الدين العظيم الذى حولوه إلى سلعة!
كل ثمرة سامة تنبت الآن هى بنت بذرة فاسدة تمت زراعتها فى عقود الغفلة من عمر مصر.. تتحدث الأخبار عن «داعية» يتم التحقيق معه بتهمة النصب.. فكرته ببساطة أن تشترى التوبة وأنت مقيم فى مكانك.. ادفع تحصل على العمرة، إذا كنت غنيًا فسنؤدى العمرة بدلًا عنك وارتكب ما شئت من الذنوب.. حتى العام المقبل، حيث يمكنك أن تدفع مرة أخرى وتغتسل من ذنوبك بنقود جديدة.. الداعية المتهم بالنصب ليس الأول فى هذا السياق، لكنه واحد من أبناء الجيل الرابع من ظاهرة مسمومة أسماها كاتب هذه السطور «ظاهرة الدعاة الجدد»، وهى ظاهرة تقوم فى أساسها على تحويل الدين من «رسالة» تهدف لتغيير حياة الناس للأفضل.. إلى «سلعة» يشتريها من يملك منهم.. إنها ظاهرة مسمومة تم تصنيعها فى أقبية مظلمة وحماها مسئولون أساءوا تقدير الموقف، وكانت نتاج علاقة محرمة بين جماعة الإخوان وبعض رجال الأعمال وبعض الغافلين فى مواقع المسئولية.. باع الإخوان للمسئولين فكرة «اشتر منا السيئ حتى لا نعرض عليك الأسوأ»، كان ذلك فى التسعينيات وبقايا تنظيم الجماعة الإسلامية ما زالت فى الجحور التى تخرج منها من وقت لآخر لتثير الفزع.. تمت الصفقة، دعاة ينتمون للإخوان.. تُفتح لهم مساجد النوادى والطبقة الراقية ويمكَّنوا من رقاب الصفوة المصرية مقابل إدانة لفظية وشكلية للعنف.. ظهر اثنان من جيلى الستينيات والسبعينيات من قيادات الإخوان.. حجّب كل منهما أكبر عدد من الفنانات.. تعرض واحد منهما لمحاولة قتل غامضة اختفى بعدها لينعم بثروة قيمتها عشرات الملايين فى الإسكندرية، وعُرف الثانى باسم «شيخ النساء والفتنة الطائفية» واختفى بعد أنباء عن فضيحة أخلاقية مدوية جمعته وبعض محارمه!.. لم تضيع الجماعة وقتًا وأطلقت أشهر الدعاة الجدد.. قيادى طلابى من جيل الثمانينيات.. انتهازى من الطراز الأول.. سمعته وكتبت عنه لأول مرة فى الصحافة المصرية، منذ عام ٢٠٠٠ سافر للندن لمدة عام وعاد ومعه خلطة الدعوة السرية! سافر محاسبًا وعاد داعية! وفُتحت له كل المنابر والمساجد والبيوت، وسط غفلة الجميع وتواطؤ البعض.. علم الناس أن الدين سلعة تُشترى، وقال لهم إن المسلم الغنى خير من المسلم الفقير، لأنه يستطيع أن يقيم الولائم للناس فيجعلهم يحبون «دين ربنا».. كان سطحيًا جدًا وشبه جاهل.. وكانت هذه هى وصفة النجاح فى مصر فى الألفية الجديدة.. كان يقول للناس إن كل «لفة دركسيون» فى الطريق للجامع بحسنة! والمعنى أنه حوّل الدين كله لعملية حسابية.. تدفع تأخذ حسنات.. ليس معك نقود لتدفع.. معاك ربنا.. نما تيار كامل من الانتهازية باسم الدين والتدين.. انتعشت شركات الحج الفاخر لتبيع فكرة غسيل الذنوب من عام لعام.. ادفع مليون جنيه وسافر ثلاثة أيام مع صفوة المجتمع.. تعود كما ولدتك أمك.. مرشدك فى الرحلة الداعية الشهير فلان الذى يضمن لك الجنة.. وقفة عرفات فى خيمة مكيفة وبوفيه من إعداد فندق سبع نجوم.. بإمكانك أثناء الرحلة التعرف على فنانة تائبة والزواج منها عرفيًا.. كله بما يُرضى الله.. حين أفاق البعض على كارثة تحول أبناء المسئولين لأتباع لهذا الهراء.. تمت محاولة لمنع هذا الداعية من الخطابة.. لكن تم احتضانه من دولة «شقيقة» فتحت له القنوات وأنتجت له البرامج.. وتم تمويله ليصبح من أصحاب المليارات وليس فقط من أصحاب الملايين.. كان ما يحدث نتاجًا لغفلة بعض المسئولين أولًا وللتحالف مع الإخوان المسلمين ثانيًا، وللزواج الحرام بين السلطة والإخوان ورأس المال ثالثًا، ولتيار العولمة رابعًا.. فقد كان هؤلاء الدعاة الجدد مسخًا مشوهًا من تيار الوعاظ التليفزيونيين فى أمريكا، ويتشابهون معهم فى عدة صفات شكلية ويقلدونهم فى كثير من الأمور، مثل خلط التنمية البشرية بالدين أو إنتاج الأعمال الفنية والاختلاط بالفنانين،وكان تأثر الدعاة المصريين أكثر شىء بتيار يسمى فى أمريكا «هيلث آند ويلث» أو الصحة والثروة.. وفكرته الأساسية أن المتدين الحقيقى هو من يحظى بالثروة الوفيرة والصحة الجيدة.. وأن من لا يحظى بالثروة والصحة عليه أن يراجع سلوكه لأن هذه مسئوليته الشخصية وليست مسئولية المجتمع، لأنه غالبًا شخص مذنب!.. ومثل أى ظاهرة أعاد الدعاة الجدد أو دعاة تحويل الدين إلى سلعة إنتاج أنفسهم.. فبعد أن كان الدعاة من أول ثلاثة أجيال ينتمون للإخوان انتماءً صريحًا قبل ٣٠ يونيو.. وجد دعاة الجيل الرابع ومنهم داعية العمرة أن عليهم الدخول فى عباءة السلفية، لأن الناس كشفت الإخوان.. وبالتالى أصبح عليهم مجاراة المظهر السلفى مع الحفاظ على جوهر فكرة «تسليع الدين»، أى تحويله إلى بضاعة وسلعة يحصل عليها من يدفع.. ألم أقل لكم إن كل ثمرة سامة هى نتيجة بذرة فاسدة تم زرعها فى الماضى.. ولكن مَن يسمع؟