أين تقع النقب؟
أحيانًا أسأل نفسى: هل يعانى الذباب الإلكترونى من غباء حقيقى أم أن أعضاء كتائبه يتصنعون الغباء لتزييف وعى الناس؟.. آخر المناسبات التى دعتنى لطرح هذا السؤال ردود أفعال كتائب الإرهاب على تصريح الرئيس السيسى بأن على إسرائيل أن تفتح صحراء النقب لأهل غزة إذا كان غرضها بالفعل تجنيبهم ويلات الحرب- كما تقول هى- أو كما تدعى.. لقد فوجئت بمذيعة فى قناة الجزيرة تنشر هذا التصريح مصحوبًا بشعار «حنجورى» تقول فيه: «والآن سقط القناع»!! وهو نفس ما فعله الآلاف من الذباب الإلكترونى الإخوانى.. رغم أنه من الواضح لأى ذى ذكاء متوسط أن الهدف من الاقتراح هو إبطال حجة إسرائيل وكشف زيف السبب الذى طلبت من أجله ترحيل سكان غزة.. وهذه واحدة.. أما الثانية التى لا يعرفها الجهلاء فهى أن صحراء النقب جزء من فلسطين التاريخية.. أو جزء من أراضى ١٩٤٨، وبالتالى فعندما يذهب أهل غزة إليها فهم يعودون إلى أرضهم وهم يغادرون من فلسطين إلى فلسطين أو يعودون من القطاع الذى تم تهجيرهم إليه عام ١٩٤٨ إلى الأرض الأصلية التى هاجروا منها قسرًا وإرهابًا فى ١٩٤٨، ولأن إسرائيل تعرف ذلك جيدًا فمن المستحيل أن تنفذ هذا الاقتراح أو حتى تظهر أى علامة رسمية على أنها سمعته.. لأنها تعرف ممن صدر التصريح ولأى هدف صرّح به صاحبه.. وفوق هذا وذاك فإن مكان وزمان صدور التصريح يقولان الكثير أكثر مما قاله الرئيس نفسه.. فقد أطلق الرئيس تصريحه عقب انتهاء لقائه بالمستشار الألمانى شولتس الذى غالبًا ما جاء حاملًا رسالة ورسولًا لمطلب.. وغالبًا فإن الرسالة والمطلب لهما علاقة وثيقة بموضوع تهجير أهل غزة إلى سيناء، وهو ما فضّل الرئيس أن يرد عليه على الهواء مباشرةً وأمام أنظار العالم كله.. لأن مصر- فى هذا الموضوع تحديدًا- ليس لديها ما تخفيه ولا نية لديها لأن تخفى شيئًا عن شعبها الذى صار طرفًا فى القضية التى تهم كل مصرى حر.. وقد تأكد إحساس الناس بالمشاركة بعد دعوة الرئيس الناس للتعبير عن حبهم لوطنهم وتضامنهم مع الفلسطينيين العزّل.. ولأن وسائل التواصل جعلت الناس طرفًا فى كل حدث، وشريكًا فى كل موضوع، وناقدًا لكل فعل.. فقد انتقلت حالة الغضب والاهتمام والحماس من الأرض إلى وسائل التواصل الاجتماعى واحتفى عشرات الشباب بالإعلامى المقيم فى أمريكا «باسم يوسف» لأنه احتج على إسرائيل بلفظ خارج.. وأنا لا مانع لدىّ أن نسب إسرائيل وساستها ومتطرفيها آناء الليل وأطراف النهار.. لكن أخشى ما أخشاه أن يظن شبابنا أن الانتصار على إسرائيل يتحقق بالسباب أو بالألفاظ الخارجة أو حتى بالأصوات الصادرة من الحلق! أنا آسف أن أقول إن الانتصار على العدو يحتاج للكثير من العمل والعرق والجهد والعلم.. وأن ما عدا ذلك مجرد «طق حنك» و«فش خلق»، على رأى إخواننا الشوام.. استوقفنى أيضًا فيديو قصير للفنان الشعبى محمد رمضان احترت فى فهمه.. ولم أفهم هل هو جزء من عمل فنى يتقمص فيه دور شخص غاضب أم أنه فيديو حقيقى يخاطب فيه مشاهديه؟.. أنا فى الحقيقة أحب أدوار هذا الممثل الشعبية.. لكنه مثل أى ممثل لا يجب أن يتحدث من رأسه ويجب أن يراجع ما يقوله مع متخصص فى الإعلام.. نحن غاضبون لأقصى درجة من الانتهاكات بحق المدنيين الفلسطينيين، ونحن غاضبون أكثر وأكثر من طرح فكرة ترحيل الفلسطينيين لسيناء.. والدولة تتعامل مع أى مساس بالتراب الوطنى بمنتهى الحزم والقوة وبإجراءات بعضها معلن وبعضها خفى.. وهى أيضًا تعترف بحق الشعب فى الغضب من ممارسات إسرائيل ولكن هذا لا يعنى أن يخرج علينا فنان ومغنى راب ليقترح أن نعلن الحرب.. ويخبرنا بكل ثقة بأن الأسلحة العربية تصدأ فى المخازن! وهى معلومة وهمية تمامًا لأنها صدرت من إنسان غير متخصص وليس لديه أدنى قدر من المعلومات.. من حقك بكل تأكيد أن تتضامن مع فلسطين.. وتدين إسرائيل.. أما الحديث فى أمور فنية واستراتيجية بغير علم فأظن أنه يكشف عن تسرع وعدم توفيق كبيرين.. أما المكسب من كل هذا الموقف فهو أن المصريين كلهم تجمعوا على قلب رجل واحد.. وأن مصر أنفذت إرادتها فى إدخال المساعدات الإنسانية للشعب الفلسطينى، وأن المصريين والفلسطينيين معًا رفضوا فكرة تهجير الفلسطينى من أرضه وأن الإسرائيليين بعد رد الفعل المصرى يحاولون التبرؤ من الفكرة ويدعون أنهم لم يقولوا هذا من الأساس.. وهذه كلها مكاسب ستتلوها مكاسب أخرى ما دام المصريون على قلب رجل واحد.