المستشار ناجى شحاتة: لقب «قاضى الإعدامات» لم يُزعجنى.. ونطقت الشهادتين بعد حكم «قضية كرداسة»
- قال إنه كان حازمًا فى إدارة الجلسات لإحباط خطة إطالة أمد التقاضى
- والدة الشهيد عامر عبدالمقصود بكت بعد إصدارى الحكم وقالت «الآن فقط سأقبل العزاء»
- بعض المخدوعين حوّلوا السفاحة سامية شنن إلى قديسة وانتخبوها كأُم مثالية
- «خلية الماريوت» كانت تمارس التجسس وتسرب معلومات عن تمركزات الجيش
- صفوت حجازى طلب التحدث نيابة عن المرشد فقلت له: «هو متهم مثلك ولديه لسان»
قال المستشار ناجى شحاتة، رئيس محكمة الجنايات وأمن الدولة العليا ودائرة الإرهاب السابق، إن المدانين فى قضية اقتحام قسم كرداسة ارتكبوا أفعالًا شنيعة «يعجز الحيوان عن فعلها»، ونفذوا مذبحة فى حق ضباط وأفراد القسم، منتقدًا ما فعله بعض الأهالى من «تحويل السفاحة سامية شنن إلى قديسة وانتخابها أُمًا مثالية».
وأضاف «شحاتة»، فى الجزء الثانى من حواره مع الإعلامى محمد الباز، فى برنامج «الشاهد»، على قناة «إكسترا نيوز»، أن دفاع متهمى الجماعة الإرهابية خلال المحاكمات كان يتعمد «الغلوشة» وإطالة أمد القضايا لتشتيت القضاة، لكنه كان حازمًا فى نظر وإدارة الجلسات، مشددًا على أنه «لم يحدث أى تدخل سياسى فى عمله القضائى».
■ ماذا عن قضية غرفة عمليات رابعة العدوية؟
- القضية أحيلت إلىّ من رئيس محكمة استئناف القاهرة، وفوجئت بالعدد الكبير للأشخاص المتهمين فيها، لأنها كانت تضم محمد بديع، المرشد العام للجماعة، ومحمد البلتاجى، وصفوت حجازى، ومفتى الجماعة، وصلاح سلطان وابنه محمد صلاح سلطان.
ومن سمة قضايا الإرهاب وجود كمية كبيرة من المحامين، وكان الاتجاه إطالة أمد التقاضى، وكان الاتهام هو قيادة جماعة إرهابية من شأنها قلب نظام الحكم، واستعمال العنف والإرهاب، وغيرهما من التهم التى كانت فى منتهى الخطورة، وكانت القضية تتضمن خطة «التعامل بعد فض رابعة».
وكانت عبارة عن تنظيم للإضرار بهيبة الدولة بأى طريقة كانت، وكان مقر التنفيذ مسجد رابعة، ومهمة هذه المجموعة إصدار التعليمات وتوجيه أعمال العنف، والمرشد محمد بديع رفض الكلام فى المحكمة، وكان من ينوب عنه فى الحديث صفوت حجازى، وفى إحدى الجلسات طلب «حجازى» كلمة للمرشد، فقلت له: «توقف، المرشد متهم مثلك ولديه لسان ليتحدث عن نفسه، وأنت لا تعبر عن رأيه»، وقال لى: «المقام لا يتسع للمرشد أن يتحدث»، ومحمد بديع كان ملتزمًا الصمت فى التحقيق معه.
رفضت حديث صفوت حجازى نيابة عن «بديع» وقلت للأخير إن لم تتحدث سنتعامل على أن ذلك رفض لأسئلة المحكمة، وصفوت حجازى إنسان خطير، ويتعامل بدهاء غريب، وعندما قال «من يرش مرسى بالماء سنرشه بالدماء» لم يكن عبثًا، فهو كادر إرهابى خطير، ويخفى فى نفسه ما لا يُبديه، واستطاع استغلال مسجد الحصرى فى أكتوبر للدعوة للإخوان، وكان يخطب فى هذا المسجد.
