"قصر الشوق" دعوة للفسق والفجور وهدم الأسرة المصرية.. معركة "نجيب محفوظ" مع الرقابة
هناك معارك وأزمات خاضها صُناع الأفلام والأدباء والمبدعون مع الرقابة، وظلت هذه المعارك عالقة في الذاكرة السينمائية المصرية، وأحد وأشد هذه المعارك التي لا تُنسى، كانت أزمة فيلم "قصر الشوق" والمأخوذ عن قصة الأديب الكبير نجيب محفوظ مع الرقابة على المصنفات الفنية والمؤسسة العامة للسينما المُنتجة لهذا الفيلم.. فما القصة؟
بالعودة إلى عام 1967، امتد الاشتباك بين مؤسسة السينما مع الأديب نجيب محفوظ وبين الرقابة المصرية، عن فيلم قصر الشوق، أكثر من عامين، حول قصة الفيلم ووقت إنتاجه وبعض المشاهد التي تحفظت عليها الرقابة، وقد اشتركت مع الرقابة وقتها، عدة لجان مؤلفة بقرار من وزير الثقافة، حينها، ثروت عكاشة، وهي لجنة مجلس الرقابة ولجنة تصدير الأفلام.
مذكرات اعتدال ممتاز
وفي مذكراتها، تقول الكاتبة اعتدال ممتاز، ومديرة الرقابة على المصنفات الفنية السابقة، في كتابها "مذكرات 30 عامًا رقيبة السينما"، أنها سجلت ملاحظاتها أن فيلم "قصر الشوق" قد تم إنتاجه في فترة زمنية قصيرة جدًا لا تتجاوز الشهر، مشيرة إلى أنه "تم طبخ الفيلم على وجه السرعة بدون اعتبار إلى التجويد والإتقان".
وألقت اعتدال ممتاز اللوم على نجيب محفوظ، الذي كان يتقلد حينها منصب رئيس مجلس إدارة مؤسسة السينما، ففي حديثها، تسترجع لحظات من أهم التجارب التي مرت بها في عملها كرقيبة سينمائية، فقالت عنه: "كان مسئولا عن كيفية تمويل مثل هذا الفيلم الهابط، وبالتالي اتخذ موقف المدافع عنه، بالغرم من أن الفيلم أساء إلى عمله الأدبي، أبلغ الإساءة".. وعادت لتقول عنه: "وقد كان عيبًا فادحًا أن تنتج مؤسسة السينما فيلمًا هابطًا يحمل اسم منتج كبير وكاتب كبير ومخرج كبير، بينما يشعر المشاهد أن موضوع الفيلم قزم مشوه يسيء إلى تاريخ مصر الوطني".
وفيلم قصر الشوق، من إﺧﺮاﺝ: حسن الإمام، ومن ﺗﺄﻟﻴﻒ الكاتب نجيب محفوظ، وسيناريو وحوار، محمد مصطفى سامي، وكوكبة من النجوم وهم نادية لطفي، يحيى شاهين، عبدالمنعم إبراهيم، ماجدة الخطيب، آمال زايد، سمير صبري.
ودارت مناقشة بين المخرج حلمي رفلة، وكان من شاغلي أحد قطاعات مؤسسة السينما، والرقيبة اعتدال ممتاز، وقد تقدم بكتاب للرقابة مدافعًا عن الفيلم، أن: "حوداث قصر الشوق تقع في فترة الاحتلال البريطاني، وكان لهذا الاحتلال تأثيره السيئ على البيئة المصرية، فانتشرت في عهده بيوت الدعارة، وتكاثرت المواخير، وانصرف الكثير من التجار إلى الملذات وكان طابع الاحتلال يسيطر على جانب كبير من المجتمع في ذلك الوقت، وهو ما أوضحه الكاتب الكبير نجيب محفوظ في قصته المشهورة".
13 مشهدًا
وأشار حلمي رفلة، إلى أن هناك لجنة فنية شاهدت الفيلم، قبل عرضه على الرقابة، وحذفت منه 13 مشهدًا.
وحينما شاهدت اعتدال ممتاز، الفيلم، مع السادة الرقباء، بعد حذف هذه المشاهد، كتبت ملاحظاتها، كمديرة القسم العربي، في تقرير مكون من صفحتين، أبرز ما جاء فيه: أن الفيلم في عمومياتها دعوة إلى الفسق والفجور والزنا وهدم الأسرة المصرية.. فالأب وجيله جيل فاسد، والابن أي الجيل الذي يليه جيل فاسق أيضًا".
وأضافت اعتدال ممتاز: أن الفيلم يحمل في طياته دعاية مسيئة للإسلام، فقد حرف الآيات القرآنية "إذا بليتم فاستتروا" إلى "وإذا استترتم فابتلوا"، وقال "إن الخمر مفتاح الفرج"، ثم جعل من الصلاة فريضة مظهرية فالبطل يصلي في منزله، ويفسق خارجه.
وبعد معركة شرسة، أجازت الرقابة عرض الفيلم، بعد حذف 3 مشاهد أخرى، بالإضافة إلى الـ 13 مشهدًا السابق ذكرها، وبعد سجال آخر لتصدير الفليم إلى الخارج، وافق وزير الثقافة حينها، ثروت عكاشة، بتصدير الفيلم بعد إجراء جميع المحذوفات التي ارتأتها الرقابة ومجلسها، وتم تصدير الفيلم إلى بيروت والعراق والدوحة وتونس، وغيرها من البلاد العربية.