لماذا كان طه حسين يستمع للموسيقي الإسبانية؟
50 عامًا مضت على رحيل عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، رائد التنوير في مصر، وباعث نهضتها الفكرية والعقلية النقدية.
الغناء العربي واللحن الشرقي معدومان تحت هذا العنوان نشرت مجلة الكواكب بعددها الـ 140 والمنشور بتاريخ 6 أبريل 1954، لقاء مع الدكتور طه حسين، تحدث خلاله عن الموسيقي ولماذا يفضل سماع الموسيقي الإسبانية.
ــ طه حسين يدعو المصريين لتعلم الموسيقي
دعا عميد الأدب العربي د.طه حسين، المصريين إلي تعلم الموسيقي: "أدعو إلي شئ واحد لا ثاني له، هو أن يتعلم المصريون الموسيقي الغربية، ويتقنوها علما وإيقاعا وأن يخلي بينهم بعد ذلك وبين أنفسهم فينشئون من غير شك موسيقي مصرية حديثة، تصور النفس المصرية كما ينبغي أن تصوره، ويحبها الغربيون ويكلفون بها كما نحب نحن الموسيقي الغربية ونكلف بها. فأما هذا التخطيط الذي يصب علي الناس حين يصبحون وحين يمسون، فلست أري إلا أنه صورة لفساد الذوق وانحرافه حتي عن الطريقة العربية الأولي في الموسيقي.
ــ لهذه الأسباب كان عميد الأدب العربي طه حسين يستمع للموسيقي الإسبانية
وعن الموسيقي المفضلة لديه، يمضي عميد الأدب العربي طه حسين في حديثه قائلاً: "الغريب أنني ألتمس الذوق العربي في الموسيقي، فأظفر به في الموسيقي الإسبانية، ولا أجده مطلقا في هذا "التخليط" الذي يذاع فينا الآن ونستطيع أن نري صلة وثيقة جدا بين بقايا الموسيقي العربية القديمة التي لاتزال إلي الآن حية في شمال أفريقيا وفي مراكش خاصة، وبين الموسيقي الإسبانية الحديثة، لأن الإسبانيين عنوا بالموسيقي العربية القديمة التي تركت في ذوقهم آثارا لا تمحي، واهملناها نحن أذ غلب علينا المزاج التركي، والذوق التركي فأفسد ذوقنا العربي القديم.
وعن السينما وهل يوافق طه حسين علي أن تحول أعماله إلي أفلام مصورة: “لا أتردد في ذلك إن وجدت الذين يحسنون الإخراج، ولا يساومون في الأدب كما يساومون فيما يشترونه من العروض”.
ــ سر نقمة طه حسين عل المسرح
وفي حديثه عن المسرح خلال لقاء الكواكب معه قال طه حسين: أنا ناقم علي المسرح. بل أنني لا أعرف أن في مصر مسرحا عربيا، وإنما أعرف أن في مصر تهريجا كبيرا بل ملاعب للتهريج.
إنني لم أسأل عن المسرح لأن أمره كان لوزارة الشئون منذ أن كان "النقراشي" وزيرا للمعارف، وقد ضقت بذلك أشد الضيق، وطلبت من النقراشي أن يرد المسرح لوزارة المعارف لأنه من أهم اختصاصاتها، ولكنه رحمه الله طلب إلي أن أكف عن هذا الإلحاح لأنه لا يريد أن يضيع وقته إذ يتعب نفسه بما يكون بين الممثلين والممثلات من خصومات وخلاف متصل. وقال لي: "عبء ألقيناه عن عاتقنا فلم نريد أن ترد ثقله إلينا".
والحكومة مشكورة لأنها لا تبخل بالمال علي المسرح وإنما تعينه شيئا ما ــ ولو عرفت أن في مصر تمثيلا يستحق التشجيع لطلبت من حكومتي ملحا في الطلب أن تضاعف معونتها، ولكن أكاد أرثي لهذه الأموال التي تذهب هباء، ولا يمنعني من هذا الرثاء إلا أن هذا المال يتيح لبعض المصريين أن يعيشوا.
ــ الأصل في التمثيل أنه من فنون الأدب
وعن اقتباس الأعمال المسرحية والسينمائية عن أعمال روائية أوضح طه حسين: الأصل في التمثيل أنه من فنون الأدب الرفيع، والأدب لا وطن له فيما يتصل بقراءته ومشاهدته والاستمتاع به. شأنه في ذلك شأن الفنون الجميلة كلها، ومعني هذا أن مصر يجب أن يكون لها تمثيلها الخاص ولا يصح بأي حال من الأحوال أن تهمل روائع التمثيل الأجنبي مهما تكن لغته فليس بد أذن من الاقتباس حين لا يكون بد من الاقتباس، والأدب الوطني الذي يعكف علي نفسه ولا يستمد من غيره مقضي عليه بالموت.
يجب إذن أن نترجم وأن نقتبس وأن نظهر النظارة في مصر علي ما يعرض من روائع التمثيل في الخارج، وأن يكون لنا تمثيلنا الذي يستطيع أن يرقي إلي حيث تترجمه الأمم الأخري، وتقتبس منه، فالأدب أخذ وعطاء والترجمة تغري بالتأليف، فلنكثر من الترجمة، ذلك أحري أن يغري الشباب بالمحاكاة وأن يثير في نفوسهم الطموح ويدفعهم إلي الإنتاج، وأنظر إلي أي عاصمة من العواصم الكبري فتري فيها التمثيل الوطني والمترجم والمقتبس، وما أريد أن أتصور القاهرة إلا علي أنها إحدي هذه العواصم الكبري.