البطل العريف أحمد حامد: بنينا كوبرى على القناة فى 20 دقيقة.. وأول مَنْ عبر عليه الأسرى الإسرائيليون وسط هتافات «الله أكبر»
وثّق العريف أحمد حامد عمر حميدة، أحد أبطال حرب أكتوبر، شهادته عن نصر أكتوبر المجيد، بعد مرور ٥٠ عامًا على الحدث العظيم، مؤكدًا أنه كان واثقًا من قدرة الجيش المصرى على العبور وتحقيق النصر، خاصة بعد التدريبات الشاقة التى خاضها مع زملائه، وتوفيق الله الذى لازمهم من أول لحظات الحرب، وحتى فى أصعب لحظات حصار السويس.
وقال «حميدة»، فى حديثه لبرنامج «الشاهد»، الذى يقدمه الإعلامى الدكتور محمد الباز على فضائية «إكسترا نيوز»، إن قوة المصريين كانت أقوى من سلاح العدو الإسرائيلى، موضحًا أن تركيب أول كبارى العبور تم فى وقت قياسى، ولم يستغرق أكثر من ٢٠ دقيقة، وكان أول من مر عليه هم الأسرى الإسرائيليون.
■ متى التحقت بالقوات المسلحة المصرية؟
- جُندت عام ١٩٧١ فى سيدى جابر بمحافظة الإسكندرية، وتم توزيعى على سلاح المشاة بهيئة قيادة السيارات، لأنه كانت لدىّ فكرة عنها، ومكان وحدتى كان فى عزبة الوالدة فى وادى حوف فى الجبل فى السويس، مع اللواء الشهيد أحمد حمدى.
■ متى بدأت التدريبات على استخدام وتركيب الكبارى سريعة الإنشاء؟
- توجهت مع وحدتى إلى الإسكندرية لتسلم العربات المستخدمة فى كبارى حرب أكتوبر من الجمرك، ثم توجهنا بالكبارى إلى المخازن، وبعدها تسلمنا الدفعة الثانية، لأن كل قطعة كانت حوالى «٢٧ حتة»، وكانت الكبارى الروسية سريعة الإنشاء، وكنا نتدرب فى الريّاح التوفيقى والقناطر الخيرية فى النيل، وذلك قبل الحرب بـ٦ أشهر، وكان التدريب طبيعيًا ولا نعرف أننا كنا نستعد للحرب.
والسوفيت كانوا يدربوننا على استخدامها، وحصلنا على نصف تدريب، ثم تم ترحيل السوفيت من البلد قبل الحرب، ثم بدأنا نجمع الأفكار عن تركيب الكبارى.
والتدريب كان على تركيب الكبارى سريعة الإنشاء المستخدمة فى حرب أكتوبر ١٩٧٣، وكان التركيب يأخذ حوالى ساعة إلا ١٠ دقائق، لكن بمشيئة الله فى الحرب استغرق التركيب ٢٠ دقيقة فقط، وعربات الكبارى كانت ٢٥٥ حصانًا، وكانت لدىّ خبرة فى تركيب عجل السيارات، ونزلت العجلة بالونش أثناء التدريب فى ١٢ دقيقة، وكنت وقتها «عسكرى مستجد»، فحصلت على ترقية بسبب ذلك.
وأخذنا فترة فى التدريب ثم رجعنا إلى وادى حوف قبل الحرب بحوالى ١٠ أيام، وكان لدّى إحساس كامل بأننا سنحارب ونعبر، وشعرت وقتها بأن الحرب اقتربت؛ لأننا سنذهب لتركيب الكبارى فى القناة والعدو أمامنا.
وكتبت جوابًا لوالدى، وقُلت له: «إن شاء الله سنذهب إلى السويس، وسنعود بعد تحقيق النصر»، وكان عندى يقين كامل بذلك، وسافرنا إلى السويس، وكنّا نقوم بمهام استطلاع الطرق.
ومن أهم أسباب نجاح معركة ٦ أكتوبر السرية التامة، فحتى القادة لم يكونوا يعلمون عن الحرب حتى يوم ٦ أكتوبر فى تمام الساعة الواحدة والنصف، والحرب كانت الساعة الثانية، أى قبل الحرب بنصف ساعة فقط، وقبل الحرب بربع ساعة كنا نستعد، وجهزنا أنفسنا لكى نصل مبكرًا، وفى تمام الساعة الثانية عبر الطيران المصرى من فوقنا، وبدأنا فى تركيب الكبارى المستخدمة فى الحرب بعد عبور الطيران المصرى لتنفيذ الضربة الجوية الأولى.
