"طوفان الأقصى"|الحرب التي هَزَّت إسرائيل.. قصة أكبر عملية عسكرية للمقاومة الفلسطينية
في السابع من أكتوبر 2023، انفجرت المنطقة الشرق أوسطية بحرب جديدة، لم تشهدها منذ عقود. هجوم مفاجئ وغير مسبوق، شنته المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة على إسرائيل، بعد سلسلة من انتهاكات الاحتلال في المسجد الأقصى والأراضي الفلسطينية. هجوم أُطلق عليه اسم "طوفان الأقصى"، ليعبر عن حجم الغضب والإصرار الذي يجتاح صدور المقاتلين الفلسطينيين.
استخدم المقاتلون في هذا الهجوم جميع وسائل وأساليب الحرب، من صواريخ وطائرات شراعية وزورق صغير وأنابيب تحت الأرض وسيارات رباعية الدفع ودراجات نارية. هجوم أحدث فشلًا أمنيًا واستخباراتيًا واسعًا لإسرائيل، التي لم تكن تتوقع هذا التصعيد، وأثار ردود فعل متباينة في المنطقة والعالم، بين التأييد والإدانة والقلق، كما فتح بابًا جديدًا لإحياء المفاوضات بشأن حل الدولتين، أو إغلاقها نهائيًا.
مشاهد الطوفان
في السماء، تتلألأ نجوم مختلفة عن تلك التي تزين ليالي الشتاء. إنها صواريخ المقاومة الفلسطينية، التي تنطلق من قطاع غزة باتجاه المدن والمستوطنات الإسرائيلية، محملة بالغضب والانتقام. تصدر هذه الصواريخ أصواتًا مدوية، تزعج سكون الليل، وتثير الرعب في قلوب المستوطنين، الذين يسارعون إلى الملاجئ، بينما يحاول الجيش الإسرائيلي اعتراضها بالقبة الحديدية، التي تظهر كألعاب نارية في الهواء.
وفي حدود إسرائيل، تحدث مفاجآت غير متوقعة. فمن خلال الجو والبحر والبر، تسلل مقاتلو المقاومة الفلسطينية إلى عمق الأراضي الإسرائيلية، مستخدمين طائرات شراعية وزورق صغير وأنابيب تحت الأرض وسيارات رباعية الدفع ودراجات نارية. اختبأ المقاتلون في أماكن مختلفة، بانتظار إشارة البدء. وعندما أتت، خرجوا من مخابئهم، وهاجموا المستوطنات المجاورة لغزة، مثل سديروت وأوفاكيم ونتيفوت. كانوا يحملون أسلحة خفيفة ومتوسطة، وعبوات ناسفة، وشارات خضراء على صدورهم.
تشتعل نيران الحرب في الشوارع الآن. فالمقاتلون الفلسطينيون يصطدمون بقوات جيش وشرطة الاحتلال الإسرائيلي، التي تحاول صدهم وإعادتهم إلى غزة. تدور اشتباكات عنيفة بين الطرفين، تستخدم فيها جميع أنواع الأسلحة. يسقط قتلى وجرحى من كلا الجانبين، ويرتفع دخان أسود من المباني المحروقة. يصاب المدنيون الإسرائيليون بالذعر والهلع، ويركضون هاربين من المشهد المروع. بعضهم يقع في أسر المقاتلين الفلسطينيين، الذين يأخذونهم كرهائن إلى غزة.
فشل إسرائيلي واسع
بدأ الهجوم بإطلاق آلاف الصواريخ من غزة على مختلف المدن والبلدات والمستوطنات الإسرائيلية، مستهدفا منشآت عسكرية ومدنية حيوية، مثل محطة ديمونا النووية، ومطار بن غوريون، والقدس. وأعلنت حركة حماس أنها أطلقت نحو خمسة آلاف صاروخ، بينها صواريخ جديدة من نوع "القسام 4" و"الشهاب 5"، التي تصل مداها إلى 500 كيلومتر.
ولكن هذا لم يكن سوى التغطية لهجوم أكثر تعقيدًا وغير مسبوق، نجح من خلاله نحو ألف مقاتل من مقاتلي حركة حماس، وحركات أخرى متحالفة معها، في اجتياز الحدود الإسرائيلية عبر الجو والبحر والبر، في فشل أمني واستخباراتي واسع لم تشهده إسرائيل منذ حرب أكتوبر 1973.
وردًا على هذا الهجوم المفاجئ، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حالة الطوارئ في البلاد، وأمر بتعبئة الاحتياطيين، وشن حملة عسكرية واسعة ضد غزة، أطلق عليها اسم “السيوف الحديدية”. وشنت القوات الإسرائيلية غارات جوية وهجمات بالصواريخ على مناطق متفرقة داخل قطاع غزة، مستهدفة مواقع للمقاومة الفلسطينية، ومنشآت حكومية، ومدارس، ومستشفيات، ومنازل المدنيين.
