توكيل للرئيس السيسى
أتابع عن قرب حركة جمع التوكيلات للرئيس السيسى فى فروع الشهر العقارى المختلفة.. التوكيلات أحد مسوغات الترشح لرئاسة الجمهورية، لكنها أيضًا ذات دلالة رمزية فى تاريخ المصريين.. فى ١٩١٩ اتهم الإنجليز رجال الوفد المصرى بأنهم غير ذى صفة فوقع لهم الشعب عشرات الآلاف من التوكيلات للحديث باسمه.. أول مرة أفكر فى توقيع توكيل للرئيس السيسى كانت فى بداية عام ٢٠١٣، كان فشل الإخوان فى الحكم قد بدا واضحًا وارتفعت درجة حرارة المجتمع حتى قاربت الغليان.. كانت هناك كيانات سياسية متعددة لكننى كنت أدرك أن الخلاص الوحيد هو فى تحالف الشعب والجيش وكل ماعدا ذلك قبض ريح.. سألنى زميل شاب فى جريدة الصباح ماذا سنفعل إزاء كل هذا التشرذم.. فأجبته باسمًا.. سنحرر توكيلًا باسم وزير الدفاع.. لم يكن فى الأمر أى دافع شخصى لكنها قراءة مجتهدة لتاريخ مصر وفهم لخصوصيتها السياسية.. رغم مرور كل هذه السنوات فما زلت متحمسًا لتوكيل الرئيس السيسى تقديمًا لانتخابه لولاية جديدة.. لذلك فى ذهنى حيثيات لا علاقة لها بالمشاعر الشخصية تجاه الرئيس والانحياز الشخصى له.. من هذه الحيثيات أن الرئيس أعاد الاستقرار والأمن للبلاد بعد فترة سيولة أمنية وسياسية شعر معها المصريون بالقلق على كيان الدولة المصرية الممتدة فى التاريخ لآلاف السنوات.. ومن هذه الحيثيات أيضًا أن الرجل تصدى بشجاعة ونجاح للتيارات الإرهابية التى أراها أهم عوائق التقدم فى مصر والتى كانت تشبه «البعبع» الذى يخيفون به الأطفال بينما هو مجرد شكل لا يملك لنفسه ضرًا ولا نفعًا.. من هذه الحيثيات أيضًا أننى أدرك من قراءة التاريخ أن الضغط على مصر وصل إلى ذروته فى مرحلة ما قبل الانتخابات لتخويف المواطنين على مستقبلهم.. وأننا إذا ما عبرنا هذه المرحلة بسلام فسيتعامل العدو قبل الصديق مع الأمر الواقع الذى فرضه المصريون وستمضى الأمور إلى التحسن التدريجى سواء بفعل تراجع التضخم العالمى أو بفعل وصول الرسالة لمن يمارس الضغط حاليًا آملًا أن يؤدى الضغط لتغيير إرادة المصريين.. من حيثيات استمرار الرئيس لولاية جديدة أيضًا أن مصر تواجه تحديات خطيرة، سواء من جهة المخاطر على مياه النيل أو الرغبة فى تهديد قناة السويس كممر مائى عالمى وكلا التحديين يتطلبان منا الوحدة الوطنية والاستقرار السياسى وإلا فإن الخسائر ستكون مضاعفة.. من حيثيات الدعوة لولاية جديدة للرئيس أيضًا إيمانى الشخصى بأن التحديات التى تواجهها مصر حاليًا هى من تداعيات إضعاف الدولة المصرية فى ٢٠١١ وفترة الفراغ التى استمرت حتى ٢٠١٤ تقريبًا، وبالتالى فإننى لا أرغب فى أن نعيد الكرة وأن ندخل فى فترة انتقال أو فراغ أو قفز للمجهول، بينما التحديات تحاصرنا والمتربصون ينتظرون منا هفوة أو التفاتة.. من تلك الحيثيات أيضًا إيمانى الشخصى بأن كل تغيير فى مصر يقود إلى الأسوأ من وجهة نظر غالبية المصريين فبعد عبدالناصر جاء السادات الذى لم ينل رضا الأغلبية، وبعد السادات جاء مبارك الذى كان أقل ذكاءً من السادات، وبعد مبارك جاء الإخوان ورئيسهم الذى لا يصلح لإدارة دكان- على حد تعبير أحد حلفائه- واستدعى الأمر أن نهدم اللعبة كلها، ونبدأ من جديد، فقامت ثورة ٣٠ يونيو.. وبدأنا طريق البناء.. وبالتالى أنا لا أريد تغييرًا جديدًا؛ لأنه وفق فلسفة التاريخ المصرى سيأتى بالأسوأ.. من حيثيات ولاية جديدة للرئيس أيضًا أن النظام الحكم فى مصر ليس نظامًا رئاسيًا فقط.. ولكنه نظام رئاسى جدًا.. وأن الرئيس من خلال عشرات آلاف من ساعات العمل والجهد الكبير أصبح غارقًا فى تفاصيل التفاصيل فى مشروعات البناء المصرية، وأن عليه أن يكملها بالطريقة التى بدأها بها وأى تغيير افتراضى فى طريقة الإدارة معناه إهدار عشرات الملايين من أموال المصريين فى الأرض.. من الحيثيات أيضًا أنه فى حالة مجىء رئيس آخر- وهذا افتراض جدلى- فإنه سيمارس ما مارسه كل الفراعنة القدام، وسيمحو إنجازات سلفه، ويوقف المشروعات التى بدأها كى يبدأ مشروعات خاصة به! وعلى سبيل المثال فقد بنى الرئيس السادات مدينة السادات كى تكون عاصمة إدارية لمصر، وبنى مقار الوزارات، لكن خلفه مبارك أوقف الانتقال للعاصمة الجديدة لمجرد أنها تحمل اسم سلفه فى الحكم والأكيد أن الضرر وقع على الشعب وعلى المصلحة الوطنية، ولكنها عادة فرعونية قديمة لم نتخلص منها، ولكننا نستطيع منع تكرارها بالحفاظ على الحاكم حتى ينتهى من إنجاز مشروعه للنهضة بدلًا من المغامرة والقفز المجهول- هذا افتراض جدلى.. من حيثيات ولاية جديدة للرئيس أن لدينا مئات المشروعات لم تنته بعد، وأننا أنفقنا مئات المليارات لإنجاز تصور تنموى معين، وهو تحويل مصر لمركز لوجستى عالمى، وليس أمامنا سوى إكمال ما بدأناه مع الرجل الذى خطط ونفذ حتى نجنى الثمار بعد أن زرعنا وصبرنا وروينا بالعرق حينا وبالدم حينًا آخر.. علينا أن نصبر حتى نجنى الثمار، وأن نكمل الطريق الذى قطعنا نصفه لأن العودة والبدء من جديد أمر بلا معنى.. وأظن أن هذه قناعة عشرات الملايين فى مصر.