عقيدة نتنياهو الأمنية
لا حاجة لأن تضع على كتفك رتبة جنرال أو أن تتقدم برسالة دكتوراه في دراسة الأمن كي تفهم عقيدة نتنياهو الأمنية، يكفي فقط أن تتابعه بحذر، وتكون على دراية بالحقيقة الصعبة: إنه يفعل شيئا ويدّعي غيره علنًا دون أن يرف له جفن، وحتى تعرف الحقيقة عليك أن تقرأ ما يكتبه نتنياهو. هو يقول الحقيقة عندما يكتب، في كتابه "رجل تحت الشمس" تحدث نتنياهو عن عقيدته الأمنية ورؤيته للصراع، وبعد سنوات عندما عاد إلى الحكم نفذ كل ما كتبه بالحرف الواحد.
قبل أيام، كشف الصحفي الإسرائيلي يهونتان ليس في "هآرتس" وثيقة سرية تلخص عقيدة بنيامين نتنياهو الاستراتيجية، وقالت الصحيفة إن نتنياهو انتهى من كتابة الوثيقة قبل 5 سنوات (في عيد الاستقلال الـ70 لإسرائيل) وأسماها "النظرية الأمنية حتى العام 2030"، صاغها نتنياهو على مدار عامين، وتناول فيها خريطة التهديدات المتوقعة حتى 10 سنوات قادمة، وفكرتها الرئيسية: "من لا يقاتل على وجوده وحياته فلن ينجو في هذه المنطقة"، وأن "عدم الحسم قد يكون ناجعاً في الحروب التي لن ينتصر فيها أحد".
الوثيقة تم الكشف عنها بمساعدة جمعية "هتسلحاه"، واعتبرت سرية (حتى تم الكشف عنها)، وهي تشمل تعديلات وهوامش بخط يد نتنياهو، التي يمكن أن تدل على الجوانب المختلفة من أفكاره، فعلى سبيل المثال كتب في الوثيقة "التهديدات التي تواجهها الدولة لضمان وجود دولة إسرائيل للسبعين سنة المقبلة"، وبالقلم الحبر قام بشطب كلمات "السبعين سنة المقبلة"، وبدلا منها كتب "في المستقبل المنظور".
وحسب عقيدة نتنياهو يجب على إسرائيل "أن تردع أو تهزم أي عدو يهدد بالمس بها بشكل قاتل أو تدميري، وإنه يجب على إسرائيل فعل ذلك بواسطة التطوير المستمر لأربعة أشياء قوة: الأمنية، السياسية، الاقتصادية، وفوقها كلها قوة الروح".
من يعرف نتنياهو مثلي يعرف أنه صاغ وثيقته بالعقيدة القتالية التي يؤمن بها، ومن يتابعه خلال السنوات الأخيرة يعرف أنه كان ينفذ الوثيقة، من يفهمه سيفهم نظريته حول ضرورة حسم المعارك بسرعة من خلال إيقاع الخسائر الفادحة في العدو وتجنيب الجبهة الداخلية الإسرائيلية التعرض للصواريخ لفترات طويلة، ورؤيته أنه بالإمكان إنهاء المعركة دون حسم واضح إذا لم يكن لذلك ثمن أمني أو سياسي باهظ (هذا ما يفعله تماماً).
يعرف أعداء إسرائيل أن طالما نتنياهو في مكتب رئاسة الوزراء، فلن تخوض إسرائيل معركة طويلة حاسمة، عملية الحزام الأسود، عملية حارس الأسوار، وعملية الدرع الواقي، هي فقط بعض العمليات العسكرية في القطاع التي انتهت في السنوات الأخيرة من دون حسم واضح، بغض النظر عن الخطابات والتهديدات القاسية لنتنياهو.
ليس فقط عدم الحسم، أيضاً استراتيجية "المعركة بين الحروب" كلنا نعرفها ونلمسها من حين لآخر مع حزب الله والأكثر مع إيران في سوريا. في الوثيقة تطرق نتنياهو لطريقة التعامل مع الأعداء خلال فترة ما بين الحروب قائلاً: "سنعمل بين الحروب على المس بقوة العدو دون الوصول إلى الحرب، وذلك حال اقتربت قوة العدو من طريق اللا عودة في تطوير قدراته القتالية أو بوجود إنذارات بتخطيط العدو لمباغتة استراتيجية فسنوجه لهم حينها ضربة استباقية"، هو حقاً يفعل هذا تماماً.
وفيما يتعلق بمستقبل الضفة الغربية، فقد شدد نتنياهو في الوثيقة على ضرورة الحفاظ على التواجد الإسرائيلي الأمني غربي نهر الأردن، وضمان حرية عمل كاملة للجيش هناك بناءً على الاحتياجات الأمنية.
وتحدثت الوثيقة عن التحالفات الدولية، وعلى رأسها التحالف مع الولايات المتحدة، ومع ذلك فيرى نتنياهو ضرورة الاستعداد للقتال وحيدين ودون مساعدة خارجية.. (كلها أمور لا تجعلنا متفاجئين).
ما يعتبر جديداً في الوثيقة هو ما ذكره نتنياهو عن "القوة الروحية" والتعبئة الروحية للجنود والشعب الإسرائيلي كأحد أسباب النصر. لم أتذكر أن نتنياهو ذكر هذا من قبل، منذ متى يهتم نتنياهو بقوة الروح؟
كتب نتنياهو في الوثيقة أن "هذه قوة يتم تغذيتها بالتربية على تراث الآباء والأجداد والجذور الصهيونية وأحقية الشعب اليهودي بكيان يعيش فيه، فالشعب اليهودي يمثل شجرة عتيقة ذات جذور عميقة في الأرض وترسل أغصانها للسماء، وستبقى الشجرة قائمة طالما بقينا مستعدين للدفاع عن أرضنا بأي وسيلة كانت".
لا يوجد ما يفاجئنا في الوثيقة، لا يوجد ما يجعلنا نفرك عيوننا ونحدق في التفاصيل، كلها أمور يفعلها نتنياهو، بدون أن يحير المراقبين والمحللين، هذه المرة فقط هو ذكرها بشكل واضح وصريح، ولا عجب إذا ظهر أمام الكاميرا وقال لنا أشياء أخرى.