ما بعد الانضمام إلى «بريكس»| مكاسب اقتصادية وسياسية.. واستفادة كبرى من تعدد التحالفات
عكس إعلان تكتل «بريكس» توجيه الدعوة لمصر و٥ دول أخرى للانضمام إليه رسميًا اعتبارًا من مطلع عام ٢٠٢٤، حجم وثقل مصر الاستراتيجى، ونفوذها المتزايد، إقليميًا ودوليًا، فى خطوة من شأنها أن تزيد من قوة القاهرة ودورها فى تدشين نظام عالمى جديد متعدد الأقطاب، بالتعاون مع دول المجموعة.
وقال عدد من الخبراء، فى حديثهم مع «الدستور»، إن تكتل «بريكس»، الذى يضم كلًا من: الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، أصبح مؤهلًا للعب دور أكبر على الساحة العالمية من الناحيتين الاقتصادية والسياسية، بعدما دعا دولًا مهمة مثل مصر والسعودية والإمارات وإيران والأرجنتين وإثيوبيا للانضمام إليه، فى إطار سعيه لمواجهة الهيمنة الغربية وسطوة الدولار، وتطوير التعاون بين دول الجنوب العالمى.
وتوقع الخبراء أن تسهم هذه الخطوة فى تعزيز حضور مصر العالمى، وتسمح لها بالاستفادة من المقدرات الاقتصادية لـ«بريكس»، خاصة من خلال «بنك التنمية الجديد» التابع للتكتل.
كما أن مصر فى المقابل ستضيف إلى «بريكس» الكثير، فى ظل موقعها ووزنها الاستراتيجى ونفوذها الإقليمى، إلى جانب قوتها البشرية، ودبلوماسيتها النشطة على المستوى العالمى.
تتويج للسياسة الخارجية المتوازنة تجاه القوى العالمية
قال الخبير السياسى الهندى، أفتاب باشا، إن العالم يتحول بقوة إلى نظام متعدد الأقطاب، معتبرًا أن انضمام مصر إلى «بريكس» يثرى دور التكتل ويزيد مساهمته فى الساحة العالمية، خاصة أنها فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى، تتبع سياسة متوازنة فى تعاملها مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى والصين وروسيا.
وأضاف «باشا»: «دول التكتل تربطها علاقة قوية بمصر منذ تأسيس حركة عدم الانحياز، ووضع أسس الصداقة على يد الرئيس المصرى الراحل جمال عبدالناصر والهندى جواهر لال نهرو، وعدد من القادة الرئيسيين لدول الجنوب والعالم النامى والصين والهند، وكانوا جميعًا من الأصدقاء القدامى لروسيا فى مرحلتها السوفيتية، وهذه هى نفسها الدول الرائدة فى بريكس، التى دعمت بقوة دعوة مصر للانضمام إلى التكتل».
وواصل: «الانضمام الرسمى لعدد من الدول العربية والإفريقية إلى بريكس سيمنحها زخمًا قويًا فى السياسة الدولية، فالمجموعة مهمة ومؤثرة وتلعب دورًا ضروريًا فى العلاقات الدولية لخلق بعض التوازن فى العالم، ما يساعد فى تعزيز الأمن والسلام العالميين».
ورأى أن توسيع «بريكس» يسمح بمزيد من التجارة والتبادلات والتعاون بين الأعضاء، فى إشارة واضحة إلى الغرب لتغيير سلوكه، ومراعاة الإجراءات المتخذة ضد روسيا والصين وإيران، وغيرها من الدول.
ورأى الخبير الهندى أن تنفيذ خطوات مثل إنشاء بنك تنمية تابع لـ«بريكس»، والتداول التجارى بالعملات الوطنية، وتنمية التعاون بين دول الجنوب، تعد بمثابة بداية لنظام دولى جديد.
وشدد على أن مصر بامتلاكها قناة السويس وموقعها الاستراتيجى تلعب دورًا مهمًا فى تحقيق التوازن بين طموحات الأعضاء الآخرين فى «بريكس»، مشيرًا إلى أن الهند تريد زيادة التعاون بين دول «بريكس»، وكذلك مع دولتين عربيتين، هما المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، فى ظل وزنهما الثقيل اقتصاديًا، ودورهما فى النفط والتجارة.
واختتم بقوله: «فى الوقت نفسه، تسعى الهند للحفاظ على علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة، والعمل بجدية من أجل عالم متعدد الأقطاب، خاصة بعد استخدام الدولار والأمم المتحدة وصندوق النقد والبنك الدوليين للحفاظ على الهيمنة الغربية، اقتصاديًا وسياسيًا واستراتيجيًا».
