امرأة تُدعى جولدا
العنوان للمسلسل الأمريكى القصير، أو الفيلم التليفزيونى الطويل، «A womancalled Golda»، الذى تناول سيرة جولدا مائير، بمراحلها المختلفة، فى أكثر من ثلاث ساعات، وقامت ببطولته السويدية إنجريد برجمان، وأخرجه الكندى آلان حيبسون، وتم عرضه فى أبريل ١٩٨٢، وندعوك للبحث عنه ومشاهدته بدلًا من فيلم «جولدا»، Golda، البائس، الذى أخرجه الإسرائيلى جاى ناتيف، وأراد فقط أن ينفى مسئولية رئيسة الوزراء الإسرائيلية السابقة، عن هزيمة جيش الاحتلال فى حرب أكتوبر.
الفيلم الأحدث ليس عن جولدا، بل محاولة بائسة لتبرير الهزيمة الإسرائيلية، ومحاولة أكثر بؤسًا لتجميل تلك الإرهابية العتيدة، ولن نقول القبيحة، وتقديمها فى صورة المحبة للسلام، مع أنها هى التى أقرت «سياسة الاغتيالات» للمتهمين بتنفيذ الهجوم على الرياضيين الإسرائيليين فى ميونيخ، سنة ١٩٧٢، وبذلت كل ما فى وسعها لإجهاض رغبة الأمريكيين فى تطوير مبادرة روجرز. والطريف، أن البريطانى نيكولاس مارتن، مؤلف الفيلم، قال فى تصريحات صحفية إن بعض الإسرائيليين ما زالوا يتوجهون إلى أفراد عائلتها فى الأماكن العامة لتوبيخهم عن فشلها خلال سنوات رئاستها للحكومة!.
نقاد كثيرون، أكدوا أن «دور رئيسة الوزراء الإسرائيلية المسنة والمتهالكة»، من أسوأ أدوار البريطانية هيلين ميرين، الحاصلة على جائزة «أوسكار» أفضل ممثلة، سنة ٢٠٠٧، عن قيامها بدور الملكة إليزابيث الثانية فى فيلم «الملكة»، Queen، وأبدوا دهشتهم من تورطها فى هذا العمل الدعائى. كما رأى موقع «روتين تومتيز»، Rotten tomatoes، المتخصص فى تقييم الأفلام، أن الفيلم مجرد درس تاريخى، مخيب للآمال، وكتب الناقد البريطانى بيتر برادشو أنه ممل، وباهت، وقدم شخصية مائير بمنتهى السطحية.
العنوان الأنسب للفيلم، فى رأينا، هو «محاكمة جولدا»، الذى اختارته زميلتنا سارة شريف عنوانًا لمقالها الذى نشرته «الدستور»، السبت الماضى، والذى ذكرت فيه أن كثيرين، فى الدولة العبرية، يرونها «سيدة التقصير»، و«أم الخطايا»، و«أسوأ رئيسة وزراء فى تاريخ إسرائيل»، وأشارت إلى أن هناك مشروع قانون لإحياء ذكراها تقدمت به ميراف ميخائيلى، رئيسة حزب العمل، سنة ٢٠٢٠، ولم يتم الترويج له مطلقًا، كما لم يدعمه باقى الأحزاب. ثم نقلت عن المؤرخ يجال كيبنيس، مؤلف كتاب «١٩٧٣- الطريق إلى الحرب»، أن جولدا قدمت الكثير لإسرائيل، لكن لا أحد يتذكر لها سوى الهزيمة فى أكتوبر، لافتًا إلى أن أكبر دليل على فشلها هو أنها استقالت.. لماذا استقالت؟ لأنها علمت بفشلها ومسئوليتها عمّا حدث.
بالفعل، اضطرت رئيسة الوزراء الإسرائيلية السابقة إلى الاستقالة فى ١٠ أبريل ١٩٧٤ بعد مظاهرات ضخمة، وانهيار التحالف الحكومى الذى كانت تقوده. ولكون المخرج، جاى ناتيف، من مواليد سنة ١٩٧٣، رجّح البعض أن يكون هدفه من الفيلم هو توجيه اللوم، باسم جيله، إلى القيادات المتسببة فى تلك الهزيمة، التى أرجعها الفيلم، أو كاتبه البريطانى، إلى عنصر المفاجأة، ثم إلى الدعم الروسى المزعوم لمصر، وكانت سقطته الأكبر هى الادعاءات المتعلقة بثغرة الدفرسوار، التى تنسفها وثائق تاريخية وشهادات قادة عسكريين إسرائيليين، أكدت أنها كانت مجرد «عمل دعائى»، وأن خسائر قواتهم فيها زادت على تلك التى تكبدتها قواتنا، وأنهم صاروا فى مأزق صعب، بعد فشلهم فى احتلال الإسماعيلية أو السويس، ما دعا كيسنجر إلى زيارة القاهرة والدعوة إلى وقف إطلاق النار كى لا يخسروا صفوة جنودهم.
.. وتبقى الإشارة إلى أن هنرى كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكى الأسبق والأشهر، لم يضع أول وآخر امرأة تترأس الحكومة الإسرائيلية بين ستة قادة، ملهمين أو أنبياء، Prophets، حققوا تحولات تاريخية فى أوقات الأزمات، تناولهم فى كتابه «القيادة.. ست دراسات فى الاستراتيجية العالمية»، الصادر فى يونيو ٢٠٢٢، الذى كان نصيب الرئيس السادات فيه ٧٣ صفحة، ركزت على مسيرته السياسية، منذ ما قبل ثورة ٢٣ يوليو، وصولًا إلى استرداده أرض بلاده، بـ«مزيج بارع» من الخطط العسكرية والدبلوماسية.