هل تنجح الجامعة العربية في المساهمة لحل أزمات المنطقة؟.. سياسيون يجيبون
أكثر من 10 ملايين شخص نزحوا من بلادهم في المنطقة العربية خلال العامين الماضيين، بسبب الحروب والأزمات التي تشهدها بعض الدول، وفقًا لتقرير للأمم المتحدة، فمن الحرب في السودان إلى استمرار الشغور الرئاسي في لبنان وعودة العنف إلى ليبيا وإعادة سوريا للجامعة العربية بالإضافة لأزمة الصراع العربي الإسرائيلي، جميعها ملفات ساخنة على طاولة جامعة الدول العربية تحتاج إلى حلول وتدخلات سريعة لإعادة الاستقرار في المنطقة.
ومن جانبها، تحاول الجامعة العربية بقيادة أمينها العام أحمد أبوالغيط، والأمين المساعد حسام زكي، ومعهم مجموعة من المبعوثين لحل هذه الأزمات والتحرك وفق آلية عربية مشتركة تتفق مع الميثاق الذي قامت عليه الجامعة العربية.
“الدستور” يرصد أبرز تحركات جامعة الدول العربية في هذه الملفات مؤخراً.
الشغور الرئاسي في لبنان
منذ بداية أزمة لبنان في عام 2019، تكثف الجامعة العربية من تحركاتها من أجل الوصول إلى صيغة مناسبة لحل الخلاف بين الطبقة السياسية اللبنانية، وكسر الانسداد السياسي بما يُمهد السبيل للخروج من الأزمة الاقتصادية الصعبة التي يُعاني منها البلد.
وفي أكثر من مناسبة، شدد الأمين العام على مساندة الجامعة العربية للبنان، واستعدادها للقيام بأي دور يُطلب منها لتسهيل الحوار بين الأفرقاء.
ومع انتهاء ولاية الرئيس اللبناني ميشال عون في أكتوبر الماضي، حذرت الجامعة أكثر من مرة من مخاطر استمرار الشغور الرئاسي في البلاد.
وناشد أبوالغيط مختلف القيادات السياسية اللبنانية الالتفات إلى خطورة اللحظة التي يمر بها البلد وسط ظرف دولي مضطرب يفرض على المجتمع الدولي قائمة أولوياتٍ مزدحمة، وأن هذا الظرف ذاته يفرض على الأفرقاء تجاوز كل الانقسامات واحتواءها ويحتم على الجميع وضع المصلحة اللبنانية فوق كل اعتبار.
الحلول العربية طوق نجاة لبنان
من جانبه، يقول الكاتب والمحلل السياسي اللبناني محمد الرز، إن لبنان لم يعرف حلولا لأزماته المتلاحقة منذ استقلاله عام 1943 إلا بواسطة التكاتف العربي، وكان لمصر دور أساسي في إنتاج هذه الحلول حرصا منها على بناء وترسيخ مقومات الدولة الوطنية في لبنان.
وضرب المحلل السياسي اللبناني مثالاً على ذلك قائلاً في حديثه للدستور: “إن جلاء القوات الفرنسية عن لبنان عام 1945 وانقسام اللبنانيين حوله لم يتحقق إلا بعد ضغط حكومة النحاس باشا على فرنسا، كما أن حل المصادمات الداخلية عام 1958 تحقق في اجتماع جمال عبد الناصر مع الرئيس اللبناني المنتخب وقتها فؤاد شهاب”.
فيما تم حل أزمة الاشتباكات بين الجيش اللبناني والمقاومة الفلسطينية بموجب اتفاق القاهرة، أما اتفاق الطائف للوفاق الوطني اللبناني عام 1989 الذي أنهى الحرب الأهلية وتحول إلى دستور وطني فهو تأسس على مؤتمر القاهرة عام 1988، وهكذا بالنسبة لباقي الأزمات اللبنانية ومنها الأزمة الراهنة.
عدم متابعة القرارات العربية
وأشار المحلل اللبناني، إلى أن بعد صدور اتفاق الطائف برعاية الجامعة العربية حدثت ثغرة خطيرة وهي عدم متابعة تنفيذ الاتفاق بكل بنوده، خاصة وأن بقايا الإقطاع السياسي مع بقايا الميليشيات المسلحة شكلت فيما بينها طبقة سياسية انقلبت على الدستور وتوافقت على اعتماد المحاصصة في حكم البلد.
وأضاف: "وأمام سقوط الحلول للأزمات اللبنانية سابقا وحاليًا، بما فيها المبادرة الفرنسية، أصبح تدخل الجامعة العربية لحل الأزمة اللبنانية هو الخيار الوحيد، فالجامعة لن تتدخل لصالح طرف دون آخر وإنما لتنفيذ الدستور الوطني بكل بنوده وهي التي سبق لها ورعت صدوره بتوافق الأغلبية الساحقة من اللبنانيين".
الجامعة العربية قادرة على استعادة دورها
وأكد محمد الرز، أن الجامعة العربية قادرة على استعادة دورها بمساعدة الدول التي ساهمت بصدور اتفاق الطائف، عبر الضغط على المجلس النيابي اللبناني، لإقرار كل البنود الدستورية التي لم تطبق بما فيها القوانين الاقتصادية.
وأردف: "إذا تم إنجاز هذا الحل الدستوري والوطني تصبح الطرق مفتوحة أمام انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة، لأن معيار الحكم في لبنان سيصبح محددًا ومرتكزًا إلى الدستور الوطني وليس إلى المحاصصات والعنصريات الطائفية وصراع المصالح الدائر الآن".