وتصاعدت حدة التوتر في المنطقة، بعد أن أعلنت حركة حماس أنها ستستخدم "أوراق قوة جديدة" في حال استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة. وأشارت المصادر الفلسطينية إلى أن حماس تمتلك صواريخ أكثر تطورًا ودقة، وطائرات مسيرة محلية الصنع، وأسلحة كيماوية. كما أكدت المصادر أن حماس تحظى بدعم من إيران وحزب الله وتركيا وقطر.
ولم تجد إسرائيل تجاوبًا دوليًا كبيرًا لحملتها العسكرية ضد غزة. فقد أدانت مجموعة من الدول الأوروبية والعربية والإسلامية “العدوان المفرط” لإسرائيل على المدنيين الفلسطينيين، ودعت إلى وقف فوري لإطلاق النار. كما طالب مجلس الأمن الدولي بعقد جلسة طارئة لبحث الأزمة. وأبدى الرئيس الأمريكي جو بايدن قلقه من تدهور الأوضاع في المنطقة، وأكد دعمه لحق الاحتلال في الدفاع عن نفسه، لكنه حثها على تجنب المزيد من التصعيد.
وحتى الآن، لا تزال المعارك مستمرة بين المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال، دون أفق لحل سلمي. ويرى محللون أن هذه المواجهة قد تغير شكل الصراع في المنطقة، وتفتح بابًا جديدًا لإحياء المفاوضات بشأن حل الدولتين.
دوافع الكرامة
أما عن الأسباب التي دفعت المقاومة الفلسطينية لشن هجوم "طوفان الأقصى" على إسرائيل، فهي تشمل:
- الرد على "الانتهاكات الإسرائيلية في المسجد الأقصى والأراضي الفلسطينية"، وخاصة الاقتحامات المتكررة للمستوطنين وشرطة الاحتلال للمسجد الأقصى، والتعدي على المصلين والمصاحف والمنشآت الدينية.
- الانتفاضة ضد "الاحتلال الإسرائيلي" و"الاستيطان" و"التهجير" و"الهدم" و"الاعتقال" و"الأسر"، التي تمارسها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني في ظل صمت دولي وعربي.
- إظهار قوة المقاومة الفلسطينية وقدرتها على تغيير معادلة الصراع مع إسرائيل، وإجبار إسرائيل على التفاوض على أساس حل الدولتين وإنهاء الاحتلال.
- استغلال حالة التشتت والضعف التي تعاني منها إسرائيل بسبب الأزمة السياسية والانقسامات الداخلية، وخروجها من حكومة نتنياهو المتطرفة.
تضامن عالمي
في عدة دول عربية وإسلامية وأوروبية وأمريكية، نُظمت وقفات ومسيرات تضامنية مع المقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني، رافعة شعارات ولافتات وأعلام فلسطين، ومطالبة بوقف العدوان الإسرائيلي والاعتراف بحقوق الفلسطينيين في الحرية والكرامة والتحرير.
وفي مصر، هتفت جماهير نادي الأهلي المصري لكرة القدم في ملعب برج العرب بالإسكندرية، دعمًا للمقاومة الفلسطينية، قائلة: "بالروح بالدم نفديك يا فلسطين" و"بالروح بالدم نفديك يا أقصى"، أما في إسكتلندا، رفعت جماهير نادي سلتيك الأسكتلندي لافتتين كتبوا في الأولى: "الحرية لفلسطين"، وفي الثانية: "انتصار المقاومة".
في إيران، أضاء برج "الحرية" في طهران بالعلم الفلسطيني، وخرجت مسيرات تأييد لعملية "طوفان الأقصى". في لبنان، نظمت مختلف القوى السياسية والحزبية والشعبية وقفات تضامنية مع المقاومة الفلسطينية، مؤكدين على دور المقاومة في حماية المقدسات والشعب الفلسطيني.
تعاملت بعض الدول العربية مع أزمة طوفان الأقصى بالطرق التالية:
- مصر: تجري مشاورات مع وزيري الخارجية الأردني والسعودي لتكثيف جهود احتواء التصعيد في قطاع غزة، وتدعو إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس، وتحذر من تداعيات خطيرة نتيجة تصاعد حدة العنف، وتحث إسرائيل على وقف الاعتداءات والأعمال الاستفزازية ضد الشعب الفلسطيني.
- الأردن: يدين بشدة الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة، ويؤكد دعمه للشعب الفلسطيني في حقه في الدفاع عن نفسه، ويرفض أي محاولات لتغيير الوضع التاريخي والقانوني للمسجد الأقصى، ويطالب المجتمع الدولي بالتحرك لإنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
- السعودية: تدين بأشد العبارات الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة، وتؤكد تضامنها مع الشعب الفلسطيني في مواجهة هذا العدوان، وتحمل إسرائيل المسؤولية الكاملة عن تدهور الأوضاع، وتطالب بوقف فوري لإطلاق النار، وتجديد عملية السلام بما يحقق حل الدولتين.