واكتشفنا فى تسجيلات قضية غرفة عمليات رابعة أحداثًا كثيرة وأدوارًا لأشخاص غير متصلين بتنظيم الإخوان، وهم من المتعاطفين، وهى أسماء يثار حولها الجدل، لكن لم تتم محاكمتها.
■ كيف كنت تتعامل مع أسلوب الإخوان فى إطاله أمد التقاضى؟
- استعملت الحزم فى إدارة الجلسة، إذ كان الدفاع يطلب أشخاصًا للشهادة لإطالة التقاضى، وكان ردى حازمًا بتحديد الجلسة المقبلة، وكان الأسلوب المتبع من المحامين هو «الغلوشة»، وتعاملت مع المسائل الفقهية التى يثيرونها من خلال القانون دون عداء، وابتعدت عن الأمور الدينية حتى لا أدخل فى الجدل مع هذه الجماعة، لذا جعلت الحديث مع عناصر جماعات الإسلام السياسى فى إطار القانون، وابتعدت عن الانزلاق لأحداث جانبية حتى لا نضيع وقت المحكمة، ومن «غرفة عملية رابعة» انبثقت قضية أحداث مسجد الاستقامة فى ميدان الجيزة.
■ ماذا رأيت فى قضية مسجد الاستقامة؟
- تنقطع صلة القاضى بالقضية بمجرد النطق بالحكم فيها، وأعتقد أننى تعاملت مع الله فى هذه القضية بتنفيذ القصاص العادل من المتهمين فى هذه الجريمة، حيث كانت هناك وحشية بالغة فى قتل المواطنين وإلقائهم من فوق الكوبرى، وحدثت الواقعة فى رمضان، فكان هناك مواطنون أبرياء قتلوا دون أى ذنب، وكان القصاص العادل بإعدام المتهمين.
■ هل كان يزعجك إطلاق الجماعة عليك لقب «قاضى الإعدامات»؟
- لم يزعجنى هذا الاسم لسبب، لأن أول من اخترعه كان قناة الجزيرة، وهى من أطلقت هذا المصطلح، وحكمت بالإعدام على المتهمين فى قضية كرداسة وأنا راضٍ أمام الله على ما فعلته.
■ ماذا تمثل قضية مجزرة واقتحام قسم كرداسة بالنسبة لك؟
- قضية «مجزرة كرداسة» قضية بشعة، تحت أى مقياس من المقاييس، فإن الحيوان لا يستطيع أن يُقدم على السلوك الذى تم فيها، وقد كان اقتحام قسم كرداسة من ردود أفعال الإخوان على فض اعتصام رابعة الإرهابى، بداية من إرسال الإخوان بعض أفرادها فى صورة وفد إلى مأمور القسم وإلى مفتش الفرقة، يطلبون منه إخلاء القسم، وقالوا له: «عليك تسليم السلاح وتخرج أنت ورجالك وسنقيم لك ممرًا آمنًا، وذلك فى أقصى صور التحدى لسلطة الدولة».
مأمور قسم كرداسة كان بدرجة لواء، ومفتش الفرقة كان لواء، فرفضا تنفيذ أوامر الوفد الإخوانى، وعندما خرج الوفد خارج القسم، كانت هناك جماهير محتشدة، فأشار الوفد الإخوانى إلى الرقاب، فى اعتراف منهم بأنهم سيقتلون مَن فى قسم كرداسة، ومن ثم بدأوا الهجوم على من فى القسم، من خلال إطلاق قذائف الـ«آر بى جى»، على السور الخارجى، ولم يكن أحد يعلم مصدر حصولهم على الـ«آر بى جى»، ثم استخدموا الأسلحة الآلية فى ضرب القسم، وهرب بعض أفراد الشرطة من خلف القسم، ومن عُثر عليه تم الفتك به، من ضمنهم الشهيد الضابط عامر عبدالمقصود، واللافت للنظر أن هذا الرجل كان ينظم لأهالى كرداسة دورات فى الرياضة قبل اشتعال الأحداث، وكانوا على علاقة صداقة قوية معه، لكنهم انقلبوا فجأة ضده تحت وطأة الغل والحقد والكراهية.
