لماذا نراها قمة ناجحة؟
عدم صدور بيان ختامى عن «قمة القاهرة للسلام»، كان طبيعيًا ومنطقيًا ومتوقعًا، نظرًا للخلافات، التى لا تزال قائمة بين الأطراف العربية والغربية، ومواقفها المعلنة من الأزمة ومن طرفى النزاع. غير أن الأهم من عدم صدور ذلك البيان، هو أن فكرة رفض تهجير الفلسطينيين كانت حاضرة، بمنتهى الوضوح، فى كلمات المشاركين، إلى جانب تأكيدهم على ضرورة إقامة دولة فلسطينية. كما عكست القمة، بشهادة وكالة أسوشيتد برس «الغضب المتزايد فى المنطقة حتى بين أولئك الذين لديهم علاقات وثيقة مع إسرائيل».
جاءت الدعوة إلى القمة استمرارًا لنهج دولة ٣٠ يونيو، القائم على محاولة خلق حالة حوار بين دول العالم، لتجاوز الخلافات، والتوصل إلى درجة من التوافق تحقق المصالح المشتركة. ومن هذا المنطلق، جاء سعيها إلى بناء توافق دولى، عابر للثقافات والأجناس والأديان والمواقف السياسية، محوره قيم الإنسانية وضميرها الجمعى، ينبذ العنف والإرهاب وقتل النفس بغير حق، ويدعو إلى وقف الحرب الدائرة التى راح ضحيتها الآلاف من المدنيين الأبرياء، ويطالب باحترام قواعد القانون الدولى، والقانون الدولى الإنسانى، ويؤكد الأهمية القصوى لحماية المدنيين وعدم تعريضهم للمخاطر والتهديدات، ويعطى أولوية خاصة لنفاذ وضمان تدفق المساعدات الإنسانية والإغاثية وإيصالها إلى مستحقيها من أبناء قطاع غزة، ويحذر من مخاطر امتداد رقعة الصراع الحالى إلى مناطق أخرى فى الإقليم.
تحقق هذا التوافق تقريبًا، أو إلا قليلًا. وبلسان الرئيس عبدالفتاح السيسى، خلال الكلمة الافتتاحية، أو عبر بيان الرئاسة المصرية، الذى صدر فى ختام القمة، أكدنا، نحن المصريين، أن حلّ القضية الفلسطينية، ليس التهجير وإزاحة شعب بأكمله إلى مناطق أخرى، وأن بلادنا سوف تحافظ دومًا على موقفها الراسخ الداعم للحقوق الفلسطينية، والمؤمن بالسلام كخيار استراتيجى، لكنها لن تقبل، أبدًا، بدعاوى تصفية القضية الفلسطينية على حساب أى دولة بالمنطقة، ولن نتهاون للحظة فى الحفاظ على سيادتنا وأمننا القومى.
لموقع «سكاى نيوز عربية»، قال المحلل السياسى الفلسطينى نزار جبر، إن «قمة القاهرة حملت الكثير من الرسائل، أهمها التأكيد على رفض تهجير الفلسطينيين». مؤكدًا أن «هذه القمة أعطت للقاهرة دعمًا دوليًا وتأييدًا لموقفها الرافض للمخطط الإسرائيلى». كما أشار إلى أن «توقيت هذه القمة وما خرجت به من نتائج يشير إلى تخطيط جيد من القيادة السياسية فى مصر»، وتوقّع أن تلعب الدولة المصرية، فى الأيام المقبلة، دورًا أكبر فى الوساطة والضغط على إسرائيل لتخفيف الحصار، موضحًا أن إسرائيل ترغب فى الحفاظ على علاقاتها مع مصر، وأن الأخيرة قادرة على ضمان عدم اتساع رقعة الصراع بقدرتها على التفاوض وتحركاتها الدبلوماسية الناجحة.
أيضًا، أشاد نبيل عمرو، وزير الإعلام الفلسطينى الأسبق، فى مداخلة تليفزيونية، بنجاح مصر فى عقد القمة من ناحية «التوقيت والإعداد والنتائج»، موضحًا أن أهم نتائج القمة هو إعادة المسار السياسى المهمل منذ سنوات والمستبدل بالمسارات الأمنية والإنسانية والاقتصادية. كما أشار إلى أن «الرئيس السيسى وضع النقاط على الحروف وسيناريو الخروج من المأزق الراهن»، وأكد أن «الجهد المصرى سوف يتمكن من وضع المسار السياسى من جديد على خارطة العالم»، وسيثبت أننا كعرب نستطيع فتح المسار السياسى، دون الاعتماد على الولايات المتحدة وتابعيها، بشكل أعمى، من دول الاتحاد الأوروبى التى تسير خلف واشنطن بلا تمييز.
.. وأخيرًا، نرى مجددًا، كما كتبنا أمس، أن «قمة القاهرة للسلام» منحت المجتمع الدولى آخر فرصة لإنقاذ منطقة الشرق الأوسط، وأولى خطوات وقف الحرب الدائرة، التى لن تهدد استقرار المنطقة فحسب، لو اتسع نطاقها، بل ستهدد السلم والأمن الدوليين أيضًا. ويكفينا، نحن المصريين، أننا وضعنا ذلك المجتمع الدولى أمام مسئولياته، وكشفنا عن الخلل الواضح فى منظومة قيمه، الذى جعلنا نرى هرولة وتنافسًا على سرعة إدانة قتل الأبرياء فى مكان، بينما نجد ترددًا غير مفهوم فى إدانة الفعل نفسه فى مكان آخر، بل نجد محاولات لتبرير هذا القتل، كما لو كانت حياة الإنسان الفلسطينى أقل أهمية من حياة باقى البشر.