مصير مجهول
ردود الفعل داخل فلسطين على عملية طوفان الأقصى كانت متباينة بين الفرح والقلق والحزن. فمن جهة، هناك من احتفل بالهجوم واعتبره نصرًا للمقاومة الفلسطينية وردًا على الانتهاكات الإسرائيلية في المسجد الأقصى والأراضي الفلسطينية. ومن جهة أخرى، هناك من خشي من تداعيات الهجوم على المدنيين الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، وانتقد حماس لتوريطها الشعب الفلسطيني في مغامرة غير محسوبة العواقب.
نشرت حركة حماس صورًا وفيديوهات لأهالي غزة يخرجون إلى الشوارع والساحات للاحتفال بالهجوم، ويرفعون شعارات تحية للمقاومة وتهديد لإسرائيل. كما نشرت صورا لأسرى إسرائيليين مقيدي الأيدي والأقدام، وقالت إنها ستستخدمهم كورقة ضغط لإطلاق سراح أسرى فلسطينيين من سجون إسرائيل.
وأعربت حركة فتح، التي تقود السلطة الوطنية الفلسطينية، عن قلقها من تصعيد العنف في المنطقة، ودعت إلى ضبط النفس والعودة إلى مسار التفاوض، كما حذرت من أن عملية حماس قد تؤدي إلى تشجيع إسرائيل على تصعيد المستوطنات والهدم والتهجير في الضفة الغربية.
ونشر أيضًا نشطاء فلسطينيون صورًا وفيديوهات لضحايا القصف الإسرائيلي على غزة، وخاصة الأطفال والنساء، وطالبوا بإدانة المجتمع الدولي لـ "الإبادة" التي تمارسها إسرائيل بحق المدنيين، كما نشروا قصصا مؤثرة عن أشخاص فقدوا أحباءهم أو منازلهم أو حلمهم بسبب الحرب.
البحث عن مشهد النهاية
وفي السياق، يقول الدكتور عبد المجيد شراقة، أستاذ القانون الدولي، إنه يمكن للمجتمع الدولي أن يساهم في حل أزمة طوفان الأقصى، من خلال الضغط على إسرائيل لوقف العدوان على قطاع غزة والاعتداءات على المسجد الأقصى والشعب الفلسطيني، والالتزام بالقوانين والمواثيق الدولية وحقوق الإنسان، بجانب التدخل لوقف إطلاق النار بين المقاومة الفلسطينية والجيش الإسرائيلي، وإرسال قوات حفظ سلام دولية لحماية المدنيين والمنشآت الحيوية في غزة والضفة الغربية.
ويستكمل "شراقة" حديثه لـ "الدستور"، موضحًا أنه يجب أيضًا تقديم المساعدات الإنسانية والطبية والغذائية للفلسطينيين المتضررين من الحرب، وإعادة إعمار ما دمره القصف الإسرائيلي، ودعم التعافي الاقتصادي والاجتماعي للقطاع، فضلًا عن إحياء عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بما يحقق حل الدولتين وإنهاء الاحتلال والصراع، وفق المرجعيات الدولية ومبادرة السلام العربية.
ويرى أستاذ القانون الدولي، أن الخطوات التي يجب اتخاذها لإحلال السلام في المنطقة، تشمل دعم جهود التوصل إلى حل سياسي شامل وعادل للقضية الفلسطينية، بما يحقق حل الدولتين وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي والاستيطان والانتهاكات بحق الشعب الفلسطيني، وفق المرجعيات الدولية ومبادرة السلام العربية.
ويستطرد: "من المفترض أيضًا تعزيز التعاون والحوار بين الدول العربية وإسرائيل، بما يسهم في تخفيف التوترات وبناء الثقة والتفاهم المشترك، والاستفادة من فرص التكامل والشراكة في مختلف المجالات، مثل الاقتصاد والتجارة والطاقة والبيئة والصحة والتعليم".
وينوّه "شراقة" إلى أهمية دعم جهود إحلال السلام في الدول التي تشهد نزاعات أو حروب أهلية في المنطقة، مثل سوريا واليمن وليبيا والعراق، بما يحفظ سيادتها ووحدتها وسلامة أراضيها، ويضمن حقوق شعوبها في الحرية والكرامة.
ويختتم: "نأمل أن يتم تشجيع ثقافة التسامح والحوار بين مختلف المذاهب والأديان في المنطقة، بما يؤكد على قيم التعددية والانفتاح والتآخي، ويرفض كل أشكال التطرف والإرهاب والكراهية".