وكلمة «الله أكبر» لم يكن متفقًا عليها فى الحرب، وكلنا كنا نقول بصوت عالٍ: الله أكبر، وكنا أسودًا ولدينا شجاعة خارقة، وكنا شبابًا قويًا يريد استرداد أرضه.
■ كم من الوقت استغرق بناء أول كوبرى فى الحرب؟
- نفذنا بناء الكوبرى فى أقل من ٢٠ دقيقة، وانتظرنا القوات لفتح الساتر الترابى لتوجيه الكوبرى، وأول مَن مروا عليه كان الأسرى الإسرائيليين، وقواتنا دخلت إلى نقاط العدو وأحضروهم كما هم، وتعاملنا معهم كان طيبًا.
وبعدها، بدأ دخول قوات المدفعية والدبابات والمدرعات والتعيينات وكل شىء، وفى اليوم التالى بدأ الطيران الإسرائيلى يضرب، وكنا نشاهد طيارات العدو تسقط من حائط الصواريخ المصرية، وكان الهدف الأساسى تدمير الكوبرى الذى يمد الجبهة بكل شىء، وكان الكوبرى كل ما يضرب نصلحه، وشعرنا من يوم ١٢ أكتوبر بأن أمريكا تساعد إسرائيل بكل الطرق.
■ ما شهادتك حول فترة حصار السويس؟
- ذهبت أنا وزميلى سيرًا على الأقدام إلى السويس، ووجدنا ملجأ فقررنا البقاء فيه حتى طلوع الفجر، لأنه كان من الممنوع الدخول على زملائنا ليلًا، ونمت على الأرض لمدة خمس دقائق، وقبل الفجر تحركنا ودخلنا الحى الإفرنجى بمدينة السويس، وبعدها علمت أن الإسرائيليين فى طريقهم لدخول السويس، وكانت معى ٤ قنابل يدوية، وبندقية رشاش أخذتها من أحد الشهداء، وعندما وصلنا إلى حى الأربعين وجدنا فى وجه القسم الأول دبابة، وتم ضربها وتدميرها رغم أنه لم تكن معنا مدفعية ولا «آر بى جى»، ولكنه نصر من الله.
والدفاع الشعبى فى السويس اشترك معنا فى صد العدوان الإسرائيلى عن قسم الأربعين بالمحافظة، كما أن العمائر بالسويس كانت تلقى قنابل مولوتوف على الدبابات، وتم تدمير ٣٦ دبابة، وبعدها خاف الإسرائيليون من دخول السويس.
وقد رأيت موشيه ديان وجولدا مائير يلتقطان الصور بالقرب من السويس خلال فترة الحصار، وقد كانا يريدان إيصال الصورة بأنهم قد وصلوا إلى السويس.
وأثناء وجودنا هناك، دخلنا فى شارع اسمه زين العابدين فى حى الأربعين، ووجدنا شقة كانت ملكًا لعريس وعروس، لكنهما تركاها عند الحرب.
وعندما حاصرنا العدو الإسرائيلى، وأغلق علينا ترعة السويس حتى تنقطع المياه، كما قطع الكهرباء، والإمداد، كنا نشرب من الترع وكانت المياه خضراء، ولكن عندما كنا نشربها كنا نجدها أفضل من المياه المعدنية، كما أننا كنا نأكل الخبز المسوس الذى تركته الناس التى هاجرت، وكنا ننظفه ونأكله، ولكننا كنا نشعر بأن طعمه يشبه الفطير المشلتت.
■ كيف تمت إصابتك؟
- تطوعت فى قوات خاصة أثناء فترة حصار السويس، وحصلت على فرقة تدريب، وكانت أول عملية لى بعد الفرقة فى بداية عيد الفطر، وخرجت إلى الخدمة فى الساعة الخامسة صباحًا، وكان العدو الإسرائيلى أمامنا فى إحدى المدارس، وكان يفصل بيننا وبينهم حوالى ٥٠ مترًا، وكانوا يخربون البيوت، وقد صعدت لأول منزل أمامهم فوجدت مدفعًا و«قُفة» بها ذخيرة.