دور الجامعة العربية في صراع السودان
في سياق آخر، تتابع جامعة الدول العربية ما يجري في السودان عن كثب، واجتمع مندوبيها أكثر من مرة لمناقشة الأوضاع الإنسانية المترتبة عن الحرب الدائرة في البلاد، ولكن حتى الوقت الحالي لم تنجح الجامعة في الدعوة إلى اجتماع عربي يضم الفرقاء السودانيين على طاولة الحوار لإيجاد حلول سياسية للأزمة بعيدة عن الصراع المسلح.
وفي مايو الماضي، أصدرت جامعة الدول العربية القرار رقم 8913، الصادر عن اجتماع مجلسها في جلسته المستأنفة، التي انعقدت أمس الاثنين، برئاسة مصر، بشأن تطورات الوضع فى جمهورية السودان، حيث دعت إلى الوقف الفوري لكافة الأعمال القتالية، دون قيد أو شرط، وتعزيز الالتزام بالهدنة، سعياً نحو عدم تفاقم الأوضاع الإنسانية والمعيشية للشعب السوداني، والحفاظ على مكتسباته وسلامة الدولة السودانية ومؤسساتها ومنشآتها.
كما أدان المجلس بأشد العبارات استهداف المدنيين والمنشآت المدنية وبخاصة الطبية منها، وقتل المدنيين أيًا كانت جنسياتهم، والتحذير من مغبة وتداعيات تلك الأعمال التي تؤدي إلى زيادة حدة الصراع، وتعد انتهاكا خطيرا للقانون الدولي الإنساني، كما طالبت بالحفاظ على حرمة البعثات الدبلوماسية وسلامة وأمن الأطقم العاملة بها، اتساقا مع اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لسنة 1961 والتحذير من أي مساس بها بما يعد انتهاكا لقواعد القانون الدولي، يتحمل مسؤوليته كل من يتورط في تلك الأفعال الشائنة.
عودة سوريا للجامعة العربية
في مايو، عادت سوريا إلى الحضن العربي، في اجتماع استثنائي عقده مجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية في القاهرة.
فقد أعلنت جامعة الدول العربية في بيان رسمي، أنها اتخذت قراراً باستعادة سوريا عضويتها واستئناف مشاركتها في اجتماعات مجلس الجامعة
كما قررت "استئناف مشاركة وفود الحكومة السورية في اجتماعات الجامعة، وجميع المنظمات والأجهزة التابعة لها، اعتبارا من 7 مايو 2023".
وبعدها بأيام قليلة شارك الرئيس السوري بشار الأسد في القمة العربية التي استضافتها مدينة جدة، بالمملكة العربية السعودية، مما جدد الآمال والطموحات حول بدء الدعم العربي للوضع الإنساني في سوريا.
ولكن بعد مرور ثلاث أشهر، يرى خبراء سوريون إن القرار لم يكون له أي نتائج ايجابية واضحة على أرض الواقع حتى الآن، ويعتبر البعض أن الجامعة لم تنجح في إقناع بعض الدول في التخلي عن موقفها من النظام السوري، وهذا يعود إلى آلية عمل الجامعة العربية في الأصل.
في هذا السياق، قال الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، إن هناك الكثير من الملفات الساخنة في الوقت الحالي التي تحتاج إلى تدخل الجامعة العربية، سواء ما يجري في السودان أو عودة سوريا، أمن الخليج، الشغور الرئاسي في لبنان، إعمار العراق وغيرها، مضيفاً: “ولكن السؤال هنا هل الجامعة العربية في الأصل دورها شرفي أم رسمي؟ لتكون قادرة على التدخل بشكل فعال في هذه الملفات”.
وتابع فهمي في تصريحات للدستور: "هذا السؤال مرتبط بعدة أسئلة مهمة أخرى في هذا السياق، ترتبط من بينها "هل الجامعة العربية لديها إمكانيات وقدرات؟ هل الجامعة العربية تعبر عن إرادة الدول؟ أم عن الميثاق الذي يحرك دورها؟".
وأضاف: "ويجدر الإشارة إن الجامعة العربية ومبعوثيها يسعون جاهدين لتأدية أدوارهم، بالإضافة إلى ما يلعبه الأمين العام والأمين العام المساعد من تحركات في كثير من الملفات، ولكن هناك مشكلة عالقة ترتبط بطبيعة تقبل بعض الدول بتدخل الجامعة العربية لحل المشكلات".
وأردف: "من الضروري تفعيل دور الجامعة العربية في إطار ما يحدث دوليًا وإقليميا، وربط دورها بعدة عوامل من بينها بالتحولات السياسية التي يشهدها الاقليم، والتحولات الاقليمية الاخرى ما تتطلب فاعلية دور الجامعة العربية، ولكنها لا يحق لها التدخل فيها باعتبارها كيان عربي وليس إقليمي"، مقترحاً تطوير النظام الأساسي القائم عليه الجامعة العربية، وتعزيز فكرة الشراكة العربية في مواجهة التحديات والمخاطر التي يطرحها النظام الإقليمي العربي في مواجهة النظام الشرق الأوسطي.
وتابع: "بمعنى أن يتم ترقية دور الجامعة العربية لضم كيانات أوسع وتصبح شرق أوسطية، بالاضافة ضرورة تطوير أدوات وآليات الجامعة العربية، وتغيير نظامها وأنماط التصويت داخل الجامعة والهيكلة العامة، وتفعيل فكرة المبعوثين وإرسالهم إلى المناطق المشتعلة لبحث القضايا الساخنة من أرض الواقع".