وتم اصطحاب الشهيد الضابط عامر عبدالمقصود خارج القسم، وأخذوه فى عربة نصف نقل وأجهزوا عليه بالذبح، وكانت فى هذه السيارة المدعوة سامية شنن «سفاحة كرداسة»، والغريب أن كل الأهالى الذين اقتحموا القسم اشتركوا فى هذه العملية، وكان عدد المتهمين فيها ١٦٨ متهمًا.
والغريب، أيضًا، أن الدفاع عن المتهمين فى قضية «مذبحة كرداسة» كان يعلل هذه الفعلة بأنه انتقام طبيعى نتيجة تصرفات الشرطة تجاه الأهالى، و«لا أعلم ما كانت تفعله الشرطة تجاه الأهالى بصراحة حتى تصل بهم الحال إلى ذبحهم بهذه الطريقة الوحشية والتمثيل بجثثهم».
إن المبادئ القضائية تقول إنه إذا كان مرتكب الجريمة واحدًا أو اثنين، وإنك حضرت معهما على مسرح الجريمة للشد من أزرهما ومساندتهما، تعتبر فى هذه الحالة فاعلًا أصليًا معهما، فما بالك بمن ذبحوا الضباط ودمروا القسم.
■ ما انطباعك عن سامية شنن سفاحة كرداسة عندما وقفت أمامك بالمحكمة؟
- إن بعض أهالى كرداسة للأسف حولوا السفاحة سامية شنن إلى قديسة وانتخبوها كأُم مثالية، وأطلقوا عليها «الحاجة سامية، وماما سامية».
من يُقدم على مثل هذا السلوك فهو مجرم طبيعى بالفطرة، من ضمن الاستفزازات فى قضية «كرداسة» أنهم ألقوا اللوم فى الأحداث على ما يسمى باللجان الشعبية، حيث كانوا يعتبرون أنها كانت تؤدى واجبها، وأنهم من منعوا تطور الأحداث، وأنا عندها رديت على المحامى وقلت له إن هؤلاء ليسوا لجانًا شعبية وإنما حرامية، فردنى فى هذه القضية، وعادت القضية إلى مرة أخرى، واضطررت أن أستمع إلى مرافعات ٢٠ و٣٠ متهمًا فى اليوم، وكانت المحاكمة وقتها فى معهد الأمناء فى طرة.
■ عندما يطلب المحامى الرد ويُرفض ثم تعود القضية إليك مرة أخرى.. هل يؤثر ذلك على أدائك كقاض؟
- إن القاضى إذا كان شخصًا غير سوى لا يجوز أن يعمل قاضيًا، ومسألة إجراء الرد هو عمل قانونى ومن حق المتهمين أن ينفذوه.
من حق المتهم أن يرد، وأنا أعرف أن طلب الرد تم تقديمه عن غير حق فى قضية كرداسة، إنما لا بد أن أنصاع له لأنه قانون، ومجرد تقديم طلب الرد يكف القاضى يده عن القضية فورًا حتى يتم الفصل فى الطلب.
■ هل كان المتهمون ينتابهم القلق إذا علموا أن المستشار ناجى شحاتة هو من سينظر قضاياهم؟
- نعم.. هناك حالة من القلق تنتاب المتهمين عندما يجدون أن القاضى الذى ينظر قضيتهم هو ناجى شحاتة، كانوا يقولون إنهم إذا ذهبوا إلى دائرة ناجى شحاتة فإنهم لن يخرجوا، ما أدى إلى ردّى فى أكثر من قضية.
