مخلفات تطهير الترع
الموضوع قد يبدو بسيطًا، لكنه فى غاية الأهمية والخطورة، وكنا قد تناولناه فى مقال سابق أغضب وزيرين، على الأقل، وعددًا من المحافظين، حين شاهدنا ذلك المشهد القبيح، أو المقرف، على امتداد كيلومترات بطول إحدى الترع: أطنان من القمامة، موزعة على أكوام من الطمى المخلوط بكل أنواع المخلفات «الزبالة»، التى قد تخطر أو لا تخطر على بالك، بدءًا من الحيوانات النافقة، وصولًا إلى أكياس البلاستيك بمختلف أنواعها!.
عرضنا نماذج عديدة، وشكاوى كثيرة، ومتكررة، من محافظات مختلفة، فى المقال السابق، وأوضحنا كيف أن تطهير الترع والمصارف سيكون بلا جدوى، أو «زى قِلّته»، لو لم تتم إزالة المخلفات الناتجة عنه، وانتقدنا وزارات الرى والبيئة والتنمية المحلية، والمحافظين، الذين اكتفوا بإصدار التعليمات أو التكليفات التى لم يكن يلتفت إليها أحد، وتوقفنا، مثلًا، عند خبر يقول إن محافظ القليوبية قام بتكليف مديرية الرى بسرعة إزالة ناتج تطهير الترع والمصارف حتى يتم البدء فى تشجيرها وتوسيع الطريق أمام المواطنين!.
الوضع اختلف الآن. ولاستعراض جهود التخلص الآمن من نواتج تطهير الترع، والمجارى المائية المختلفة، عقد الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، اجتماعًا أمس الأول، الخميس، بحضور وزراء الرى والموارد المائية، والبيئة، والتنمية المحلية، وعدد من مسئولى الوزارات والجهات المعنية. وجرى خلال الاجتماع متابعة التنفيذ التجريبى للتخلص الآمن والتطهير، وكذا تجربة محافظة البحيرة، التى بدأت فى أحد مراكز المحافظة، وبعد أن أظهرت نتائج إيجابية، جرى تعميمها على ٣٣ مركزًا بمحافظات مختلفة.
فى هذا السياق، استعرض وزير التنمية المحلية جهود الوزارة للتخلص الآمن من هذه المخلفات، مؤكدًا أنه قام بتكليف المحافظين برفع نواتج التطهير من على جسور الترع والمصارف، بشكل فورى، ومتابعة تقدم تنفيذ الأعمال، مع عقد اجتماعات تنسيقية لتذليل المعوقات، وكذا إعطاء أولوية لتنفيذ مشروعات البنية الأساسية لمنظومة النظافة الجديدة بالمناطق التى تطل على الترع الرئيسية والمصارف والترع الجارى تبطينها لمنع وصول المخلفات إليها، و... و... ودراسة مدى إمكانية إجراء مزايدات لبيع نواتج التطهير غير المختلطة بمخلفات قمامة أو حشائش، لاستخدامها فى صناعة الطوب أو تعلية بعض الأراضى الزراعية.
أيضًا، استعرض الدكتور هانى سويلم، وزير الموارد المائية والرى، عدة صور لأعمال الصيانة والتطهير، ونماذج أعمال التشغيل الذاتى لمجرى نهر النيل، متطرقًا إلى أطوال شبكة المجارى المائية المتاحة، والأنواع المختلفة من الملوثات بالترع والمصارف التى يتم العمل على تطهيرها، والمتضمنة مخلفات نباتية، وقمامة منزلية، و... و... وفى اليوم التالى، أمس الجمعة، عقد الدكتور سويلم اجتماعًا مع عدد من قيادات الوزارة، عرفنا منه أن شبكة الترع والمصارف يصل طولها إلى أكثر من ٥٥ ألف كيلومتر، منها حوالى ١٠ آلاف كيلومتر تمر داخل الكتل السكنية، تزيد نواتج تطهيرها على ٤ ملايين متر مكعب سنويًا.
فى الاجتماعين، أكد وزير الرى أهمية جمع المخلفات الملوثة للمجارى المائية والتعامل معها بشكل آمن، فى إطار انتهاج سياسات خضراء تخدم البيئة وتحافظ عليها، لافتًا إلى أن الوزارة تقوم حاليًا بدراسة إمكانية الاستفادة من نواتج التطهير بعد خلطها ببعض المواد الطبيعية واستخدامها فى إعادة تشكيل وتثبيت جسور الترع كإحدى أدوات التوسع فى استخدام المواد الصديقة للبيئة فى مشروعات الوزارة. كما أكد سويلم أهمية وضع منظومة متكاملة لجمع وتدوير المخلفات من المنبع لمنع إلقاء المخلفات بالترع والمصارف، والعمل على تفعيل القانون فى هذا الشأن، والتأكيد على أهمية حملات توعية المواطنين بعدم إلقاء القمامة بالترع والمصارف وترشيد استخدام البلاستيك، الذى يمثل خطورة كبيرة على الصحة العامة نظرًا لعدم تحلله السريع.
.. أخيرًا، ولو لم تكن قد اقتنعت بأهمية أو خطورة هذا الموضوع، نعتقد أنك ستقتنع لو عرفت، مثلًا، أن أهالى قرية ميت الخولى التابعة لمركز منية النصر، بمحافظة الدقهلية، وجدوا بين نواتج تطهير إحدى الترع «دانة مدفع»، نعم، «دانة مدفع»، طولها ٦٠ سم وقطرها ١٥ سم، اتضح لاحقًا أنها من مخلفات الحروب!.