأنا لا أنسى أبدًا عرضًا مسرحيًا رأيته فى مهرجان برلين اسمه «أغنية الشريط الحدودى»، كان يدور حول تلك المفارقات وكيف يتم التلاعب بالعقول والوعى عبر الصورة، حيث تدور الأحداث فى منزل زجاجى دائرى والجمهور يجلس بطريقة دائرية حوله، وهناك شريط دائرى حول المنزل تلف فيه الكاميرا لتسجل لحظات وصورًا مما يجرى داخل غرف هذا المنزل، ويُبث ذلك عقب عملية مونتاج حية تحدث ليشاهد الجمهور ذلك فى شاشة معلقة فوق المنزل، إذن أنت دومًا ترى من موقعك جانبًا من المنزل وترى الجانب الآخر عبر ما تختاره لك الكاميرا أن تشاهده، لم يكن العرض تسجيليًا إلا أنه قدم رسالة قوية تكشف النظام العالمى وألاعيبه وتوظيفه للميديا.
الفن إذن سلاح مطلوب منه أن يظل عامر الذخيرة فى أوقات الأزمات، والفنان هو أيضًا جندى مرابط على حدود مهنته، لذا لم يكن غريبًا على فنانى مصر أن يكون لهم هذا الموقف المشرف فى دعم الشعب الفلسطينى وإدانة العدوان.