إنعاش الاقتصاد المصرى باستثمارات المجموعة
توقع وائل عواد، الباحث فى الشئون الآسيوية، أن يسهم انضمام مصر إلى تكتل «بريكس» فى إنعاش الاقتصاد المصرى، وتدفق استثمارات دول المجموعة إليها، مع الاستفادة من «بنك التنمية الجديد» التابع للمجموعة على جميع الأصعدة. وقال «عواد»: «مصر يمكن أن تستثمر العلاقات الجيدة والثنائية مع الدول الأعضاء فى التكتل، كما أن هذه الدول ستستفيد كثيرًا من مصر فى دخول السوقين الإفريقية والأوروبية عبر البوابة المصرية، ما يعزز النفوذ الجيوسياسى لمصر، ويفتح أسواقًا جديدة لبضائعها».
وأضاف: «لا شك أن تكتل بريكس من أقوى التحالفات فى القرن الحالى، وسيشكل تحديات كبيرة للتحالفات الأمريكية والغربية والأنظمة المالية القائمة، بشكل يمكنه أن يعيد التوازن للنظام العالمى، والنظام المالى المتدهور».
وواصل: «بريكس يفتح الباب أمام فرص واسعة للعديد من الدول التى تريد التخلص من هيمنة الدولار، ويمكنها أن تشكل فيما بينها قوة لا يستهان بها، خاصة إذا ما اتفقت على تشكيل عملة خاصة بها، ما يعزز من الأمن الغذائى والمالى لدول التكتل، وهذه الدول تملك جميع الإمكانات اللازمة لذلك».
تحقيق أمن الطاقة والغذاء
اعتبر طارق فهمى، أستاذ العلوم السياسية، أن انضمام مصر لتكتل «بريكس»، يهيئ لها كثيرًا من المكاسب السياسية والاقتصادية، ويخدم مصالحها فى سياقات متعددة، خاصة فى سياستها الخارجية.
وقال «فهمى»: «مصر بطبيعة الحال ماضية فى مسارها الصحيح، وانضمامها لـبريكس له ثمار كثيرة متوقعة، خاصة فى ظل إمكاناتها الكبيرة وقدراتها الدبلوماسية، وحرصها على المشاركة وطرح الرؤى والمقاربات مع دول التكتل».
وأضاف: «هذا الانضمام يعطى مزايا كبيرة فى عدة ملفات، منها أمن الطاقة والأمن الغذائى، فضلًا عن مكاسب أخرى، لأن بريكس هو تحالف جيوسياسى وليس مجرد تحالف شكلى، وبالتالى فالعلاقات بين أعضائه ستتم على مستويات متعددة وستسمح بمراجعات كثيرة ومهمة».
واختتم بقوله: «مصر ستستفيد كثيرًا من بنك التنمية الجديد التابع لبريكس، الذى ستشارك فيه بحصة تبلغ ٢ مليار دولار، تستعد لدفعها على ٧ أقساط، ما يسمح لها بالاستفادة من هذا النظام المالى الجديد».
تنفيذ مشروعات مهمة من خلال «بنك التنمية»
وصف مختار غباشى، نائب رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية العربية، دعوة أعضاء تكتل «بريكس» لانضمام مصر و٥ دول أخرى للتكتل بأنه قرار مهم للغاية، خاصة بعد التصويت عليه بالأغلبية المطلقة، وتجاوز تحفظات الهند والبرازيل تجاه توسيع المجموعة.
وقال «غباشى»: «مصر كان لها وضع خاص أثناء التصويت على توسيع بريكس، لأن عضويتها بالتكتل تنبنى على موقعها الجيوسياسى وقوتها البشرية وحجم تأثيرها فى العالم وثقلها الإقليمى»، لافتًا إلى أن «الدول المدعوة للانضمام للتكتل كلها دول ذات ثقل مختلف ومتنوع، لذا فإن القرار جاء بعد دراسة متأنية».
ونوه إلى المنافع التى تعود على مصر من هذه الخطوة، فى ظل أن التكتل يضم حاليًا أكثر من ٤٠٪ من سكان العالم، و٢٦٪ من قوته الاقتصادية، و١٨٪ من حجم التجارة الدولية حول العالم، فضلًا عن تدشين «بنك التنمية الجديد» المنبثق عن هذه المجموعة، ما يسمح لأعضائها بالاستفادة منها فى تنفيذ مشروعات اقتصادية مهمة.
