"طوفان الأقصى".. تكتيك قديم لعمل عسكرى جديد (تحليل إخبارى)
قبل ثلاثة أشهر، لم يكن يعلم كبار المسئولين في الأجهزة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية أن تحذيراتهم المعلنة بشأن - امتناع 10 آلاف من قوات الاحتياط عن التطوع في الخدمة العسكرية الاحتياطية، إلى جانب إضراب وحدة استخبارات النخبة 8200، وكذلك مقاطعة نخبة طياري سلاح الجو الإسرائيلي للتدريبات - احتجاجًا على التعديلات القضائية التى أصر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على تمريرها، أنها ستكون رأس حربة الخطة التى اختمرت فى عقول الفلسطينيين لاستغلالها في هجوم تكتيكي مختلف أشبه بالمقولة الشهيرة في فيلم "الممر" للفنان أحمد عز "إحنا مش هندافع.. إحنا هنهاجم".
ولمن لا يعرف، يعتبر جنود الاحتياط في إسرائيل مكونًا رئيسيًا لقواتها العسكرية، وغالبًا ما يقومون بأدوار في الخطوط الأمامية، وفي حالة القوات الجوية، يشاركون بانتظام في عمليات قتالية نشطة وهو السلاح الذى تمكن الفلسطينيون من تحييده فى عملية "طوفان الأقصى" باعتباره أهم قوة عسكرية لدى إسرائيل، عبر التخطيط الدقيق والمحكم لخطة سرية تعتمد على الخداع والسرعة، وترتكز على استراتيجيات جديدة، فإلى جانب القصف الصاروخي، تتم عملية إنزال مظليين على المستوطنات، والعمل بقوة للسيطرة على مناطق ميدانية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلّة.
هذه المرة بدأ المشهد بشكل عكسي، في السادسة والنصف من صباح السبت، كأن الفلسطينيين قد استعانوا بمقولة الجنرال العسكري الألماني "كارل فون كلاوزفيتز" في كتابة "عن الحرب"، والذي يعد المرجع الأساسي لقادة الحرب وتلاميذها طوال القرن التاسع عشر: "العمود الفقري لأي مفاجأة في الحرب هو السرعة والسريَّة"، أعياد في إسرائيل وانشقاقات في الجبهة الداخلية بتل أبيب ومظاهرات مستمرة لأكثر من 40 أسبوعًا، توقيت مثالي ودقيق لشن هجوم عسكري مباغت فى ساعات مبكرة من اليوم بعد أنباء متواترة على مدار الأسبوعين الماضيين بمناقشات تدور فى عقل نتنياهو لتوجيه ضربة إلى غزة، لكن هذه المرة استبقت الفصائل الفعل الإسرائيلي.
كيف بدأت عملية "طوفان الأقصى"؟
بحسب موقع "واللا" العبري فإن مسئولًا أمنيًا إسرائيليًا كشف عن انقطاع في شبكة الاتصالات بين تشكيلات الجيش الإسرائيلي على حدود غزة، وتكتيكيًا لا يحدث ذلك إلا عبر هجوم سيبراني منظم ومحترف لاختراق الأنظمة التكنولوجية للاتصالات على غرار ما حدث في بداية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، أو عبر اختراق فني للسيطرة على أنظمة الاتصال، لتبدأ العملية العسكرية بهجوم مباغت سبقه تمهيد نيراني كثيف وكبير بالمدفعية الصاروخية؛ للمساهمة في تحييد منظومة القبة الحديدية الدفاعية، وأجبر الجنود الإسرائيليين على البقاء في المخابئ حتى وصل المقاتلون الفلسطينيون باستخدام المركبات الخفيفة والدراجات النارية إلى أهدافهم.
برًا وبحرًا وجوًا، كان الدخول والعبور إلى الناحية الأخرى من السياج الحديدي الفاصل سهلًا وكأنه قد تم التدريب والإعداد له مسبقًا مرات عديدة، باستخدام الدراجات النارية تارة وبالقوارب تارة أخرى، وجوًا للمرة الأولى عبر "سرب صقر" الذي يشبه الخفاش الطائر المظلي (وهي قوات محمولة جوًا تتنقل عن طريق مقعد يحمل فردين ترفعه في الهواء مروحة كبيرة ومظلة).
استراتيجيًا وتكتيكيا، يمكننا أن نقول إن الفلسطينيين قد اختبروا العديد من التكتيكات في الماضي والتي شملت تفجيرات انتحارية وحفر أنفاق تصل إلى إسرائيل، ورشقات صاروخية اعتيادية وعبور على استحياء، لكن تلك المرة كان كل شىء متزامنًا خادعًا وشجاعًا لأقصى درجة ممكنة، وتوغل لنحو 40 كم فى عمق الأراضي الإسرائيلية، مع إظهار القوة الضاربة لصواريخ "رجوم" التي ظهرت للمرة الأولى المشابهة للصواريخ كاتيوشا ومدون عليها أنها عيار 107 ملم، بالإضافة لمسيرات تحمل قنابل خفيفة للمرة الأولى لاستهداف الجنود الإسرائيليين.
تذهب الكثير من التحليلات إلى أن عملية "طوفان الأقصى" قد تتشابه مع خطة "المآذن العالية" الذي وضعها الفريق سعد الشاذلي، رئيس أركان الجيش المصري، قبل أكثر من 50 سنة فى عملية العبور بحرب أكتوبر 1973، والتي تم تطويرها فيما بعد إلى "العملية بدر"، وتعتمد على غطاء صاروخي في مدى تغطية قصير ودخول عناصر المشاة برًا، ورغم الاختلاف في الأهداف في حجم القوى، إلا أن آراء تذهب إلى الربط بينهما.