الأحزاب.. ومخرجات الحوار الوطنى
على مدار الأيام الماضية، تابعنا النتائج التى خرجت بها جلسات الحوار الوطنى التى أسفرت عن مجموعة من التوصيات والمقترحات التى توصلت إليها لجان الحوار، والتى شملت عدداً من القضايا التى تضمنتها المحاور الثلاثة للحوار، وهى المحور السياسى والمجتمعى والاقتصادى.
والواقع أن هناك بالفعل العديد من المخرجات التى تمت صياغتها وعرضها على السيد رئيس الجمهورية تمثل أهمية كبيرة للمواطن المصرى، لأنها تتعلق بالرؤية المستقبلية للجمهورية الجديدة القائمة على التكاتف بين الدولة والمجتمع والعمل المشترك من أجل تحقيق التنمية والازدهار والنهضة الشاملة التى تشهدها البلاد، التى تستهدف الارتقاء بمستوى معيشة المواطن؛ باعتباره الغاية من التنمية وأدائها فى ذات الوقت.
ما يهمنى اليوم أن أتناول مردودا، ما أسفر عنه الحوار الوطنى على الأحزاب السياسية المختلفة فى الدولة المصرية التى يبلغ عددها قرابة 104 أحزاب سياسية تتشابه برامجها المعلنة مع بعضها الى حدٍ كبير وتدور حول محاولات كل حزب فى أن يثبت وجوده على أرض الواقع السياسى، وأن له رأيا ورؤية فى القضايا المختلفة التى تمت مناقشتها خلال جلسات الحوار التى بلغ عددها 113 قضية تم توزيعها على 19 لجنة فرعية.
بطبيعة الحال كان هناك تقدير وإشادة كبيرة من جميع تلك الأحزاب على الاستجابة الفورية للسيد الرئيس بتلقى مجموعة التوصيات التى خرجت من لجان الحوار وتكليف الجهات المعنية بدراستها وتطبيق ما يمكن منها فى إطار الصلاحيات القانونية والدستورية الممنوحة لسيادته كرئيس للجمهورية، وهو الأمر الذى حظى بردود أفعال إيجابية بين الأوساط السياسية والبرلمانية والحزبية، إلا أن ما استلفت نظرى ذلك الاختلاف الذى شهدته لجنة مباشرة الحقوق السياسية والتمثيل النيابى فيما يتعلق بالنظام الإنتخابى لمجلسى النواب والشيوخ وما شهدته لجنة المحليات فيما يتعلق بقانون المجالس المحلية الشعبية وآلية انتخاب أعضائها.
تمسكت الأحزاب التى ليس لها ظهير شعبى معتبر، بأن يكون النظام الانتخابى قائما على فكرة القائمة المطلقة المغلقة لضمان أن يكون لتلك الأحزاب بعض ممثليها داخل تلك القائمة، أما الأحزاب الكبيرة فقد عرضت أكثر من بديل فى إشارة إلى أن تواجدهم الدائم مع المواطنين من خلال المشاركات والمبادرات وحملات العلاج ...إلخ خلقت لديهم حالة من الثقة فى تقدير المواطن المصرى لتلك الخدمات التى تقدم لهم من هذه الأحزاب وبناء على تلك الخلافات التى عكست حالة من الحيوية والديمقراطية فى المناقشة تم الاتفاق على رفع ثلاثة مقترحات على السيد رئيس الجمهورية للبت والإختيار فيما بينها، حيث جاء الاقتراح الأول: الإبقاء على النظام الانتخابى الحالى الذى يتضمن تقسيم الجمهورية إلى 4 دوائر ويكون النظام الانتخابى 50% للقوائم المغلقة المطلقة و50% للنظام الفردى.
وجاء الرأى الثانى ليطالب بأن تكون الانتخابات بنظام القائمة النسبية بنسبة 100% فى 15 دائرة انتخابية بعدد مقاعد لكل دائرة 40 مقعدا مع الحفاظ على الكوته المحددة للمرأة والفئات الخمس الأخرى المنصوص عليها فى المواد 102 و242 و244 من الدستور المصرى، أما الرأى الثالث فإنه يرى تطبيق نظام انتخابى مختلط يجمع بين القوائم المغلقة المطلقة ونظام القوائم النسبية والنظام الفردى، بحيث تكون النسب 25% للقائمة المغلقة و25% للقائمة النسبية و50% للنظام الفردى مع مراعاة نسبة تمثيل المرأة والفئات التى حددها الدستور كما سبق أن أشرنا.
