مهرجان العلمين.. النجاح فى خدمة الوطن
بين صورة العلمين القديمة وبين صورتها الجديدة فارق سنوات ضوئية.. خيال وعمل وجهد وعرق انتهى بالنجاح.. الصورة القديمة ما زالت فى ذهنى، نقلتها صحف التسعينيات وبداية الألفية.. ما زلت أذكر الصورة حتى الآن.. فتاة بدوية تركب حمارًا فى الصحراء، وتبدو إحدى ساقيها مبتورة.. صورة مصاحبة لتحقيق عن ضحايا الألغام فى العلمين.. وهو مثل عشرات التحقيقات غيره ينتهى بمناشدة للدول التى زرعت الألغام أن تأتى وتطهر لنا أرض العلمين منها.. مناشدة على طريقة أغنية «يا مين يجيب لى حبيبى».. يُروى أن اللورد كرومر استمع للأغنية فى فرح فاستغلها دليلًا على وجهة نظره العنصرية فى المصريين.. قال لمرافقيه: إذا كان العاشق لديكم لا يريد أن يبذل جهدًا للوصول لحبيبه.. ويريد أن يأتى له به أحد، فكيف تطلبون الاستقلال والاعتماد على أنفسكم؟
وجهة نظر منطقية من عدو.. الدول التى كنا نناشدها أن تأتى وتنزع لنا الألغام لم تأتِ، ولم تلتفت لنا من الأساس.. ربما لأنها مشغولة، وربما لأنها لا تريد أن تتحول العلمين لمركز سياحى عالمى، رغم أنها تعرف إمكانات كل حبة رمل فيها.. بعد ٣٠ يونيو توقفنا عن المناشدات على طريقة «يا مين يجيب لى حبيبى».. أصدر الرئيس توجيهاته للجيش بتطهير أرض العلمين من الألغام.. اتضح أن ذلك ممكن جدًا، وأننا إذا أردنا فعلنا.. كان هناك جهد ينفذ رؤية تنموية واضحة.. أولًا: بناء مدينة كبيرة كامتداد لعروس البحر المتوسط التى تقادمت مرافقها وزحفت عليها أعداد سكانية تفوق قدرتها على الاحتمال.. ثانيًا: تنمية الساحل الشمالى تنميةً مستدامة تجعله مستغلًا طوال العام، وبعمق عمرانى فى الصحراء، وليس بعمق كيلومتر واحد من الشاطئ الساحر عبر قرى متواضعة تغلق طوال العام.. ثالث هذه الأهداف كان وصل العلمين فى الشمال بمدينة الضبعة ومشروع مستقبل مصر والأراضى حول محور الضبعة مطروح، بحيث تصبح لدينا كتلة عمرانية من مطروح إلى القاهرة، تشمل أنشطة سياحية وصناعية وزراعية.. فى خلال أربع سنوات لا أكثر تحولت العلمين من حقل ألغام لمدينة سياحية كبرى تسر الناظرين.. ولأن النجاح يحتاج إلى تسويق، ولأن الأفكار النوعية كثيرًا ما تكون فرس رهان رابحًا، كانت فكرة «مهرجان العلمين».. فكرة تقول كل شىء ببساطة، وتحقق عدة أهداف بضربة واحدة: تكريس لقوة الفن المصرى، وهذه حقيقة لا تحتاج لتأكيد، دعاية أسطورية لمدينة جديدة جعلها المهرجان حديث الوطن العربى كله خلال أيام قليلة.. اجتذاب للسائحين العرب أولًا لدرجة التنافس لإيجاد غرفة فى فندق فى الساحل، ثم اجتذاب لرءوس أموال عربية كبيرة وعملاقة، لأن النجاح يجتذب دائمًا مَنْ يريد الاستفادة منه، وقد نجحنا فى العلمين وفى تسويق العلمين عبر مهرجان فنى ليس له مثيل فى المنطقة بشهادة الجميع.. من المهم جدًا أن ننتبه أن الدولة ليست كيانًا مجردًا.. الدولة هى أنا وأنت وهو.. لها رجال ولها أصدقاء ولها أعداء.. نجاح المسئول فى مهمته يضيف لوطنه الكثير جدًا.. والعكس صحيح.. التورط فيما يسىء استياء الناس يضر الدولة كثيرًا حتى إذا كانت النية حسنة.. وبالتالى فالمسئول الناجح هو المسئول الوطنى، لأنه أفاد وطنه.. والمسئول الذى يفشل فى مهمته أو يثير غضب الناس هو بشكل ما غير وطنى رغم حسن نيته، لأنه أضر وطنه ودولته والنظام الذى يعمل من خلاله.. بهذا المعيار فإن المسئولين عن نجاح المهرجان أفادوا وطنهم لأنهم نجحوا.. فى عالم السياسة لا يمكن تطبيق قاعدة «إنما الأعمال بالنيات»، هذه قاعدة للعبادة.. أما فى عالم السياسة فالأعمال بالنتائج.. ونتيجة مهرجان العلمين كانت رائعة.. يمكننا أيضًا أن نمارس تدريبًا عمليًا ونعود بالذاكرة للوراء، لنراجع بعض الشائعات التى أطلقتها لجان الذباب على مشروع مثل العلمين.. أول شائعة أن ثمن الشقة ٣٥ مليون جنيه، وقيل ٦٥ مليونًا! والحقيقة أن أسعار الوحدات العادية فى العلمين ليست هكذا، وأنها تقل قليلًا عن مثيلاتها فى الساحل الشمالى «أتحدث عن الوحدات العادية للأسرة من الطبقة الوسطى العليا.. غرفتين مثلًا».. ثم قيل إنه ليس هناك إقبال على المشروع.. والحقيقة أن المشروع لم يعمل بكامل طاقته حتى الآن، وأن مؤشرات الإقبال ممتازة.. وقيل إن الاستثمارات لن تأتى للعلمين.. فوجدنا أن المستثمرين من قطر والإمارات يتنافسون على الاستثمار فى العلمين.. كل هذه الأكاذيب حين نراجعها نتأكد أننا على الطريق الصحيح.. وأن هذا الطريق هو طريق النجاة.. وأنه لو لم يكن كذلك لما حاولوا إبعادنا عنه.. وما ينطبق على العلمين ينطبق على غيرها بكل تأكيد.. ليس معنى هذا أن نغفل أننا فى أزمة.. لكنها ستمر إذا صبرنا.. مشاريع التنمية ليست سبب الأزمة لكنها طريق الخروج منها.. والعلمين نموذج ناجح.. تحية لمهرجان العلمين، وأطالب بأن نسعى لتحويله لمهرجان عالمى فى العام المقبل، وأن نوجه الدعوة لنجوم الغناء العالميين، بحيث تكون لكل نجم حفلتان.. حفلة فى العلمين، وحفلة أمام الهرم.. تحية لكل من يبذل جهدًا فى سبيل هذا البلد، ولنتذكر جميعًا أن النجاح هو أفضل رد على أعداء هذا البلد.