وأضاف: «انعكاس بريكس على التحالفات الدولية والأوضاع الاقتصادية العالمية خطير، لأن الولايات المتحدة تنظر للتكتل باعتباره منافسًا قويًا، خاصة أنه تأسس كقوة اقتصادية منافسة لمجموعة السبع الصناعية الكبرى، التى تقودها أمريكا». وواصل: «تتخوف الولايات المتحدة من تكتل بحجم بريكس، يضم الصين وروسيا والهند وجنوب إفريقيا، والبرازيل بحجم تأثيرها على أمريكا اللاتينية، ومع انضمام ٦ دول كبيرة أصبح هذا التجمع أكبر وأخطر، ومن الممكن أن يغير التوازنات على المستويين الدولى والإقليمى، فضلًا عن قدرته على تحييد الدولار فى التعاملات البينية واستبداله بالعملات الوطنية، أو خلق عملة جديدة لبريكس مستقبلًا».
وشدد على أن تكتل «بريكس» أصبح تجمعًا أقوى، وازداد قوة بعدما ضم ١١ دولة كبيرة، مع استهدافه ترشيح العديد من الدول للانضمام إليه قريبًا.
تسهيل دخول المنتجات المصرية أسواق التكتل
كشف الدكتور محمد شادى، الباحث الاقتصادى، عن أبرز التأثيرات الإيجابية لانضمام مصر إلى تجمع «بريكس»، فى مقدمته تسهيل دخول المنتجات المصرية إلى أسواق دول أعضاء التكتل، خاصة أسواق الإمارات والخليج بصفة عامة.
وقال «شادى»: «الدول الخمس المكونة لبريكس ترتبط باتفاقية تبادل تجارى حر، تشكل ٩٠٪ من التعريفات الجمركية، ما يسهم فى تسهيل دخول المنتجات المصرية إلى أسواق الدول الأعضاء، كما أن الاستثمار بين هذه الدول سيشهد العديد من التيسيرات، بشكل يجعل المستثمرين يشعرون كأنهم من نفس الدولة».
وأشار الباحث الاقتصادى إلى أهمية التبادل التكنولوجى بين أعضاء «بريكس»، فى ظل امتلاك التجمع مركزين لهذا القطاع، الأول «مركز بريكس لبراءة الاختراعات»، والثانى «مركز الطاقة المتجددة والذكاء الاصطناعى»، ومصر تحتاج لهذين المركزين فى توطين التكنولوجيا والاختراعات والتحول الرقمى والطاقة.
وأضاف: «كما يمكن من خلال الانضمام إلى بريكس الحصول على تمويل من بنك التنمية الجديد التابع لبريكس، وهو مثل البنك الدولى، ويمنح تمويلات منخفضة التكلفة وبالعملات المحلية للبلدان، من أجل تنفيذ المشروعات التنموية والخاصة بالبنية التحتية، فضلًا عن الاستفادة من التنسيق الأمنى وتبادل المعلومات مع الدول الأعضاء، بما يضيف إلى قدرات مصر فى ملفى الأمن والإرهاب».
تقليل الطلب على الدولار.. وتخفيض الاستيراد
شددت الدكتورة هدى الملاح، الخبيرة الاقتصادية، على أهمية مصر بالنسبة لباقى أعضاء تجمع «بريكس»، فى ظل موقعها الاستراتيجى المهم جدًا من بين كل الدول الإفريقية والآسيوية.
وقالت الخبيرة الاقتصادية إن مجموعة «بريكس» أُنشئت للنهوض باقتصاد أعضائها وتعزيز التبادل التجارى بينها، ومصر يمكنها أن تكون «أرض تصنيع» للتكتل، فضلًا عما تمتلكه من مقومات استراتيجية كبيرة، مثل قناة السويس والمنطقة الاقتصادية الخاصة بها، إلى جانب التيسيرات الاستثمارية التى أقرتها الدولة فى الفترة الأخيرة.
وأضافت: «يوجد الكثير من المنافع لمصر من وراء الانضمام لتكتل (بريكس)، على رأسها زيادة قوة الجنيه، فى ظل الحديث عن عملة موحدة للتبادل التجارى بين الدول الأعضاء، وعدم الاعتماد على الدولار فى الاستيراد، بالتزامن مع زيادة معدلات التبادل التجارى مع كل من الصين وروسيا، إلى جانب الهند».
وواصلت شرح هذه النقطة: «توحيد العملة أو استخدام العملات المحلية بين الدول الأعضاء فى التكتل، يخفض الطلب على الدولار، وبالتالى تنخفض الفاتورة الاستيرادية، وترتفع القيمة الشرائية للجنيه».
كما أشارت إلى انعكاس «بريكس» على التحالفات الدولية الأخرى مثل «مجموعة السبع»، التى تمثل أكبر اقتصاديات العالم، ليكون «بريكس» هو المنافس الأقوى لها.