أيضاً كانت هناك مطالبة بزيادة عدد مقاعد أعضاء مجلسى النواب والشيوخ حتى يمكن تغطية احتياجات المجتمع المصرى الذى توسعت مناطقه الجغرافية من خلال المدن والإنشاءات الجديدة التى يأتى على رأسها العاصمة الإدارية، وبالتالى زادت احتياجاته إلى إصدار العديد من القوانين التى تتلاءم مع هذه المدن وفقاً لمتطلباتها المختلفة.
كما تابعت موقف الأحزاب حول قضية قانون المجالس الشعبية والمحلية، حيث أكدت جميع، الأحزاب على أهمية إصدار هذا القانون وسرعة إجراء انتخاباتها لما لها من أهمية فى مجال تقديم الخدمات اللازمة للمواطن وربط احتياجاته مع مؤسسات الدولة المختلفة، بالإضافة الى إيجاد حلقة اتصال مستمرة بين المواطن والنواب من خلال أعضاء تلك المجالس المحلية والشعبية، وقد تم التوافق حول النظام الإنتخابى لها، والذى جمع بين القائمة المغلقة بنسبة 75% والقائمة النسبية بنسبة 25% مع مراعاة نسب مشاركة المرأة والشباب فى كلتا القائمتين، ثم بدأت بعد ذلك المناقشات حول بعض النقاط الأخرى، من بينها إعادة النظر فى التشريعات المصرية بتوسيع صفة العامل والفلاح وضرورة النظر فى وضع المدن بالمجتمعات العمرانية الجديدة وأهمية حصول المواطنين المقيمين بها على حقهم فى حصة انتخابات أعضاء المجالس المحلية، بما يضمن الحوكمة والشفافية إعمالاً لمبادئ المساواة بين هؤلاء الأعضاء، وغيرهم من المواطنين الذين يتمتعون بحق الانتخابات وضرورة إعطاء تلك المجالس الآليات والتدابير التى تتيح إشراك المواطنين فى التخطيط وإدارة المشروعات والمرافق، كما طالب الجميع بضرورة وضع آليات رقابية فعالة لأعضاء المجالس ووضع ضوابط محددة لها مثل السؤال والاستجواب.
قصدت فى عرض تلك المناقشات والتى أسفرت عن المقترحات التى أشرت إليها، إن الحوار الوطنى قد أعطى الفرصة، بل أعطى قبلة الحياة للعديد من الأحزاب التى كانت موجودة فقط فى سجلات الهيئة العليا للأحزاب دون أن يكون لها أى دور أو تواجد فى الحياة السياسية... وفى هذا الإطار فقد سارعت بعض تلك الاحزاب فى تشكيل تحالفات فيما بينها فى محاولة جادة لتدعيم تواجدها فى حقل الحياة السياسية الذى بات واضحاً ان الجمهورية الجديدة تسعى إلى رعايتها وصقلها والاهتمام بتلك الأحزاب بحسب أهمية وثقل كل حزب على الأرض مع إعطاء الفرصة بكل شفافية وتشجيع للأحزاب الأخرى مهما كان وضعها أو تأثيرها ضعيفاً.
ومن هنا فإننى أقترح أن تتوسع الأحزاب المصرية فى فكرة تشكيل تحالفات وتكتلات حزبية، بحيث تتساند مع بعضها لإثراء الحياة الحزبية والسياسية مع احتفاظ كل حزب بخصوصيته، بما يشبه الاتحادات الكونفيدرالية، وهو ما نراه حالياً فى تحالف الأحزاب المصرية الذى يضم 42 حزبا والذى كان له حضوراً مؤثراً وناجحاً فى جلسات الحوار الوطنى، ولا شك أن وجود أكثر من تحالف متماسك سيكون من شأنه الارتقاء بالعمل السياسى والحزبى الذى يهدف فى النهاية إلى تحقيق صالح المواطن المصرى فى جمهوريته الجديدة.. وتحيا مصر.