مصر والصراع فى غزة
مثلما حدث فى أكتوبر 1973، تلقت إسرائيل ضربتها الموجعة يوم السبت، ولمن لا يعرف أن يوم السبت هو يوم العطلة فى إسرائيل، ويوم السبت في 6 أكتوبر هو عيد الغفران عند اليهود، هو يوم السبت اليهودى يوم عيد مقدس، وهو اليوم الذى يتفرغون فيه للعبادة، ولا يحركون شيئًا من موضعه. وهو ما يعني أن المجتمع الإسرائيلي والنخبة كانا يخططان لقضاء الوقت فى المنازل أو المعابد.
لكن منذ ساعات الفجر الأولى، وفي يوم السبت 6 أكتوبر 2023، كان وابل من الصواريخ شديدة الانفجار المحلية الصنع، يشير إلى بداية هجوم لم يسبق له مثيل من حيث الحجم والتنسيق.
لسنوات، عملت إسرائيل على تحصين الحاجز بينها وبين القطاع الفلسطينى فى غزة، وفى غضون ساعات، تم الكشف عن ثغرات هذا الحاجز.
فى حوالى الساعة 06:30 بالتوقيت المحلى، بدأت صواريخ حماس وعز الدين القسام البدائية الصنع فى التحليق فى سماء إسرائيل، متخطية أقوى وسائل الدفاع الإلكترونية، وهو ما يعرف بالقبة الحديدية، وللتغلب على تلك الوسيلة الدفاعية الخطيرة لجأت حماس إلى زيادة عدد الصواريخ التى أطلقتها بكثافة، وغالبًا ما تجد الصواريخ البدائية صعوبة فى تفادى نظام الدفاع الصاروخى الإسرائيلى المتقدم "القبة الحديدية"، لكن أُطلقت الآلاف منها فى فترة زمنية قصيرة؛ للتغلب على ذلك.
والقبة الحديدية هى نظام دفاع جوى بالصواريخ ذات قواعد متحركة، طورته شركة رافائيل الإسرائيلية لأنظمة الدفاع المتقدمة، والهدف منه هو اعتراض الصواريخ قصيرة المدى والقذائف المدفعية. في فبراير 2007، اختار وزير الدفاع الإسرائيلي عامير بيرتز نظام القبة الحديدية كَحلٍّ دفاعى لإبعاد خطر الصواريخ قصيرة المدى عن إسرائيل، منذ ذلك الحين بدأ تطور النظام الذى بلغت كلفته 210 ملايين دولار بالتعاون مع جيش الدفاع الإسرائيلى، وقد دخل الخدمة فى منتصف عام 2011 م.
استغرق الاستعداد لتلك العملية عدة أشهر من التخطيط والتخزين، وتقول حماس إنها أطلقت 5000 صاروخ فى الجولة الأولى، لكن إسرائيل تقول إن ما أطلق بالفعل هو نصف هذا العدد.
لم يكن ما حدث أمرًا غير عادى، فهو دائم الحدوث ومتكرر، ولكن غيرال معقول هو رد الفعل الإسرائيلى الغاضب، الذى بدا كما لو أنها كانت تنتظر هذا الهجوم لتنفيذ خطتها القديمة المدروسة بعناية، والتى تحقق لها هدفين:
الهدف الأول هو: تهجير أهالى غزة إلى مصر، عن طريق تدمير كل البنى التحتية، وإجبارهم على النزوح جنوبًا، وهو ما رأيناه من خلال المنشورات التى قامت الطائرات الإسرائيلية بإلقائها على المواطنين فى عزة تنصحهم بالاتجاء جنوبًا، وهو ما يعنى النزوح لمصر.
والهدف الثانى هو: اقتلاع حماس، وهو ما عبَّر عنه الجنرال جيورا آيلاند، رئيس مجلس الأمن القومى الإسرائيلى فى صحيفة يديعوت أحرونوت بقوله: إنه لا يمكن لإسرائيل أن تكتفى بأى هدف آخر غير القضاء على حركة حماس العسكرية الحاكمة فى قطاع غزة، وتحقيق أى شىء أقل من ذلك سيكون بمثابة فشل إسرائيلى.
ويستطرد رئيس مجلس الأمن القومى الإسرائيلى أن إسرائيل خلال العشرين عامًا الماضية اختارت السرية الكاملة، وامتنعت الصحف ووسائل الإعلام الإسرائيلية عن الحديث عن هذا الهدف، أو إضفاء الطابع الرسمى عليه.
خطورة العملية العسكرية التى قامت بها حماس، أنها وللمرة الأولى تقوم بأسر عدد كبير من الإسرائيليين يتجاوز 150 مواطنًا من سكان المستعمرات المجاورة لغزة، واحتجزتهم كرهائن لديها للتفاوض عليهم مستقبلًا.
مصر كان لديها موقفها الواضح والصريح من تلك الحرب.
فقد حاولت تقديم مساعدات غذائية وأدوية وعلاج للمدنيين فى غزة، لكن إسرائيل عوَّقت عملية الإمدادات وقصفت معبر رفح من الجانب الفلسطينى، فى الوقت الذى طلب فيه وزير الخارجية الأمريكى بلينكن خروج رعايا أمريكان من معبر رفح.
غير أن مصر أعلنت موقفها بكل صراحة ووضوح، وهو أن خروج الرعايا الأمريكان مشروط بالسماح بإدخال مساعدات غذائية لأهالى غزة.
من ناحية أخرى أقامت مصر عددًا من الإجراءات الأمنية والاحترازية تحسّبًا لإمكانية قيام بعض عناصر المقاومة من حماس باستغلال الأنفاق ودخول العُمق المصرى.
وكانت حماس تستخدم أنفاقًا تم حفرها لمسافات تمتد لمئات الكيلومترات تحت الأرض، فى غزة، لكن مصر سبق أن دمرت تلك الأنفاق، وقد عانت مصر كثيرًا من استغلال تلك الأنفاق، وإجراء عمليات تبادُل للسلاح وتهريب مواد تموينية وسيارات مسروقة، وتغذية عمليات إرهابية كانت تتم على أراض مصرية عبر عناصر مسلحة كانت موجودة فى شمال سيناء، ولكن من المحتمل أن تكون هناك أنفاق جديدة، تم حفرها مؤخرًا، وسيكون استهداف مداخل تلك الأنفاق وتفجيرها مهمة القوات المصرية حاليًا.
ومن واجبات الأمن المصرى التنبه للوقوف على هوية كل الداخلين والنازحين لمصر نتيجة القصف الإسرائيلي، أو تحسبًا لقيام إسرائيل باجتياح قطاع غزة بأكمله، كما تهدد إسرائيل وتستعد لذلك.