مصر ومتلازمة الأخ الأكبر!
أنا واحد من الذين بذلوا جهدًا مهنيًا فى الهجوم على محاولات سرقة ريادة مصر.. سواء عبر شراء الأفلام المصرية.. أو احتكار الأصوات المصرية.. أو عبر محاولة فرض نسخة غير مصرية من التدين وتجنيد دعاة من خارج الأزهر الشريف، لتسويق هذه النسخة الوهابية الإخوانية المتطرفة.. وأظن أننى ما زلت عند قناعتى بريادة مصر التى لا تدانيها ريادة.. ومع ذلك يمكن أن أقول بضمير مستريح إن هناك حالة زائدة من الحساسية عبر وسائل التواصل الاجتماعى تجاه هذا الموضوع.. وإن من له مثل تاريخنا الفنى والثقافى يجب أن يكون أكثر ثقة فى نفسه وأهدأ بالًا وأكثر انصرافًا للأفعال على الأرض.. فنحن عندما نفعل لا يمكن أن يسبقنا أحد.. من المهم أيضًا أن نفهم طبيعة العلاقة بيننا وبين بعض الشعوب العربية الشقيقة التى يمكن تلخيصها بمتلازمة «الأخ الأكبر»، ففى كل منزل يوجد أخ أكبر وأخ أصغر.. الأخ الأصغر يُعجب بالأخ الأكبر وغالبًا ما يقلده.. يحاول أن يكبر كى يصبح مساويًا فى العمر للأخ الأكبر.. لكن المفارقة أنه عندما يكبر يكتشف أن أخاه الأكبر أصبح أكبر منه! إن عجلة الزمن لا تتوقف.. فإذا كان عمر الأخ الأصغر ثمانى سنوات وعمر الأكبر ستة عشر عامًا.. فإن مرور ثمانى سنوات يجعل الأصغر عمره ستة عشر عامًا بالفعل.. لكنه يجد أن أخاه الأكبر انتقل لمرحلة أخرى من النضج هى مرحلة الرجولة.. لقد صار عمره ٢٤ عامًا! إن كل جهود الأخ الأصغر فى تقليد مراهقة أخيه راحت سدى! إنه عندما بلغ ستة عشر عامًا قلّد كل مظاهر مراهقة أخيه التى رآها منذ سنوات.. صفف شعره بنفس الطريقة.. ارتدى الملابس بنفس الطريقة.. وقف على ناصية الشارع بنفس الطريقة.. لكنه لم يصبح أبدًا ندًا لأخيه الأكبر الذى تحرك به الزمن هو الآخر، فتخرج فى الجامعة والتحق بوظيفة وغيّر طريقته فى تصفيف شعره وارتداء الملابس، وكل تفاصيل حياته.. إن الأخ الأصغر عادة ما يشعر بحسرة حقيقية وربما بنوع من الظلم.. إنه معجب بأخيه الأكبر ويريد أن يكون صديقًا أو ندًا له.. لكن هذا لا يحدث أبدًا مهما فعل.. إنه حُكم القدر أو دورة الزمن أو إرادة الله الذى شاء أن يكون فى كل عائلة صغير وكبير.. سابق ولاحق.. رائد وتابع.. إنها سنة الله فى خلقه ولن تجد لسنته تبديلًا.. فى العائلات السوية ينضج الأخ الأصغر سريعًا ويضع يده فى يد أخيه الأكبر ليواجها الحياة معًا، ويتغلب على تلك المشاعر الصغيرة المرتبطة عادة بالمراهقة، ويدرك كم هو محظوظ أن لديه أخًا أكبر يجرى فى عروقه نفس الدم، يخاف على مصالحه ويتصدى لأعدائه إذا لزم الأمر، وينقل له خبرته فى الحياة بكل حب وود لأنهما أخوان تربط بينهما رابطة الدم.. أما فى بعض الحالات الغريبة والنادرة، فيظن الأخ الأصغر أن عداءه مع أخيه الأكبر لا لشىء إلا لأنه أكبر منه.. رغم أن هذا ليس ذنب الأخ الأكبر ولا ذنب أى أحد، ولا هو ذنب على الإطلاق.. لكن خطأ فى طريقة تفكير الأخ الأصغر يقوده إلى التصرف بهذه الطريقة والانسياق وراء هذه الكذبة، وعادة ما يخسر هذا الأخ لأنه يبذل مجهوده فيما لا طائل من ورائه.. ولأنه يتصرف وفق مقدمات خاطئة تقوده حتمًا إلى نتائج خاطئة.. حتى إنه فى سعيه لهذا التفوق الوهمى على أخيه يسعى لمصالحة أعداء العائلة الذين اعتدوا على ممتلكاتها وأساءوا لها، ويفكر أنهم يمكن أن ينصروه فى صراعه الوهمى مع أخيه الأكبر الذى لا يكن له سوى العطف الذى عادة ما يكنه الكبير للصغير.. إن متلازمة الأخ الأكبر، ولا شك أنها متلازمة خطيرة، فى حاجة لأن يدرسها علماء النفس ويشرحوها لنا.. لأنها تقود الصغير إلى عدم التفرقة بين الأصدقاء والأعداء وإلى مقابلة الود بالإساءة وإلى التقليد، وربما إلى سرقة بعض ملابس الأخ الأكبر وارتدائها، والمؤسف أنها تبدو وقتها واسعة عليه فتضعه فى صورة غير مناسبة، رغم أن أحدًا لا يحب هذا ولا يحرص عليه.. غريبة دنيا العلاقات العائلية، ولا تقل غرابة أبدًا عن دنيا السياسة.. وأظن أن علينا فهم الكثير من ممارسات العالم العربى فى الفن والثقافة والسياسة، وفق متلازمة الأخ الأكبر التى يعانى البعض منها تجاه مصر، وبالتالى نقلل من حساسية السوشيال ميديا تجاه بعض الهفوات هنا وهناك، ونستمتع بثقتنا فى أنفسنا وبأننا كنا وسنظل كبارًا فى الوطن العربى.. هكذا قضت سنة الله فى خلقه ولن تجد لسنته تبديلًا.