وكانت بلكونات البيوت فى السويس خرسانية، فقمنا بعمل فتحة فى بلكونة المنزل على مقاس فوهة المدفع، وكان المنزل أمام المدرسة، وكانت خدمتى من الساعة الخامسة صباحًا حتى الخامسة مساءً، وخلال هذا التوقيت كنت أضرب أى عدو إسرائيلى أراه، وقد تركونى طوال مدة خدمتى دون أن يضربوا علىّ طلقة رصاص واحدة، لكنهم ضربوا بمدفع هاون، وقسموا المنزل الذى كنت موجودًا فيه، وكل ما استطعت عمله فى هذا التوقيت هو أننى قمت بحل القنابل اليدوية التى كانت بجوارى، وجعلتها بعيدة عنى، وفجأة وجدت أن سور البلكونة قد انهار، ووجدت نفسى أقع فى منور المنزل.
وخلال فترة وقف إطلاق النار، دخلت عناصر أجنبية على حدود القتال بيننا وبين إسرائيل، حتى تقوم بتدوين أى اعتداءات تحدث من أى من الطرفين، وبالتالى وبعد إصابتى وجدت الإسعاف قد وصل، لأنه كان يصل لأماكن الضرب، فركبت فى عربة الإسعاف دون أن أشعر بأى شىء، وأخذونى إلى مستشفى السويس.
وكانت ذراعى بها حوالى ١٧ شظية، فأخرجوا بعضها فى المستشفى وسألونى: هل ستبيت فى المستشفى؟، فقلت لهم إننى سأغادر وسآتى فى الصباح، فقد رأيت فى المستشفى من فقد يده أو رجله وإصابات صعبة، بالإضافة إلى الشهداء، وبالتالى كانت إصابتى مجرد «خرابيش» بالنسبة للباقين.
وقد خرجت من المستشفى وذهبت إلى أحد المنازل وجلست فيه حتى الصباح، ولكن كان يوجد ألم كبير فى ذراعى، فذهبت ثانية إلى المستشفى لإخراج الشظايا.
وأنا عشت فى السويس خلال فترة الحصار، الذى استمر لمدة ١٠١ يوم، وقد كانت السويس خلال هذه الفترة معزولة تمامًا، وعندما انفك الحصار تجدد الأمل لدينا، وفى صباح اليوم التالى وجدنا المشير أحمد بدوى فى القصر الثقافى، وقد توجه إلينا بتحية شكر، وقد كان هو، والشهيد أحمد حمدى الذى كان قائدنا، لهما فضل كبير فى هذا النصر الربانى، الذى هو من عند الله سبحانه وتعالى، فمصر مذكورة فى القرآن الكريم ولن تضيع.
■ كيف كانت الحياة على الجبهة وسط القتال المستمر؟
- الحياة على الجبهة كانت أحلى حياة عشتها، ولم أكن أعرف حتى أهلى، وكان كل تركيزى فى الحرب والشجاعة والقوة الخارقة التى تملكتنا، فقد كنا نأكل ونشرب ويصلنا التمويل، وكان الجميع يقوم بدوره بسعادة، وكنت أتمنى الشهادة حتى إنى تطوعت بعدها طلبًا للشهادة فى السويس. وأذكر أنه قبل حرب أكتوبر بحوالى أسبوع كان معى زميل يُدعى «مسعد»، وهو من حارة اليهود، ووالدته طلبت مقابلتى، وعندما زرتها قالت لى: «خلى بالك من مسعد أخوك». وخلال الحرب، كان الطيران الإسرائيلى يضرب بشراسة، وكانت توجد حفر برميلية للاحتماء بها، ولكن «مسعد» زميلى احتمى بأحد البيوت الطينية، ولكنه أصيب وكان يحتاج إلى مساعدة، ورغم تعبى إلا أننى تذكرت وصية والدته، فحملته ونقلته للإسعاف.
ونحن لم نكن نعرف معنى النوم، والنصر كان نصرًا ربانيًا، لأن المصريين كانوا يحاربون أمريكا وإسرائيل بأسلحتهما القوية، ونحن بالسلاح الروسى، ولكن قوة المصريين كانت أقوى من سلاح العدو، لأن الناس الطيبة كانت تدعوا لنا بالنصر، والجميع يقول: «يا رب»، ولهذا لم يتركنا الله.