فى مرة من المرات تواطأوا جميعهم علىّ، وكل القضايا التى تأتى أمامى كانوا يردوننى فيها، حتى يتم تعطيلى عن نظرها، لكن من خلال هدوء الأعصاب والتمكن من أدواتى كقاضٍ استطعت أن أتخطى هذه المرحلة.
■ ماذا عن يوم النطق بالحكم فى قضية «كرداسة»؟
- فى يوم النطق بالحكم فى قضية «كرداسة» كان هناك ١٣ متهمًا تقريبًا لم يتم سماع مرافعتهم، أخذنا استراحة ودخلنا غرفة المداولة، وأخبرت القضاة الذين كانوا معى بأننا سنستمع إلى هؤلاء الـ١٣ حتى وإن أدى الأمر إلى التأخير، وسنحكم اليوم، فوافقوا، واستمعنا إلى المرافعات حتى الساعة الحادية عشرة، وفى الساعة الحادية عشرة والنصف أصدرت الحكم بإحالة أوراق المتهمين لمفتى الديار المصرية، وبعد سماعهم الحكم أصابتهم حالة من الهياج، لكن أم الشهيد الضابط عامر عبدالمقصود ركضت تجاه غرفة المداولة وهى تبكى، وحاولت تقبيل رأسى، فقلت لها إن هذا هو حق الله، فقالت لى الآن فقط سأقبل العزاء فى ابنى.
■ بماذا شعرت بعد نطقك بالحكم؟
- عندما أصدرت حكم تحويل أوراق ١٣ متهمًا فى أحداث اقتحام سجن كرداسة إلى فضيلة المفتى، كنت على يقين تام من أن الإخوان سيردون سريعًا علىّ أثناء عودتى من العمل وفى نفس اليوم، ولهذا حرصت على قراءة الفاتحة وقول الشهادة قبل الخروج من ساحة المحكمة، خاصة أنه فى هذا التوقيت لم يكن لدىّ سيارة مصفحة، ولهذا كان اللواء كمال الدالى يرسل سيارة من المديرية التى كان يعمل بها لنقلى من مكان لآخر بسلام، وكنت على يقين تام أننى لن أنجو اليوم بعد نطقى الحكم فى القضية، ولكن بعد عام ٢٠١٤ جاءت تعليمات من الجهات الأمنية بأن تكون للقضاة الذين ينظرون فى القضايا الإرهابية سيارات مصفحة لحمايتهم.
■ ماذا عن قضية خلية الماريوت؟
- قناة الجزيرة بالإنجليزية اتخذت من فندق الماريوت مقرًا صحفيًا لها لتمارس عملها الإعلامى من هناك، وفى نفس الوقت تمارس أعمال تجسس عالية التقنية، وكان أفرادها يحصلون على معلومات، مثل أماكن وجود كمائن الجيش ويسربونها، كانوا ١٠ متهمين، والمتهم الـ٧ كان أسترالى الجنسية، و٥ صحفيين آخرين يعملون فى الجزيرة، والمتهم الأسترالى كان يثير شائعات بإطلاق سراحه من الرئيس عدلى منصور فى هذا التوقيت، ولم يحدث هذا وحكمت عليه بـ١٠ سنوات.
■ ما ملابسات نظر القضية؟
- أحد المحامين فى قضية «خلية الماريوت» كان محاميًا معروفًا، حاول استفزاز المحكمة كثيرًا، وقد ادعى أن هناك تدخلات فى القضية، وأنه سيحصل على حكم آخر بعد نقض الحكم، وتوقع أن الحكم سيتم قبول النقض فيه، وأنه سيحصل على براءة للمتهمين، بدعوى أن القضية مسيّسة «حاكتها» أيدى أجهزة الأمن، وكان يوجد لدى هذا المحامى حارس شخصى يرافقه من إدارة الحراسات، وكلما تقدم للمرافعة وجدت الحارس يقف معه، وقد استفزنى هذا المشهد كثيرًا، فسألت الحارس: «إنت جاى تعمل إيه؟».. قال لى: «أنا الحرس الشخصى للمحامى»، فقلت له: «روح اقعد مكانك»، فقال لى: «أنا مش همشى ومقدرش أسيبه لوحده»، قلت: «طب ضعوا الحارس فى القفص حتى ننتهى»، وتعرضت فى هذه القضية لاستفزازات كثيرة جدًا.
