أغضبهم موقف الصين!
موقف الصين من التصعيد الجارى بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فى الأرض المحتلة، لم يُغضب فقط يوفال واكس، «المسئول الكبير بالسفارة الإسرائيلية فى بكين»، الذى قال إنه كان يتوقع «إدانة قوية» للفلسطينيين، بل أغضب، أيضًا، تشاك شومر، زعيم الأغلبية فى مجلس الشيوخ الأمريكى، الذى أعرب عن خيبة أمله، من بيان الخارجية الصينية، الذى «لم يُظهر أى تعاطف أو دعم لإسرائيل خلال هذه الأوقات العصيبة»!
على رأس وفد يضم عددًا من أعضاء المجلس، زار «شومر» العاصمة الصينية، بكين، واستقبله وانج يى، وزير الخارجية الصينى، أمس الإثنين. وطبقًا لما نقلته وكالة «رويترز»، فقد قال الأول مخاطبًا الأخير، خلال اللقاء: «أحثكم والشعب الصينى على الوقوف مع الشعب الإسرائيلى وإدانة هذه الهجمات الوحشية»، فى إشارة إلى الهجمات واسعة النطاق، التى شنتها الفصائل الفلسطينية على المستوطنات الإسرائيلية. بينما نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن وزير الخارجية الصينى، أنه يأمل فى أن تساعد هذه الزيارة «الولايات المتحدة على فهم الصين بشكل أدق»، وأن تمكّن البلدين من إدارة الخلافات القائمة بينهما بشكل أكثر عقلانية.
زيارة المسئول الأمريكى، رفيع المستوى، العاصمة الصينية، تأتى بعد ثلاثة أسابيع من لقاء جرى فى مالطا، بين وزير الخارجية الصينى وجيك سوليفان، مستشار الأمن القومى للبيت الأبيض، وهو اللقاء الذى قيل إنه وضع أساس الاجتماع المرتقب، بين رئيسى البلدين، فى نوفمبر المقبل. كما تأتى الزيارة، أيضًا، بعد ثلاثة أشهر تقريبًا من زيارة هنرى كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكى الأسبق، والأشهر، التى تزامنت مع وجود جون كيرى، المبعوث الأمريكى للمناخ، فى بكين، والذى كان ثالث مسئول كبير فى إدارة بايدن يزور العاصمة الصينية، خلال العام الجارى، بعد وزيرة الخزانة، ووزير الخارجية.
المهم، هو أن الخارجية الصينية كانت قد أكدت، أمس الأول الأحد، أن الاشتباكات المتكررة بين الفلسطينيين والإسرائيليين تثبت أن الركود طويل الأمد فى عملية السلام غير قابل للاستمرار، ودعت كل الأطراف إلى «الهدوء» و«وقف إطلاق النار فورًا»، وطالبت بإرساء حل الدولتين، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة. وأمس الإثنين، قال ماو نينج، المتحدث باسم الخارجية الصينية، إن بلاده تراقب الصراع و«تعارض العنف والهجمات»، مكررًا أن الطريق الصحيح، للمضى قدمًا، هو تنفيذ حل الدولتين، ثم شدّد على ضرورة أن يتحرك المجتمع الدولى لتهدئة الأوضاع، مؤكدًا أن الصين ستواصل بذل الجهود الحثيثة لتحقيق هذه الغاية.
هنا، قد تكون الإشارة مهمة إلى أن الوساطة الصينية استطاعت إذابة الجليد بين السعودية وإيران، فى مارس الماضى، ونقلت العلاقات بين البلدين من حافة الهاوية إلى شاطئ التسوية، وكسرت ارتباطها بالتفاهم الإيرانى الأمريكى. ووقتها، وصف وزير الخارجية الصينى تلك الخطوة بأنها «انتصار للحوار، وانتصار للسلام»، وأكد أن بلاده ستواصل لعب دور بنّاء فى القضايا الدولية الساخنة وإظهار مسئوليتها كأمة كبرى.
بإحراز هذا الهدف التاريخى فى منطقة الشرق الأوسط، أو بهذا الانتصار الدبلوماسى فى المنطقة التى كانت الولايات المتحدة تسيطر على جغرافيتها السياسية، استهل الرئيس الصينى شى جين بينج فترته الرئاسية الثالثة، التى كنا قد أشرنا إلى أنه سيواصل خلالها تنفيذ منهجه، تصوّره، أو فكره «حول العصر الجديد»، الذى تم تضمينه فى ميثاق الحزب الشيوعى الصينى، والذى يهدف إلى «جعل الصين أكثر انضباطًا داخليًا، وذات دور أكبر خارجيًا». كما أرجعنا نجاح الوساطة الصينية بين السعودية وإيران، إلى العلاقات الجديدة، الجادة والجيدة، التى بنتها بكين، بهدوء وحذر، لكن بثبات، مع المنطقة، والقائمة على الاحترام المتبادل، وعدم التدخل فى شئون الدول الداخلية، أو محاولة تصدير أفكار غير ملائمة.
.. أخيرًا، قيل إن زيارة وفد مجلس الشيوخ الأمريكى، ككل الزيارات السابقة لكبار المسئولين الأمريكيين، وزيارة كيسنجر أيضًا، تهدف إلى تخفيف التوترات بين واشنطن وبكين، بينما يقول الواقع، وعشرات الوقائع، إن الولايات المتحدة لم تتوقف عن محاولات تحجيم الصين، أو عن تدخلاتها فى شئونها الداخلية، سواء بزعم الدفاع عن حقوق الإنسان، أو دعم الديمقراطية فى تايوان، أو بأى مزاعم أخرى.