نجيب ومنيب... القمر الليلة بدر
خبر مفرح ذلك الذى أعلنته إدارة مهرجان محكى القلعة بتكريم الموسيقار أحمد منيب والشاعر الكبير مجدى نجيب... الفكرة ليست فى أننا تذكرنا أنهما من قامات مصر الكبرى، ونكرمهما فى واحد من أهم مهرجانات الموسيقى فى بلادنا... ولكن أيضًا لأن هذا التكريم يحدث وسط الناس... الناس البسيطة التى تأتى من كل حدب وصوب لهذا المهرجان المتفرد... نفس الناس الذين كتب لهم مجدى ولحن وغنى منيب.
عرفت العم مجدى فى وقت مبكر جدًا فى قريتى فى سوهاج... وكان بيت أحمد منيب فى السيدة زينب هو أول بيت لموسيقى كبير أدخله فى القاهرة... كنت طفلًا على باب الشعر أحبو وفى ظلهما وجدت حقيقة الشعر وحكمة الموسيقى... كلاهما يشبه ما يفعل... العم مجدى يرسم ما يحلم به، ويعيش كما يحلم، ويغنى كما يعيش... مفرداته التى تغنت بها شادية وحمام وفايزة لا تختلف كثيرًا عن رسومه لأغلفة كتب الأطفال... ديوانه «صهد الشتا» كان أول معرفتى بالشعر الحقيقى، أما العم أحمد منيب فهو ذلك الدُّف النوبى الحنون الذى لا يشبه أى إيقاع آخر فى العالم.
وليس من قبيل الصدفة أن أهم ما يميز مشروع محمد منير الموسيقى هو وجودهما معًا... منيب ونجيب منذ اللحظات الأولى لإطلاق ذلك المشروع بداية ثمانينيات القرن الماضى... تجربة الرجلين تستحق أن تُروى، وأن تدرس، وأن نستلهمها بكل الطرق... ليس لأنهما متفردان فقط... ولكن لأنهما ملهمان أيضًا.. عشرات التجارب الجادة فى غناء المصريين، خلال نصف القرن الأخير تدين لهما بفضل عظيم... ولأنه ليس وقت الدراسة والتحليل والشرح، يكفى أن أقول إن منيب هو الملحن المصرى الوحيد الذى وحّد الشمال والجنوب فى جملة موسيقية واحدة... أما العم مجدى فهو صاحب الطلعة الأولى لما يمكن تسميته بقصيدة نثر العامية قبل الأبنودى وحجاب... كلاهما استلهم جذوره شديدة الخصوصية لتأكيد هويتنا فى لحظة فارقة بعد هزيمة يونيو، وكم نحن فى حاجة للتأكيد على هذه الهوية فى كل وقت.
من يتذكر الشيخ كشك يذكر حتمًا تلك النكتة التى أطلقها يومًا وهو يتندر على المطربة الكبيرة شادية وهو يسألها... غاب القمر يا بن عمى.. يلّا روحنى... لا النسمة آخر الليل تفوت وتجرحنى... إيه اللى مقعدك معاه لحد آخر... سؤال الشيخ كشك الضاحك والمستنكر الذى لم يستوعب مفارقة نجيب... جعل ملايين العوام يبحثون عنه... مثلما بحث الغربيون وآل صهيون عنه حينما استخدموا قطعته البديعة قولوا لعين الشمس بلحن بليغ للسخرية من هزيمتنا... يومها حزن نجيب أن يعرفه الناس بهذه الطريقة... ذلك الحزن الذى يغلف قلبه المرهق طيلة الرحلة... والذى زاد مؤخرًا بعد وفاة نجله... نجيب ربما يكون فى حاجة إلى محبتنا الآن لكننا نحن فى حاجة لأن نعرفه ونعرف منيب على طريقتنا، وليس على طريقة الشيخ كشك... الرجل الذى غنى مع منير... ولكنى قادر ف الحزن أفرح... الرجل الذى أعلن عن أنه... يسكن بيوت الفرح من حقه أن نفرح به فى ليلة تكريمه... وتكريم منيب الذى أتمنى أن يمتد إلى موسيقاه التى نحتاج إلى إعادة تقديمها فى مشروع كامل بتوزيعات موسيقية مختلفة من حقه أيضًا أن نفرح بأنه معنا الآن... كلاهما سبب مهم للفرح الذى نستحقه ويستحقه جمهور الموسيقى فى بلادنا فى القلعة وفى غيرها.
شكرًا لمن فكر فى أن يكون تكريم الرجلين فى ساحة القلعة... قلعة صلاح الدين بكل ما تعنيه من رمزية تاريخية.. وسط أجواء عمران جديد وتطوير حقيقى للقاهرة القديمة... القاهرة التى أنجبت مجدى ومنيب.. التى ستظل تنجب من الأولاد بلا عدد... هؤلاء الأولاد حتمًا سعداء مثلى بهذا التكريم.