■ كيف أثرت هذه الاستفزازات التى تعرضت لها عليك نفسيًا؟
- تعرضت لاستفزازات أثناء نظر بعض القضايا، مثل «خلية الماريوت» ولم تكن تؤثر على العمل، وكنت أستشهد بقوله تعالى: «فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِى نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ، قَالَ أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَانًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ».
ومثل هذه الاستفزازات تؤثر نفسيًا على القضاة، فحين أذهب إلى منزلى أكون فى حالة عصبية ولا أطيق كلمة من أحد، لكن لا أبدى شيئًا من هذا خلال الجلسة، أساتذتى الذين تعلمت على يدهم علمونى كيفية إدارة الجلسة، ويسمى ذلك علم وفن إدارة الجلسة.
فى محاكم الجنايات تلاحظ أحيانًا أن عضو اليمين يتحدث، وعضو اليسار يتحدث، وهذا خطأ، لأن نص القانون يقول ضبط الجلسة وإدارتها منوطان برئيسها، ولذلك فإنه يجب فقط أن يتحدث الرئيس وحده حتى يخرج الكلام بشكل صحيح.
■ هل الضغوط التى تعرضت لها جعلتك فى حاجة إلى عون نفسى؟
- فى بعض الأوقات كنت أحتاج إلى عون نفسى جرّاء الضغوط الشديدة التى تعرضت لها نفسيًا، «بقالى ١٠ سنين لم أذهب للمصيف»، لا أعيش حياة الإنسان العادية، كما لا أستطيع الذهاب إلى مكان دون حرس، ولا توجد إمكانية للجلوس فى مكان عام، لأنه غير مسموح بذلك، وعندما أذهب فى زيارة لابنى أحتاج إلى اتخاذ بعض الإجراءات.
■ نظرت فى قضية الخلايا النوعية
هذه القضية كانت مركبة وكان عناصرها متهمين فى تفجير أبراج الكهرباء، ماذا حدث فى هذه القضية؟
- العناصر الإرهابية فجرت أبراج الكهرباء بصورة إجرامية شديدة فى أربع محافظات مصرية مختلفة، حيث كان الإخوان يضعون المتفجرات أسفل الأبراج التى يتم عن طريقها تغذية المحطات الكهربائية، وهذه الأفعال الإجرامية أدت إلى تعطيل محطات الكهرباء وتوقف الأعمال فى المحافظات.
وأذكر أننى كنت حازمًا فى هذه القضية، وكنت أرغب فى النظر فيها سريعًا وإعلان الحكم النهائى بها، ونتيجة لذلك دخلت فى صدام مع المحامين بخصوص الإجراءات الخاصة بالأوراق، وكان هناك توجيه لهم بأن يتم تعطيل القضية لأطول فترة ممكنة، وألا يكون الحكم فيها سريعًا، وكان من المفاجئ لى أنه تم تقديم طلب رد فى القضية من أحد المحامين، وبالفعل تم قبول هذا الطلب، رغم أنه لم يُقبل طلب رد من هذا النوع منذ أكثر من ٦٠ عامًا، ولهذا بعد قبول هذا الطلب لم أعد أعلم شيئًا عن هذه القضية مطلقًا.
