لا تهجير.. ولا عبث
الحشود التى نزلت، الجمعة، فى شوارع وميادين مختلف محافظات مصر، مجرّد عينة. وقطعًا، لو طلب الرئيس عبدالفتاح السيسى من الشعب المصرى الخروج للتعبير عن رأيه فى رفض فكرة تهجير أهالى قطاع غزة إلى سيناء، كما قال خلال مؤتمره الصحفى مع المستشار الألمانى، سيخرج عشرات الملايين. مع تسليمنا بأن هذه، فكرة التهجير، العبثية أو الكارثية، لا مجال لتنفيذها على الأرض.
لن نتوقف عند أى عواقب أى سيناريوهات خيالية، أو هلاوس غير منطقية، يطلقها الأعداء، الموتورون، أو المجانين، مكتفين بتأكيد أن السبيل الوحيد لتسوية القضية الفلسطينية، هو إيجاد حل جذرى عادل وشامل، يعيد للشعب الفلسطينى حقوقه المشروعة، وأولها حقه فى البقاء على أرضه، وإقامة دولته المستقلة، على حدود ٤ يونيو ١٩٦٧، وعاصمتها القدس الشرقية. وربما تكون الإشارة مهمة، أيضًا، إلى محاولات إدارة بايدن لتمرير أى تصورات أو سيناريوهات، لمصلحة إسرائيل، ستضاف إلى الإخفاقات الأمريكية الكبيرة والكثيرة فى السياسة الدولية، كعشرات التصورات، السيناريوهات، أو الصفقات الشبيهة، التى جرى الترويج لها، منذ يناير ١٩٨١، أى مع بداية عهد الرئيس الأمريكى الأسبق، رونالد ريجان.
المصريون، جميعًا، بلا استثناء، كما كتبنا، فى «الأهرام»، أعلنوا، بمختلف الطرق، وما زالوا، عن دعمهم الكامل، والمطلق، قرارات القيادة السياسية، المساندة للشعب الفلسطينى الشقيق وحقوقه المشروعة، والحريصة على أمن واستقرار المنطقة، آملين فى أن تعلو أصوات السلام وتتوقف الصراعات الصفرية، التى لا منتصر فيها ولا مهزوم، مؤكدين رفضهم القاطع، كل التصورات العبثية، أو الكارثية، التى طرحتها إسرائيل، أو غيرها، بشأن تهجير أهالى قطاع غزة، ليس فقط لكونها تخالف قواعد القانون الدولى الإنسانى، ولكن أيضًا لأنها تعنى تصفية القضية الفلسطينية وتنسف اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية.
لا مجال، أيضًا، للحديث عن الخطة الأمريكية للسلام، المعروفة باسم «صفقة القرن»، التى تم إطلاقها فى ٢٨ يناير ٢٠٢٠، ورفضتها جامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامى، وهاجمها الرئيس الفلسطينى فى جلسة عقدها مجلس الأمن، جرى خلالها إفشال مشروع قرار تقدمت به تونس وإندونيسيا نيابة عن المجموعة العربية وحركة عدم الانحياز، يدين تلك الخطة أو الصفقة الأمريكية. ووقتها، طرح الرئيس الفلسطينى، مجددًا، رؤيته لتحقيق السلام، التى تقوم على رعاية دولية متعددة الأطراف للمفاوضات، وفقًا لمرجعيات السلام وقرارات الشرعية الدولية، ودعا «الرباعية الدولية»، أو رباعية مدريد، التى تضم الولايات المتحدة، روسيا، الاتحاد الأوروبى والأمم المتحدة، إلى عقد مؤتمر دولى.
الخطة الأمريكية، احتوت على ٣١١ مخالفة للقانون الدولى، طبقًا لوثيقة أعدتها دائرة شئون المفاوضات بمنظمة التحرير الفلسطينية، استشهد بها الرئيس الفلسطينى، وهو يؤكد أن الفلسطينيين سيواجهون تطبيق تلك الخطة على الأرض، ويطالب بعدم اعتبارها، أو أى جزء منها، مرجعية للتفاوض. وكان مثيرًا للدهشة أو السخرية، أن تصل جرأة، أو بجاحة، المندوبة الأمريكية حد اتهام الأمم بأنها حققت رقمًا قياسيًا فى الفشل المذهل، لأنها منذ إنشائها، خصص مجلس الأمن والجمعية العامة، عددًا لا يُحصى من الساعات لمناقشة وتمرير أكثر من ٨٠٠ قرار لمعالجة قضية السلام فى الشرق الأوسط، دون أن تؤدى تلك المناقشات أو هذه القرارات إلى سلام حقيقى. وتلك، كما قلنا، منتهى الجرأة، أو البجاحة، لأن كل هذه القرارات تم انتهاكها إسرائيليًا وأمريكيًا، أو إسرائيليًا برعاية أمريكية.
.. وتبقى الإشارة إلى أن إدارة بايدن تحاول، الآن، استغلال عمليتى «طوفان الأقصى» الفلسطينية و«السيوف الحديدية» الإسرائيلية، بالضبط كما حاولت إدارة الرئيس الأسبق بوش الابن، فى أيامها الأخيرة، استغلال «معركة الفرقان» بتسمية المقاومة الفلسطينية، أو «عملية الرصاص المصبوب»، كما وصفها الجانب الإسرائيلى، التى بدأت فى ٢٧ ديسمبر ٢٠٠٨ وانتهت فى ١٨ يناير ٢٠٠٩، استجابة للمبادرة، التى أطلقها الرئيس الأسبق حسنى مبارك، فى الجلسة الافتتاحية للقمة الدولية للسلام التى استضافتها شرم الشيخ. بالضبط، كما نتوقع، أو ننتظر، أن تؤدى «قمة القاهرة للسلام»، التى تنعقد، اليوم السبت، إلى استعادة الهدوء فى الأرض المحتلة، وإعادة التوازن للمواقف الدولية، بتعديل بعض الانحيازات، التى من المفترض أن تكون قد تبدّلت، بعد الجرائم البشعة، التى ارتكبها جيش الاحتلال.