حرصوا على اصطحاب جرار الخمور للآخرة.. حكايات النبيذ فى مصر القديمة
تحدث الدكتور شريف شعبان عن حكايات النبيذ في مصر القديمة، وذلك بعد انتشار كشف أثري لنبيذ عمره 5000 عام، وكيف أنه بقي صالحا وتم تعتيقه.
ويقول شريف شعبان:" يرجع تاريخ صناعة النبيذ في مصر إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد تقريبا، فقد بدأت صناعة النبيذ الملكي في منطقة دلتا النيل بعد إدخال زراعة العنب من بلاد الشام عام 3000 قبل الميلاد تقريبا، المصري القديم عرف نحو خمسة أنواع من النبيذ. ويعرف النبيذ في اللغة المصرية القديمة باسم "إيرب".
ويضيف في تصريح خاص لـ"الدستور": "أرجع المؤرخون دخول تلك الصناعة إلى التبادل التجاري بين مصر القديمة والكنعانيين خلال عصر الأسرة الثالثة، بداية حكم الدولة القديمة، وهو ما يوازي أوائل العصر البرونزي، أي بداية من القرن 27 ق.م على الأقل إلا أنه خلال أيام تم الكشف عن المئات من جرار النبيذ ضمن محيط مقبرة الملكة ميريت نيت بأبيدوس. ووجود هذا الكم من الأواني التي كانت تحتوي على النبيذ دليل على استخدام المصريين القدماء للنبيذ منذ العصر المبكر والأسر الأولى.
وواصل: "وقد سجل المصريون مشاهد صناعة النبيذ على جدران المقابر طيلة الحضارة المصرية القديمة وهو ما دل على مدى أهمية النبيذ عند المصريين القدماء ورغبتهم في اصطحاب جرار النبيذ معهم في رحلتهم للعالم الآخر والتزود بها لإكمال عيشهم هناك، فنجد مناظر في موقع البرشا الأثري ترجع لعهد الأسرة الـ12، إضافة إلى مناظر مقابر بني حسن بمحافظة المنيا بصعيد مصر. أما مناظر ترجع للدولة الحديثة فهي على درجة كبيرة من الأهمية حيث نعرف منها مراحل تصنيع النبيذ، إذ تبدأ بمرحلة جمع عناقيد العنب الكبيرة في سلال يحملونها على ظهورهم، ثم ينقلونها إلى مكان العصر، ثم يفرغونها في أوعية كبيرة، ويقوم الرجال بدوس العنب بأرجلهم.
وأكد: "تشير الدلائل الأثرية إلى أن المصريين القدماء قد عرفوا العديد من أنواع النبيذ المصنعة بجانب العنب، فهناك نوع يصنع من البلح، ويسمى في صعيد مصر حتى الآن "عرقي"، ونبيذ النخيل ويصنع من عصارة شجرة النخيل. وهناك نبيذ النخيل والذي كان يتألف من عصارة شجرة النخيل ويحصل علي هذه العصارة بعمل حز في جمار الشجرة تحت قاعدة أغصانها العليا مباشرة وإن السوائل فور أخذه من النخلة لا يكون مسكرًا ولكنه يكتسب هذه الصفة بالتخمر عند ما يستبقي. أما النبيذ الأبيض فلدينا ما يثبت وجود خمس أمفورات طينية تحتوي على نبيذ أبيض في مقبرة الملك توت عنخ أمون، لذلك يرى المؤرخون أنها كانت متاحة لدى المصريين من خلال التجارة على الأقل إذا لم تكن تصنع محليا.
واختتم: "أما ارتباط النبيذ بعام المعبودات المصرية، فتذكر الأسطورة أن المعبود رع اكتشف أن بني البشر يحيكون مؤامرة ضده لأنه صار عجوزا، وبث فيهم حزنه وغضبه الشديد ورغبته في معاقبة بني البشر، وبعد مشاورات استقر رأي المعبودات على إرسال عين المعبود المقدسة حتحور لمعاقبة البشر، وقد تحولت للربة سخمت التي اتخذت شكل أنثى الأسد لتهاجم وتقتل كل من تراه من البشر، ولكن رع شعر بالرحمة على البشر، وحاول إيقاف حتحور ولكن دون جدوى، حينها أمر رع بإحضار كميات كبيرة من الطَفلة الحمراء من الفنتين، وأمر بطحنه وخلطه بالنبيذ ليصبح شبيها بالدم، لتملأ منه المئات من القوارير، وتحمل قوارير الجعة إلى المكان الذي تسكنه حتحور، وقبل الصباح استخدم رع قدرته فيفيض النبيذ مثل الطوفان في الحقول، وحين استيقظت حتحور لتواصل عملها في قتل البشر، شاهدت النبيذ فتعتقد أنه دم بشري، فشرب منه حتى الثمالة وغابت عن الوعي، وتوجهت مجموعة من المعبودات لتكبيلها وإحضارها وإعادتها إلى هيئتها الأولى واسترداد النظام الكوني.