■ لماذا يوجد إصرار كبير من الجماعات التكفيرية على معاداة القضاة منذ استهداف المستشار الخازندار؟
- الشخصية الإخوانية لها طبيعتها الخاصة، وتتمثل عقيدتها فى أن من يخالفها فى الرأى عدو لها، كما أنها لا تعترف بالقانون الوضعى، وتعتبر أن من يحكم بالأوراق المتاحة أمامه كافر، وذلك لأنه خرج من شرع الله، وهذه المبادئ سبب عداء الإخوان مع رجال القضاء.
ويمكن القول أيضًا إن الإخوان يعتقدون أن القضاة هم السبب الأول وراء تعطيل أهدافهم وآمالهم، وأن القضاء يقف أمام تنفيذهم المشروع الإسلامى الخاص بهم، هذا المشروع يتلخص فى كلمة واحدة وهى أنه لا يوجد شىء يسمى دولة، ولكن يوجد ما يُطلق عليه أرض الإسلام.
وكانت عقيدة قائدهم سيد قطب تتلخص فى جملة شهيرة قالها من قبل وهى إن الوطن حفنة من تراب عفن، وهذا دليل على عدم اعترافهم بحدود وطن، ويعد هذا الرجل هو من رسخ مبادئ الإخوان المغلوطة فى أذهان هذه الجماعة.
■ إذا عادت بك الأيام فيما يتعلق بعملك المهنى.. هل كنت ستسير بنفس الطريق أم ستجرى بعض التعديلات؟
- حزين كل الحزن منذ أن تركت عملى فى القضاء، وكنت أرغب فى الاستمرار، حيث تملكنى شعور بالفراغ المميت، خاصة أن عملى بالقضاء كان هواية، حيث كنت أحب البحث والقراءة واستخراج الحقائق دائمًا، وإذا عاد بى الزمن للخلف لحرصت على أن أسلك نفس الطريق القضائى دون أى تعديل يذكر.
■ ما سمات القاضى؟
- من سمات القاضى الحرص الشديد قبل النطق بالحكم فى أى قضية، وذلك لأن كلمة القاضى مثلها مثل الرصاصة فى مسألة الجنايات، حيث الخطأ فى نطق الأحكام أمر يستحيل حدوثه، ولهذا يمكن القول إن جميع الأحكام التى نطقت بها فى جميع القضايا قلبى مطمئن إليها بصورة كبيرة، ولهذا لا أستطيع القول سوى أننى قضيت مهمتى وحكمت بها بما يرضى الله.
■ كيف تلقيت خبر استشهاد الشهيد هشام بركات؟
- أصابتنى صدمة كبيرة بعد أن تلقيت خبر استشهاد النائب العام هشام بركات، كنت أحبه بصورة كبيرة، وكان من الرجال الغالب عليهم صفة الاحترام، وبلغة القانون كان ثقيلًا فى ملفه، ولهذا كان يتوقع الجميع مقتله على أيدى الجماعة الإرهابية، ولأن أجله كان فى هذا اليوم اجتمعت الأسباب جميعها عند قتله، حيث لم يتوقع أحد، على الإطلاق، أن يكون الغدر بهذه الطريقة، إذ إنه قرر أن يمر بسيارته من خلال منطقة تسمى «النقطة الميتة» التى تسير فيها السيارة ببطء شديد، ولهذا كانت عملية الاغتيال أمرًا يسيرًا على العناصر التكفيرية فى هذه المنطقة.
ولا يمكن نكران أن الرئيس عبدالفتاح السيسى كان حزينًا كل الحزن على مقتل هذا الرجل الوطنى.
■ من واقع تجربتك.. هل السياسة تتدخل فى القضاء؟
- لم يحدث تمامًا أى تدخل فى القضايا، وهذه شهادة أمام الله، والقاضى الذى يقبل بذلك لا يجوز أن يكون قاضيًا، وهذا كان من ترويج الجماعة الإرهابية، والمواطنون العاديون من الممكن أن تؤثر فيهم مثل هذه الادعاءات.