الروم الأرثوذكس: ميلاد العذراء أول عيد سيّدي في السنة الطقسية
قال الأنبا نيقولا أنطونيو، متحدث كنيسة الروم الأرثوذكس، في تصريح له عى خلفية الاحتفالات إنه يُحتفل بعيد ميلاد العذارء في سبتمبر سنويا، وهو أول عيد سيّدي في السنة الطقسية التي تبدأ في الأول من شهر سبتمبر، وكذلك عيد رقاد والدة الإله هو آخر عيد سيّدي في السنة الطقسية ويقع في الخامس عشر من شهر أغسطس.
العذراء هي محور الأعياد
وكأن الكنيسة الأرثوذكسية في ذلك أرادت أن تقول إن دورة أعيادنا الليتورجيا كلها من أولها إلى نهايتها تدور حول والدة الإله الأم التي حملت في أحشائها الضابط الكل، ومعها تبدأ بشائر الفرح وتحقيق الوعد الخلاصي. فمع ولادة مريم تبتدئ رحلة عودتنا إلى الملكوت، ومع رقادها وانتقالها إلى السماء نقوم نحن أيضًا بالقائم آبدًا ودائمًا، الرب يسوع المسيح.
إن العذراء مريم وُلدت كسائر البشر، من دون تمييز. فلا أحد من البشر يولد خاطئًا، فالكل معرضون للخطيئة بسبب ضعف الطبيعة البشرية، إلا الجميع ورثوا نتائج الخطيئة الجدّيّة بعد سقوط آدم وحواء، من غير أن يرثوا الخطيئة نفسها.
لا يذكر العهد الجديد شيئًا عن طفولة مريم ولا عن مولدها أو رقادها، ذلك أن هدف الأناجيل هو البشارة بالرب يسوع الإله المتجسد وبالتدبير الخلاصي من أعمال وتعاليم. لكن التسليم الكنسي الذي حفظ مكانة خاصة لوالدة الإله يذكر أن ولادتها تمت بتدخل إلهي مباشر كما حصل مع عدد من الأشخاص في العهد القديم كإسحق ابن إبراهيم وشمشون وصموئيل ويوحنا المعمدان. ذلك كله ضمن سر التدبير الخلاصي.
من أكثر المصادر ذكر عن ميلاد العذراء مريم إنجيل يعقوب المنحول. وهنا نلفت أن الأناجيل المنحولة ليست كلها هرطوقية وفاسدة، بل منها ما هو مفيد، ولكن الكنيسة لم تدرجه في الكتاب المقدس لأنه لا يرتبط بالخلاص مباشرة. فقد ورد في "إنجيل يعقوب المنحول" أن: يواكيم والد مريم وهو من سبط يهوذا من نسل داود، وحِنّة والدة العذراء مريم هي ابنة الكاهن متان من قبيلة هارون. وكانا طاعنَين في السن.
كانت حِنّة حزينة بسبب عقرها، لأن العقر حُسِبَ عند اليهود عارًا ولعنة من الله، فيما الولادة تعني تأمين النسل لمجيء المسيح المنتظر. صلت حنة إلى الرب قائلة: "يا إله آبائي، باركني واستجب صلاتي، كما باركت أحشاء سارة ورزقتها إسحق ابنًا". فإذا بملاك الرب يقول لها: "يا حِنّة، إن الله سمع صلاتك؛ سوف تحبلين وتلدين، ويكون نسلك مشهورًا في العالم بأسره". فأجابت حِنّة قائلة: "ليحيَ الرب إلهي، سواء كان صبيًّا أم بنتًا ما ألده، فسوف أقدمه للرب، وسوف يُكرس حياته للخدمة الإلهية". وحبلت حِنّة، وفي الشهر التاسع فولدت بنتًا، وسمّتها مريم وشكرت الله قائلة: "نفسي ابتهجت هذه الساعة". حسب التقليد وُلدت مريم العذراء في القدس في مكان يُدعى اليوم دير القديسة حِنّة.
وكما أن يواكيم وحنة هما صورة العالم العقيم، كذلك مريم هي صورة العالم الجديد المخصب، صورة الكنيسة التي لا تشيخ، وأصبحت مريم فيما بعد أمًّا للمسيح الكلمة المتجسد؛ لهذا الكنيسة تسمي مريم "والدة الإله" في التراتيل والأناشيد الكنسية كلها، وهكذا تظهر في الأيقونات دائمًا مع الرب يسوع باستثناء حالات خاصة جدًا.
إن احتفال الكنيسة بولادة مريم والدة الإله هو إعلان الفرح بولادة فجر الخلاص؛ لأن فيها تم القصد الإلهي بخلاص البشر، ومن ميلادها نأخذ عبرة: "أن كل مولود بشري مشروع قداسة وحامل للإله"، إذا سلم إرادته لله.