أسوأ أيام الأعداء واللقطاء
برفع العلم المصرى على الضفة الشرقية لقناة السويس، فى مثل هذا اليوم منذ نصف قرن، ارتفعت هامات كل المصريين، وتوارى أعداؤهم خلف تنظيمات أو كيانات، يصعب ربطها، نظريًا، بالدول التى تحركها، واستخدموها فى محاولة استكمال مشروع التوسع، بالسيطرة على المناطق المضطربة أو المتوترة، والذى انطلق بعد الحرب الباردة، وكاد ينجح أو يكتمل، لولا قيام ثورة ودولة ٣٠ يونيو، وصعود قوى دولية أخرى، عرقلت تنفيذ هذا المشروع، واستطاعت تغيير موازين القوة ومنظومة القيم الضابطة للعلاقات الدولية.
هذا، إذن، هو أسوأ أيام الأعداء واللقطاء، وأكثرها سوادًا. والذى سيظل محل فخر واعتزاز كل المصريين، المصريين فعلًا، والذى يربطه بثورة ٣٠ يونيو، أيضًا، ما تحقق، ولا يزال، على أرض سيناء، التى كانت تعانى فراغًا سكانيًا، نتيجة غياب المرافق أو الخدمات. وسبق أن أوضحنا أنها حين عادت «كاملة لينا»، سنة ١٩٨٢، عادت بقيود الحدود الآمنة، لا بقيود الحدود الجغرافية أو السياسية. وبالتالى، ظلت منزوعة أو «مكتوفة» السلاح، ومرتعًا للإرهابيين، إلى أن استعادت مصر عافيتها السياسية والعسكرية. بالضبط، كما ظل حلم التعمير حبيس الكتب والدراسات، حتى استعادت الدولة عافيتها الاقتصادية واستردت قرارها السياسى، وحدث التحرير الثانى لأرض الفيروز بمشروعات قومية عملاقة، على كل شبر منها، باستثمارات تزيد على ٧٠٠ مليار جنيه، ربطتها بالدلتا وجعلتها، مع مدن القناة الثلاث، امتدادًا طبيعيًا لوادى النيل.
فى مثل هذا اليوم، أيضًا، اغتالت رصاصات الغدر والخسة والخيانة الرئيس أنور السادات، الذى تمنى أن تكون حرب أكتوبر «هى آخر الحروب»، ثم خدعه أعداؤه، الذين صاروا حلفاءه، وشركاءه، فى دعم جماعة الإخوان ومن كانوا يصفونهم بالمجاهدين الأفغان، وباقى الإرهابيين، الذين لحقوا بهم من المنطقة العربية، الذين سيطروا لاحقًا، قبل وبعد ٢٠١١، على عدة دول، إلى أن أسقطهم المصريون فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣، بثورتهم المجيدة، وأسقطوا معهم مشروع «الشرق الأوسط الكبير»، الذى حاولت ثلاث إدارات أمريكية تحقيقه، وأدخلت به عدة دول فى حروب أهلية طاحنة، ودوامات من الفوضى، لا تزال مستمرة إلى الآن.
فى المرتين، فى حرب أكتوبر، وفى ثورة ٣٠ يونيو، أظهر شعبنا وعيًا غير محدود، واحتفظ بإيمان غير محدود، وكان ذلك هو الخط الفاصل بين النكسة والهزيمة، بوصف الرئيس السادات، فى خطاب النصر، الذى ألقاه بعد مرور ١٠ أيام من الحرب، وبعد أن بدأنا نحارب، مباشرة أو وجهًا لوجه، الولايات المتحدة، التى حاولت ولا تزال، أن تفرض مخططها الأكبر: إعادة صياغة الأوضاع فى منطقة الشرق الأوسط.
فعليًا وعمليًا، كانت الولايات المتحدة هى العدو الأساسى فى حرب أكتوبر، وتخطئ لو اعتقدت أنها تدخلت فقط، لمساعدة الإسرائيليين، لأن ما حدث كان مشاركة فعلية، سواء باستصدار قرارات مجلس الأمن بوقف إطلاق النار، التى لم تصدر، إلا ليقوموا بخرقها، ليحققوا مكاسب على الأرض، أو بالأسلحة الحديثة والمتطورة التى لم يتم استخدامها من قبل، أو «بشوكها» كما يُقال، والتى تدفقت عبر جسر جوى أمريكى، وأتاحت للإسرائيليين التموضع عسكريًا، شرق القناة، بالشكل الذى دعم موقفهم التفاوضى بعد وقف إطلاق النار.
.. أخيرًا، وحتى تكتمل الصورة، نشير إلى أن معسكر الأعداء ظل يسيطر على ٦٠٪ من حجم الاقتصاد العالمى، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، حتى سنة ١٩٩٥، التى بدأت بعدها هذه النسبة تتناقص، بالتوازى مع انتقال قلب اقتصاد العالم، تدريجيًا، إلى خارج ذلك المعسكر، الذى لا تزال حربه ضدنا مستمرة، عبر العملاء، الوكلاء، اللقطاء وأعداء الداخل، أو الشواذ وطنيًا أو سياسيًا، لو أردت مجاملتهم، الذين صار معتادًا أن يشككوا، بشكل صريح أو ضمنى، فى نصرنا الأعظم، ويشوهوا ثورتنا المجيدة، بل إن بعضهم لا يخجل من الإعلان عن تعاونه مع أعداء الخارج، والاستقواء بهم، بزعم أنه يعارض نظام الحكم القائم.. والدائم.